الديبلوماسية الأمريكية وعقدة سورية- إيران
الجمل: لاحظ المراقبون أن إدارة بوش أصبحت منذ مطلع العام الماضي وحتى الآن أكثر ميلاً لاستخدام الدبلوماسية، وبالذات في الملفات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، مثل عملية سلام الشرق الأوسط، الملف النووي الإيراني، استقرار العراق، ومشكلة دارفور.
· الدبلوماسية الأمريكية وإشكالية استخدام القوة:
تناولت الكثير من أدبيات السياسة الخارجية والأمن القومي، ظاهرتا الحرب والسلم باعتبارهما تمثلان وجهين لعملة واحدة، هي الصراع، وذلك على أساس اعتبارات أن الحرب تمثل امتداداً للسياسة وحل المشاكل السياسية باستخدام العنف، وأيضاً تمثل السياسة امتداداً للحرب، وحل مشاكل الحرب بالوسائل السياسية، وقد أكدت معطيات الخبرة التاريخية أن أصدق مثال نموذجي يجسد هذه القاعدة هو السياسة الخارجية الأمريكية، وتحديداً منذ أيام مورجينتاو وحتى الآن.
الولع الأمريكي باستخدام القوة لم يتمثل فقط في القوة المادية بل انتقل إلى القوة الرمزية والمعنوية التي تمارس عن طريق الإعلام والدبلوماسية.
· الدبلوماسية الأمريكية وعقدة سورية- إيران:
يقول ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بأن الإدارة الأمريكية الحالية والإدارات الأمريكية الأخرى السابقة لها ظلت تنظر إلى السياسة الخارجية الأمريكية من منظور ذاتي.
الملاحظة المثيرة للاهتمام جاءت من ريتشارد هاس، الرجل الذي تولى منصب مدير شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، خلال فترة إدارة جورج بوش الأب، وعمل رئيساً للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية خلال فترة كولن باول، وتجدر الإشارة إلى أن هاس أضاف إلى ملاحظته بشأن سورية وإيران: إن القول بأن الباعث والدافع يمكن أن يحدث فقط إذا قامت البلدان بمقابلة المعيار المحدد من السلوك –هو قول- أنا ببساطة لا أتفق معه. ويتوجب أن تستخدم الدبلوماسية كوسيلة محايدة قادرة على إمكانية ترقية أو إحراز التقدم في مصالح الولايات المتحدة). ويرى هاس إضافة لذلك، إن الإدارة الأمريكية مترددة في التعامل مع سورية وإيران، وهي بهذا التردد تضر بفرص ترقية وتطوير المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
يقول هاس: إن الدبلوماسية الأمريكية في حالة سورية وإيران، تواجه مشكلة تردد واشنطن بسبب قيام الإدارة الأمريكية بـ(تنميط) هذه الدول مسبقاً باعتبارها تمثل الشر والمروق، وقد ظلت الإدارة الأمركيية واقعة تحت تأثير هذه العقدة، وهي عقدة مصدرها (القراءة السيئة الخاطئة) لهذه البلدان ولمفهوم الاستقرار في الشرق الأوسط. ومن المؤسف أن إدارة بوش أضاعت سنوات عديدة لاحت خلالها الكثير من الفرص لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.. وعلى ما يبدو فإنها سوف تواصل المضي قدماً في نفس الطريق المغلق مستخدمة نفس الوسائل غير المجدية.
· إدارة بوش وثنائية استهداف الكيانات والعلاقات في الشرق الأوسط:
الكيانات الشرق أوسطية المستهدفة بشكل رئيس في منطقة شرق المتوسط هي سورية وإيران، والحركات السياسية المستهدفة هي حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، أما العلاقات المستهدفة فهي:
- علاقة سورية- إيران.
- علاقة سورية- حزب الله.
- علاقة سورية- إيران- حزب الله.
- علاقة إيران- حركة حماس.
- علاقة سورية- حركة حماس.
- علاقة حزب الله- حماس.
ويمكن توصيف وتحليل هذه الاستهداف على النحو الآتي:
* نطاق الاستهداف:
نطاق الاستهداف لا يتقيد حصراً بالمجال الجغرافي الإقليمي، بل تعمل أمريكا وإسرائيل من أجل إكسابه طابعاً عابراً للحدود، عن طريق (بناء الذرائع) التي يتم استخدامها لتوريط المجتمع الدولي في عملية الاستهداف، وإذا كان (البرنامج النووي الإيراني) هو الذريعة الرئيسية التي يتم على أساسها بناء سيناريو المؤامرة ضد إيران، فإن (المحكمة الدولية واستقرار لبنان) هي الذريعة الرئيسية لبناء سيناريو المؤامرة ضد سورية، وتمثل هاتان الذريعتان (المركز البؤري) الذي سوف تحاول أمريكا وإسرائيل استخدامه بما يتيح لهما الاستفادة من مزايا مجلس الأمن الدولي، وميثاق الأمم المتحدة وعلى وجه الخصوص الفصل السابع.
أما بالنسبة لحزب الله وحماس، فإن الذرائع تقول على أساس اعتبارات (الإرهاب) وتفسير ذلك بشكل يتقاطع مع تنميط سورية وإيران باعتبارهما دولتان راعيتان للإرهاب بحيث تتوافر الموارد المناسبة التي تغذي بناء سيناريو إيواء ودعم الإرهاب، على النحو الذي يربط في عملية الاستهداف الأطراف الأربعة مع بعضها البعض مع ما تفترض أمريكا وإسرائيل بأنه (نسيج شبكة الشر والإرهاب وإيواء الإرهاب).
* التحديات الراهنة:
يقول الباحثان بمعهد واشنطن ماتيو ليفيت، وجاك ليبتون، في تحليلهما المشترك الذي حمل عنوان (شركاء خطرون: استهداف تحالف إيران- حزب الله) ونشره موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأن استهداف تمويل حزب الله اللبناني يواجه الكثير من الصعوبات، وذلك لسببين هما:
- ان التنظيم يتلقى دعماً مالياً كبيراً من إيران.
- ان ا لتنظيم يقوم بشكل مستقل بجمع الكثير من التبرعات.
ويشير الباحثان إلى أن التقديرات الأولية بواسطة الدبلوماسيين والمحللين اللبنانيين تقول بأن حزب الله يتلقى سنوياً حوالى 200 مليون دولار من إيران، إضافة إلى أن إيران تقوم بتقديم الأموال الإضافية اللازمة في أوقات الضرورة. وفي العام الماضي ارتفعت الأموال الإيرانية المقدمة إلى حزب الله إلى حوالى 300 مليون دولار.
كذلك يشير الباحثان إلى أن إيران تقوم إضافة إلى ذلك بتوفير التدريب وتقديم المساعدات عن طريق العمليات اللوجستية.
وعموماً، إن ارتباط الدبلوماسية بمفهوم القوة المطلقة في إدراك الإدارة الأمريكية، سوف يؤدي إلى الكثير من التأثيرات السلبية في (مكانة) و(دور) أمريكا في الشرق الأوسط، ويكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
- بالنسبة لـ(مكانة) الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تمثل في الوقت الحالي قوة عظمى متفوقة، ولكن ليس بشكل مطلق، فهناك قوى أخرى في العالم قادرة على ردع أمريكا، مثل روسيا والصين.. وتشير معطيات الخبرة إلى وجود قوى أخرى قادرة على ردع أمريكا، وذلك على أساس اعتبارات أن طاقة العنف التي تولدها روح المقاومة الشعبية قد ثبت بالدليل القاطع أنه من الصعب كسرها والقضاء عليها قضاء مبرماً باستخدام الآليات العسكرية، أو حتى الدبلوماسية المتحيزة، وقد انهزمت الكثير من الامبراطوريات والقوى الكبرى والعظمى تحت ضربات الفلاحين والفقراء، وما خبرة حرب فيتنام وحرب حزب الله ببعيدة.. وبالتالي فإن تمادي الإدارة الأمريكية سوف يعرضها للكثير من الهزائم وحالات الانكسار، ومن أبرز ذلك ما تتعرض له أمريكا حالياً بواسطة إيران، وبواسطة المقاومة العراقية.. وهو أمر سوف يلحق الأضرار الفادحة بـ(مكانة) أمريكا..
بالنسبة لـ(دور) الولايات المتحدة: يرتبط الدور بالوظيفة، وترتبط الوظيفة بالضرورة بالمصداقية، وعندما تقوم دولة عظمى مثل أمريكا بدور إزاء قضية أو مسألة معينة في العالم، فإن وزنها الكبير يعطي تأثيراً هائلاً لدورها.. ولكن عندما يكون الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة، قائماً على أساس اعتبارات المعطيات الزائفة والمضللة، والاضرار بحقوق الآخرين المشروعة، فإن هذا الدور يصبح بلا مصداقية، والأمثلة التطبيقية التي توضح ذلك في أداء السياسة الخارجية الأمريكية السلوكي إزاء القضايا والمسائل الشرق أوسطية تمثل مستودعاً ضخماً لا ينضب من التحيز، والتضليل، والمواقف غير السليمة التي تفتقر إلى النزاهة باعتراف الأمريكيين أنفسهم.
الدخول في المفاهمات والتفاوضات مع سوريا وإيران، هو أمر لا يتطلب الكثير من الجهد والمحاذير.. ومن سخرية القدر أن الإدارة الأمريكية لا ترفض هذا التفاهم والتفاوض وحسب، بل وتوفر الظروف التي تساعد على ذلك، فقد ظلت السفارة الأمريكية في سورية بلا سفير إضافة إلى أن المسؤولين الأمريكيين في واشنطن ظلوا يتجنبواالتعامل ولو ضمن الحدود الدنيا مع سفراء سورية وإيران.. وما أصبح واضحاً حتى للأمريكيين أنفسهم أن الأمر لا يتعلق بالإرهاب، أو باستقرار لبنان، أو حتى بالملف النووي الإيراني، الذي يعود للأمريكيين أنفسهم فضل وضع لبناته الأولى.. بل إن الأمر يتعلق بـ(محور تل أبيب- واشنطن) وتأثيره على خارطة طريق الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد