التقرير الاستخباري الإسرائيلي حول المحادثات غير المباشرة مع سورية (1)
الجمل: لم تقتصر متابعة ملف المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة على مجرد قيام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بنقل التقارير والوقائع ونشر التسريبات وقد برزت إضافة لذلك القليل من الأطراف التي حاولت تقديم بعض التحليلات والتخمينات الاستراتيجية لشكل السيناريو والتداعيات الراهنة والمؤجلة لهذه المحادثات.
* مركز جافي الإسرائيلي: التخمين الاستراتيجي الدوري:
أصدر مركز جافي للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب تقرير التخمين الاستخباري الدوري الأخير، الذي تضمن عدة موضوعات وكان اللافت للنظر بينها الاهتمام بملف المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة ويمكن توصيف ذلك على النحو الآتي:
• التخمين الأول: أعده الخبير الإسرائيلي ألوف بين وحمل عنوان «مصالح متقاربة: جوهري ولكن ليس بالقدر الكافي».
• التخمين الثاني: أعده الخبير الإسرائيلي شلومو بروم وحمل عنوان «هل توجد حقيقةً نافذة للفرصة؟».
القراءة الأولى للتخمينيين تشير إلى أنهما حاولا الإجابة على نفس التساؤلات من خلال هيكلية بحثية شبه موحدة.
* ماذا وراء تخمين الخبير ألوف بين:
يقول بين في تخمينه بأن سوريا أعلنت بأنها ستشرع في محادثات غير مباشرة برعاية تركية مع إسرائيل التي التزم رئيس وزرائها أولمرت بالانسحاب الكامل من الجولان إلى حدود 4 حزيران 1967م، ولكن على الجانب الإسرائيلي لم يصدر أي نفي صريح لهذه المعلومة، وما كان جديراً بالملاحظة أن الإدارة الأمريكية التي تم إطلاعها مسبقاً على الأمر لم تظهر سوى القليل من التعاطف مع هذه المحادثات إضافةً إلى أنها لم تسع لتقويضها، وقد جاءت هذه المحادثات بعد ثماني سنوات من الانقطاع كثمرة لمحادثات سورية – تركية، وتركية – إسرائيلية، وكما في الفترات السابقة فقد أثار خبر المحادثات السورية – الإسرائيلية فورة كبرى في أوساط الرأي العام والسياسيين الإسرائيليين وقد حاولت بعض الأطراف الإسرائيلية اتهام رئيس الوزراء أولمرت بأنه لجأ إلى ملف المحادثات مع سوريا لتحويل انتباه الرأي العام الإسرائيلي عن ملف تحقيقات الشرطة الإسرائيلية معه.
أشار الخبير ألوف بين في مقدمة تخمينه إلى ثلاث نقاط إضافية، الأولى تمثلت في القول بأن قناة الوساطة التركية قد بدأت منذ زيارة أولمرت لتركيا في شباط 2007م الماضي والثانية تمثلت في أن توجهات الطرفين إزاء كيفية إجراء المفاوضات كانت متباينة:
• سوريا تريد الآتي:
- أن تكون المفاوضات علنية.
- أن تكون أمريكا وسيطاً مشاركاً.
- أن تعلن إسرائيل التزاماً مسبقاً باستعدادها للانسحاب من الجولان.
• إسرائيل تريد الآتي:
- أن تكون المحادثات سرية.
- أن تكون المحادثات مباشرة.
- أن تلتزم سوريا بفك ارتباطها مع إيران وحزب الله والمنظمات الفلسطينية.
أما النقطة الثالثة في تخمين ألوف بين فتمثلت في مسوحات استطلاع الرأي العام الإسرائيلي التي نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت التي أكدت على أن أغلبية الرأي العام الإسرائيلي تعارض فكرة الانسحاب من الجولان.
* المصلحة الاستراتيجية:
يشير الخبير ألوف بين إلى وجهة نظر الإسرائيليين المؤيدة للسلام مع سوريا على أساس اعتبارات الآتي:
• تتميز دمشق بالقوة والاستقرار لذلك تستطيع الالتزام بتطبيق اتفاقية السلام إذا تم التوصل إليها بعكس "رام الله" التي لم تستطع الالتزام بتطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه بسبب ضعفها.
• التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا سيؤدي إلى إكمال حلقة الاتفاقيات السلام مع البلدان المجاورة لإسرائيل.
• التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا سيؤدي إلى انفتاح الطرق البرية أمام إسرائيل مروراً بسوريا وتركيا وحتى أوروبا.
• التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا سيؤدي إلى تقليل مخاطر احتمالات اندلاع الحرب الكبيرة في الشرق الأوسط.
• التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا أكثر سهولة من التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين خاصة فيما يتعلق بقضايا الحدود والترتيبات الأمنية والتفاصيل الأخرى، إضافةً إلى أن عملية السلام مع سوريا سوف لن تكون لها تداعيات أو تعقيدات سياسية أو أيديولوجية داخل إسرائيل كما هو الحال في عملية السلام مع الفلسطينيين التي تتضمن ملفات ذات تداعيات وتعقيدات مذهبية – إيديولوجية – دينية مثل ملف القدس والمستوطنات وما شابه ذلك.
ويضيف الخبير قائلاً بأن المؤيدين للسلام مع سوريا هم قادة المؤسسة العسكرية – الأمنية الإسرائيلية ومن أبرزهم:
• الجنرال إيهود باراك وزير الدفاع.
• الجنرال غابي أشكينازي رئيس الأركان الحالي.
• الجنرال عاموس يادلين رئيس المخابرات الحالي.
ويجمع هؤلاء الجنرالات على أن التوصل لاتفاقية سلام مع سوريا سيترتب عليه تحسين الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي الكلي إزاء التوترات الأخرى التي تواجه إسرائيل مخاطرها وتهديداتها كما هو الحال بالنسبة لخطر التهديد الإيراني.
أشار التخمين الاستخباري الدوري الذي قدمته المخابرات العسكرية الإسرائيلية إلى مجلس الوزراء بأن التهديد الرئيسي الذي يواجه إسرائيل في عام 2008م سينشأ من قيام تحالف عسكري يجمع بين سوريا وإيران وحزب الله وحركة حماس إضافةً إلى الدعم الخارجي الذي يمكن أن يحصل عليه هذا التحالف من حركة الجهاد العالمي ويشير التخمين الاستخباري إلى أن هذا التحالف يمكن أن يشن هجوماً منسقاً ضد إسرائيل يتضمن الهجمات الإرهابية والصواريخ والمقذوفات رداً على قيام إسرائيل بـ:
• شن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
• اجتياح قطاع غزة.
• التصعيد العسكري في جنوب لبنان.
ويرى التخمين الاستخباري بأنه على خلفية فشل إسرائيل في حرب لبنان فإن هذا التحالف سوف تتملكه المزيد من القوة والثقة والترابط لجهة عدم التردد في مهاجمة إسرائيل وإلحاق هزيمة كبرى جديدة بها وتأسيساً على ذلك فإن إسرائيل تعاني كثيراً من قيام هذه الأطراف حالياً بتقوية تعزيزاتها الجارية بما يترتب عليه فرض المزيد من الضغوط الاستراتيجية التي ستجهد أمن إسرائيل أكثر فأكثر.
يقول الخبير ألوف بين أن إسرائيل تواجه حالياً موقف الطرف الذي يواجه من الأعداء بحيث لم يعد أمامها من خيار سوى العمل على قطع روابطهم واحداً عن الآخر لجهة تحسين وتعزيز موقعها الاستراتيجي ويضيف ألوف قائلاً بأن فتح قناة سوريا سيتيح لإسرائيل على الأقل فرصة إزالة إحدى الحلقات الرئيسية من السلسلة إلى حين يتم حسم قرار المواجهة مع إيران.
ويشير ألوف بين قائلاً أنه برغم أن إسرائيل لم تقرر بعد مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية فإنه من الواضح أن إسرائيل ترغب في الاحتفاظ بحرية إصدار القرار وبالتالي كلما دبرت ورتبت إسرائيل لجهة إضعاف الحضور الإيراني في المناطق المحيطة بها كلما كان سهلاً على دوائر صنع واتخاذ القرار في أورشليم التعامل مع خطر التهديد الإيراني طالما أن خطر الحرب الكبيرة قد أصبح قليلاً، ويضيف الخبير ألوف قائلاً بأن السلام مع سوريا سيؤدي إلى إخراج العامل الأكثر أهمية في سلسلة خصوم إسرائيل في المنطقة وستصبح تهديداتهم أقل خطراً طالما أن:
• إيران لن تستطيع بسبب بعد المسافة مهاجمة إسرائيل بكفاءة وفعالية.
• حزب الله لن يستطيع إطلاق الكثير من الصواريخ والمقذوفات لأن إمداداته ستكون محدودة.
• حركة حماس سوف لن تستطيع استخدام سوريا كنقطة للتحرك.
ويرى ألوف بأن التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا سيفسح المجال أمام دمشق لجهة الحصول على البدائل الجديدة لبناء التحالف وعلى وجه الخصوص بناء الروابط والعلاقات مع واشنطن ويشير ألوف قائلاً بأن خطاب دمشق السياسي إزاء السلام يختلف كثيراً عن خطاب طهران، الذي يتبنى المزيد من المفردات الإيديولوجية العدائية المفارقة لمنطق السلام، وبالتالي –على حد تعبير ألوف بين- يتوجب على إسرائيل أن تخيّر دمشق بين الجولان وإيران بحيث إذا أرادت الحصول على الجولان عليها أن تدير ظهرها لإيران.
يقول بين بأن فرضية وضع سوريا أمام خيار الجولان أو إيران فرضية تواجه عاملين يضعفانها:
• إن تحالف دمشق – طهران قد ظل يتميز بأهميته الاستراتيجية بالنسبة لسوريا لأكثر من ربع قرن ودمشق لن تتخلى عن هذا التحالف من أجل إسرائيل مقابل مجرد الوعود الإسرائيلية بالانسحاب من الجولان التي سبق أن قدم الإسرائيليون مثلها في الماضي مراراً وتكراراً دون أن يفعلوا شيئاً.
• خلال الفترة الماضية اندلعت مواجهات عسكرية بين إسرائيل وحركة حماس وبين إسرائيل وحزب الله ولم يحدث أن اجتمعت الأطراف الأربعة ونفذت الهجوم الواسع ضد إسرائيل وبدلاً عن ذلك اكتفت بتقديم الدعم المالي ومساعدة بعضها البعض في التغلب على خسائر الهجمات العسكرية الإسرائيلية وهذا معناه أن إسرائيل إذا انسحبت من الجولان فإن سوريا لن تشارك مطلقاً في أي عمل عسكري ضد إسرائيل في حالة قيامها بالهجوم على إيران.
* لماذا الصخب؟
يتساءل ألوف بين قائلاً: إذا كانت الأمور بسيطة ومصلحة إسرائيل الاستراتيجية واضحة بشكل قاطع فلماذا فشلت حتى الآن كل الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاقية سلام مع سوريا؟ ما الذي يمكن أن نتعلمه من إخفاقات الماضي لجهة إدراك فرص النجاح الممكنة في المحادثات الحالية؟
ويجيب ألوف بين قائلاً بأنه منذ صعود إسحق رابين للسلطة عام 1992م وزعماء إسرائيل اللاحقين بعده لم يتميزوا بالقدرة السياسية الكافية لإنجاز اتفاقية سلام يترتب عليها انسحاب إسرائيل من الجبهات السورية والفلسطينية وذلك لأن قيام إسرائيل بانسحاب مزدوج متزامن من الضفة الغربية والجولان هو أمر سيترتب عليه ثمن وتكلفة باهظة لن يستطيع الإسرائيليون تحملها.
لقد حاول رابين – بيريز – نتينياهو – باراك في أول الأمر اختبار قناة سوريا ولكنهم لم يستطيعوا إنجاز أي اتفاق ولا تحقيق أي اختراق أو حتى تقدم حقيقي مع الفلسطينيين وقد رفض شارون التفاوض مع أي زعيم عربي وعارض إحياء المحادثات مع سوريا متذرعاً بأن المشكلة الفلسطينية هي الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل إضافةً إلى أن مصلحة إسرائيل تتطلب عزل سوريا.
في نهاية الأمر لجأ شارون إلى خيار الانسحاب الأحادي الجانب من الجبهة الفلسطينية وخيار الحفاظ على الوضع القائم في مواجهة سوريا.
وبالمثل من شارون فقد اعتقد أولمرت بأن حل المشكلة الفلسطينية هو الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل ولكنه تحول إلى مواجهة القناة السورية وهو أكثر ضعفاً مقارنة بموقفه مع الفلسطينيين وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بموضوع المستوطنات الذي بدأ فيه أولمرت أكثر تشدداً.
* ضعف الضغوط الخارجية:
يقول ألوف بين بأن الإسرائيليين يواجهون ضغوطاً كبيرة من الخارج لجهة ضرورة أن تقوم إسرائيل بتخفيف شدة توجهاتها ضد الفلسطينيين، أما بالنسبة للانسحاب من الجولان فإن زعماء إسرائيل لم تواجههم أي ضغوط خارجية لجهة القيام بذلك أو حتى التفاوض مع سوريا مقارنة بالضغوط الخارجية المطالبة لإسرائيل بالتفاوض مع الفلسطينيين.
ويختتم الخبير الإسرائيلي تخمينه قائلاً بأن دمشق وتل أبيب تدركان الاعتبارات التي يمكن أن تؤدي إلى تعقيد فرص التوصل إلى اتفاقية سلام سورية – إسرائيلية وبرغم ذلك فقد اختارت دمشق وتل أبيب الدخول في خيار إحياء المحادثات. ويرى ألوف بين بأن السبب في ذلك يكمن في عاملين:
• الإدراك لحقيقة أن علاقات سوريا – إسرائيل في حالة التوصل إلى اتفاقية سلام لن تكون محدودة ضمن الثنائي القائل بخيار إما أن تكون خصماً أو صديقاً.
• توجد قيمة حقيقية للسلام مع سوريا بالنسبة للإسرائيليين وسوريا وتتمثل هذه القيمة في أن كل طرق سيحصل على المزيد من المنافع والمزايا الخارجية الإضافية.
إن تجديد مفاوضات السلام السورية – الإسرائيلية يتطلب قدراً أكبر من التنسيق الاستراتيجي ويتوجب على الإسرائيليين العمل فوراً لجهة إغلاق ملف الغارة الإسرائيلية التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية ضد سوريا صبيحة يوم 6 أيلول 2007م إضافة إلى القيام بإبطال كل ما ترتب على هذا الملف لاحقاً، وذلك طالما أن كل تداعيات ما بدا ذلك اليوم سوف لن يشجع دمشق على إعادة بناء الثقة إزاء جدية إسرائيل في مفاوضات السلام معها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد