الحروب الحمقاء والانهيار الاقتصادي والحصاد المر للإدارة الأمريكية
الجمل: خططت إدارة بوش خلال سنواتها الماضية وعلى وجه الخصوص في فترة الأعوام السبعة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من أيلول من أجل إعادة تشكيل خارطة مكونات النظام الدولي المعاصر بما يتيح لها التربع على عرشه والاحتفاظ بالتفوق المستدام على بقية الكيانات الدولية.
* بناء النماذج الاستراتيجية: إشكالية التصميم النظري – إشكالية التطبيق العملي:
صمم خبراء السياسة الخارجية الأمريكية نماذج التدخل الأمريكي في مناطق العالم ذات الأهمية الجيوبوليتيكية والأهمية الاستراتيجية ومن أبرز هذه النماذج نشير إلى الآتي:
• نموذج الهيمنة على الشرق الأوسط: ويقوم على أساس اعتبارات نشر القوات الأمريكية في مناطق الشرق الأوسط الحيوية وإشعال الصراعات والحروب بما يؤدي إلى تمزيق المنطقة عن طريق الفوضى الخلاقة ثم بعد ذلك إعادة ترتيب خارطة المنطقة ضمن ترسيمات جيوسياسية جديدة تتضمن تفكيك وإعادة ترتيب الكيانات السياسية الجديدة المتفق عليها سلفاً على خط واشنطن – تل أبيب.
• نموذج الهيمنة على القوقاز: ويقوم على أساس اعتبار نشر القوات الأمريكية في مناطق القوقاز وعلى وجه الخصوص في جورجيا وأذربيجان بما يؤدي إلى إغلاق المنفذ القوقازي أمام روسيا ثم الانتقال إلى تطبيق مخطط فصل مناطق القوقاز الشمالي عن روسيا.
• نموذج الهيمنة على آسيا الوسطى: ويقوم على أساس اعتبارات نشر القوات الأمريكية في المنطقة والاستعانة بدول آسيا الوسطى الخمسة في حرب أفغانستان واستخدام هذه الدول كحد فاصل بين الصين وروسيا.
• نموذج الهيمنة على البلقان: ويقوم على أساس اعتبارات نشر القوات الأمريكية ضمن قوات حلف الناتو بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وذلك وصولاً إلى تقسيم منطقة البلقان إلى كيانات أصغر ثم السيطرة عليها لجهة استخدامها كمنطقة ارتكاز أمريكي لتهديد روسيا ثم بعد ذلك لاحقاً تهديد دول الاتحاد الأوروبي نفسها.
ليست هذه النماذج هي الوحيدة فقد أكد خبراء السياسة الخارجية الأمريكية نماذجاً تعطي كافة الأقاليم الجيوسياسية المنتشرة على خارطة العالم وذلك بالتركيز المكثف على استخدام آليات السيطرة والتبعية المختلفة الأنواع والأشكال وصولاً إلى جعل البيت الأبيض الأمريكي يعمل ككابينة قيادة العالم.
* الإدارة الأمريكية في مواجهة الحصاد المر وتداعياته:
أكدت معطيات الخبرة السياسية الجارية على فشل كل نماذج السيطرة ولم تنجح حتى النماذج التي نجحت القوات الأمريكية في الدخول والتمركز ضمن رفضها مثل العراق وأفغانستان. وعلى خلفية فشل النماذج وتطبيقاتها بدأت تداعيات هذا الفشل تطل برأسها ضمن العديد من الأسئلة الحرجة التي طرحها بعض الخبراء الأمريكيين المعارضين لإدارة بوش ويمكن استعراض الأسئلة الحرجة الأكثر أهمية والتي طرحها الموقع الإلكتروني الخاص بجماعة مشروع اقتصاد السلام الأمريكي على النحو الآتي:
• أثبتت البحوث والدراسات بأن إنفاق المال العام الأمريكي على مجالات الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات يترتب عليه خلق المزيد من الوظائف وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحدث عند إنفاق المال على الأنشطة والجهود العسكرية والسؤال: ما هي نسبة الأموال التي سيوافق الأمريكيون على اقتطاعها من مالهم العام لتمويل والأنشطة العسكرية وهل سيوافقون على عدم قيام الإدارة الأمريكية بتمويل برامج الخدمات التي ستوفر فرص العمل والرفاهية لمجتمعهم؟
• ظلت إدارة بوش تنفق 11 مليار دولار سنوياً على برنامج الدفاع الصاروخي وحالياً يوجد حوالي 46 مليون أمريكي لا يشملهم غطاء التأمينات الاجتماعية والصحية والسؤال: لماذا الإنفاق على برنامج الدرع الصاروخي الهادف لحماية الأمريكيين من الهجوم العدواني النظري الافتراضي بدلاً من الإنفاق على الأمريكيين العاجزين عن حماية أنفسهم من الهجوم الحقيقي العملي بواسطة البطالة والأمراض والفقر؟
• تنفق الإدارة الأمريكية سنوياً 20 مليار دولار من أجل الإبقاء على استمرارية الترسانة النووية التي تواجه العديد من أسلحتها خطر عدم الجدوى والفائدة بسبب التقادم والسؤال: هل سيقف الأمريكيون إلى جانب إنفاق هذا المبلغ على أنظمة الأسلحة التي ستتلف بفعل التقادم أم من أجل استخدامها لتلبية احتياجاتها العاجلة الضرورية في مجالات الصحة والتعليم وما شابه ذلك؟
• ظلت الإدارة الأمريكية تنفق سنوياً 60 مليار دولار على أنظمة التسليح المخصصة لردع العدوان السوفيتي طوال فترة الحرب الباردة السابقة، ولكن مع انتهاء هذه الحرب وانهيار الاتحاد السوفيتي فإن إنفاق هذا المبلغ ظل مستمراً فهل سيوافق الأمريكيون على ذلك أم على ضرورة تحويل هذا المبلغ للاستخدامات التي تعود عليهم بالفائدة؟
لم تكن السياسة الخارجية ذات تأثير كبير على مجريات التنافس الانتخابي الرئاسي الأمريكي وعلى ما يبدو فإن إحدى فوائد إدارة بوش يتمثل في أن توجهات السياسة الخارجية الخاطئة التي اعتمدتها في الأعوام الماضية، هي توجهات ترتب عليها صعود أجندة السياسة الخارجية الأمريكية ضمن الموضوعات والقضاء الفائقة الأهمية لجهة التأثير على خيارات وتفضيلات الناخب الأمريكي وعلى هذه الخلفية فإن فرصته الحقيقية ستتمثل في دفع الناخب الأمريكي في أن يعرف أكثر فأكثر عن مدى فداحة أخطاء الإدارات الأمريكية إزاء التعامل مع قضايا وملفات الصراع العربي – الإسرائيلي وما ترتب على هذه الأخطاء من إضرار على أمريكا ومصالحها الحيوية!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد