السياسة الإيرانية على خط المناورات الدولية
الجمل: أدت التطورات الدولية على خلفية صعود نفوذ الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل خارطة تحالفات البيئة الشرق أوسطية ضمن سياقات جديدة تختلف تماماً عن السياقات القديمة التقليدية السابقة، ومن أحد أبرز الأمثلة الدالة على ذلك، صعود العامل الإيراني الذي كان خافتاً بعض الشيء خلال فترة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين المجيد.
* إيران وإشكالية الضغوط:
تواجه إيران المزيد من الضغوط التي أصبحت بفعل إجراءات الإدارة الأمريكية تتزايد يوماً بعد يوم بحيث تواجه إيران:
• الضغوط المتزايدة بالوسائل العسكرية بفعل عملية الانتشار العسكري الأمريكي والغربي في كل مناطق الجوار الإقليمي الإيراني.
• الضغوط المتزايدة بالوسائل الاقتصادية بفعل عملية المقاطعة الاقتصادية والتجارية والمالية التي تتعرض لها إيران حالياً.
• الضغوط بالوسائل الدبلوماسية بفعل العقوبات الدولية المتجددة ضدها، إضافة إلى ظهور تحالف المعتدلين العرب المرتبط بأمريكا والمعادي لإيران.
* إيران ومزايا المناورة على الخطوط الخارجية:
تنخرط إيران حالياً فيمنا يعرف بـ"لعبة المثلثات" والتي تتكون على النحو الآتي:
• إقليمياً:
* مثلث طهران – دمشق – حزب الله.
* مثلث طهران – بغداد – واشنطن.
• دولياً:
* مثلث طهران – موسكو - بكين
وتجدر الإشارة إلى أن انخراط طهران ضمن هذه المثلثات يتم ضمن الإدراك الإيراني لمعادلة الصراع التي تضم إيران من جهة في مواجهة محور واشنطن – تل أبيب من الجهة الأخرى.
الدور الوظيفي لطهران هو الاستفادة من مزايا المناورة الخارجية على طول الخطوط الثلاثة، وفقاً لمعطيات نظرية الاقتراب غير المباشر التي وضعها الاستراتيجي الجنرال ليدل هارت. كذلك تتيح هذه الخطوط الثلاثة لطهران القيام بالاقتراب المباشر في حالة التصعيد وحالة التهدئة. وعلى سبيل المثال ففي حالة التصعيد فإن إيران تمثل عنصراً حاضراً في خط المواجهة الشرق أوسطية ضد إسرائيل. وفي خط المصالح الأمريكية في العراق تمثل عنصراً حاضراً في خط المصالح الأمريكية في العراق. بكلمات أخرى، فإن التحالف الحاكم في بغداد، والمليشيات الشيعية المسلحة النافذة القوة في العراق تعتبر جميعها على أساس الحسابات العراقية بمثابة القوى السياسية والعسكرية المساندة لأمريكا، طالما أن حكومة الطالباني – المالكي تطالب ببقاء الاحتلال الأمريكي وأن ميليشيات جيش المهدي وفيلق بدر لا تقوم بشن العمليات العسكرية ضد القوات الأمريكية.
أما بالنسبة لخط طهران – موسكو – بكين، فإيران تحصل من خلاله على قدرة عرقلة الإجراءات الدولية وعلى أسوء الاحتمالات أو على الأقل التخفيف من درجة تشديد وإحكام العقوبات والقرارات الدولية على النحو الذي حتى وإن تم به اعتماد وتمرير القرارات الدولية فإنه بفضل جهود موسكو – بكين، تكون هناك بعض الثغرات والهوامش التي تتيحي لطهران الالتفاف على القرار وعدم التأثر بمضمونه.
* حدود القوة الإيرانية:
من الصحيح أن إيران تتمتع بمزايا القوة الناعمة في التأثير على جنوب العراق وجنوب لبنان، ولكن إيران قد لا تستطيع التأثير على كامل منطقة الشرق الأوسط. ولما كان استخدام القوة الناعمة الإيرانية في مواجهة القوة الخشنة الأمريكية – الإسرائيلية يتطلب من طهران المزيد من الحذر وعدم الإخلال بتوظيف قواعد الاشتباك، فإن على طهران ممارسة المزيد من السيطرة وضبط النفس على خطوط التفاعلات الإقليمية والدولية التي تحدث في مجرى الخطوط التي تنخرط طهران في الشراكة معها. وتوجد أربعة أنواع من نتائج المباريات هي:
• رابح – رابح.
• رابح – خاسر.
• خاسر – رابح.
• خاسر – خاسر.
وعلى ضوء المعطيات الميدانية الجارية حالياً، فإن حدوث أي واحدة من هذه النتائج سوف يترتب عليه عواقب وخيمة على إيران نفسها:
• نتيجة رابح – رابح: معناه أن تربح إيران ومحور أمريكا – إسرائيل الصراع، وهذا لن يحدث إلا إذا اشتركت القوات الإيرانية فعلياً مع القوات الأمريكية في قمع المقاومة العراقية، ودعمت إيران إسرائيل في القضاء على حزب الله اللبناني وحركة حماس، ولكن من يضمن لإيران أن محور تل أبيب – واشنطن سيتخلى عن استهدافها وضربها؟ بكلمات أخرى، إذا حاولت إيران المناورة على خطوط نتيجة رابح – رابح، فإن النتيجة سوف تنقلب إلى رابح – خاسر بحيث تخسر ويربح محور تل أبيب – واشنطن.
• نتيجة رابح – خاسر: قد يقول قائل بأن من غير الممكن لإيران تحقيق الربح في مواجهة محور تل أبيب – واشنطن، ولكن لما كانت السياسية هي فن الممكن، فمن الممكن أن تحافظ طهران على لعبة توازن القوى الحالي بانتظار تطورات ما بعد الانتخابات الأمريكية طالما أن هناك احتمالات لخروج أمريكا من العراق واستكمال إيران لقدراتها النووية الردعية في العام القادم، وبالتالي يصعب استهدافها.
• نتيجة خاسر – رابح: وهي النتيجة التي يمكن أن تحدث إذا أخلت طهران بالتوازن الحالي. بكلمات أخرى، إذا حاولت إيران تخطي أهمية دور العامل السوري وعملت على محاولة التنسيق مع حزب الله وحركة حماس في القيام بإدارة صراع شرق متوسط غير محسوب النتائج، فإن الخسارة ستكون من نصيب إيران والربح سيكون من نصيب محور تل أبيب – واشنطن.
• نتيجة خاسر – خاسر: وهي النتيجة التي يمكن أن تحدث إذا تسببت طهران في حدوث انكشاف في ميزان القوى الحالي. بكلمات أخرى، إذا مارست إيران المزيد من التصعيدات المفرطة وغير المبررة في صراعها مع واشنطن – تل أبيب على النحو الذي يؤدي إلى إشعال منطقة الخليج العربي – إيران، وحدود إيران – العراق، فإن واشنطن ستخسر العراق وإيران ستخسر بنيتها التحتية وربما تخسر إسرائيل ويخسر حزب الله وحركة حماس أيضاً المزيد من قدراتهم بسبب الصراع الثانوي الذي قد يندلع في منطقة شرق المتوسط على خلفية الصراع الأمريكي – الإيراني الذي قد يندلع في منطقة الخليج والعراق. وليس من سبيل لتفادي هذه النتيجة سوى أن تلتزم إيران بالمزيد من التنسيق مع دمشق لحفظ توازن القوى ضمن فعالية الكمية والنوعية التي تعزز القدرة على:
* التعامل وقائياً إذا لم يقع العدوان الإسرائيلي – الأمريكي.
* التعامل علاجياً في حالة وقوع العدوان الإسرائيلي – الأمريكي.
إن اعتماد إيران على حسابات القوة الناعمة في ردع العدوان الأمريكي هو أمر لا يمكن التكهن باستمراره لفترة طويلة. وذلك لأن قبول الرهان بهذه الطريقة على حماية إيران سيترتب عليه بعض التداعيات التي قد تحدث بشكل مفاجئ والتي من غير الممكن أن يتم النجاح في السيطرة عليها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد