المرضى ينامون في ممرات المشافي ووزارة الصحة لا ترد
رغم الحديث الدائم من قبل المعنيين في وزارة الصحة عن تطوير المشافي الحكومية لتقديم العلاج لمرضى يقفون على مسافة قريبة من الموت، إلا أن هذا الحديث بقي مجرد تصريحات جميلة لا أكثر و لا أقل، و خصوصاً لمرضى السرطان و القلب، فأعداد المرضى في ازدياد و عملية دخول المشفى لأخذ الجرعات أو حتى لعملية قلب (تقتل) الفقراء أكثر من مرة، تقتلهم عندما ينتظرون دورهم للدخول.
بعد زيارة السيدة نجاح العطار نائبة رئيس الجمهورية منذ أشهر إلى مشفى البيروني، وإقالة مدير المشفى بعد الزيارة وتعيين مدير جديد تم لاحقاً إقالته أيضاً و تعيين مدير آخر، لم يتغير المشهد كثيراً، سوى الحذر الذي يبديه بعض العاملين تجاه المرضى و مرافقيهم، إذ بدا المشهد منذ أيام و خلال زيارتنا للمشفى على حاله: سيدة حضرت إلى دمشق من محافظة شرقية تنام في الممر، لم يلحقها الدور، و مريض آخر جلس خارج مبنى المشفى أيضاً حضر طلباً للعلاج من محافظة شمالية، و حسب ما أخبرنا به فهو ينتظر ابنه كي يستأجر له بيتاً ينام فيه حتى يأتي دوره في العلاج، في كل صباح يرى الزائر لذلك المشفى الازدحام لمرضى محبطين لم يحالفهم الحظ في الدخول و تلقي العلاج.
يقول أحد مرضى السرطان وكان ممدداً على السرير يأخذ جرعته : التعامل داخل المشفى قد تحسن كثيراً عن قبل، و الممرضات و الطبيبات يعاملوننا باحترام و لطف، مضيفاً أن مشكلته في الدور و الدخول، ففي كثير من الأحيان يضطر للعودة للمنزل بسبب الازدحام، مشيرا إلى أن بيته في دمشق، و رغم ذلك العودة تزعجه كثيراً.
التقينا مع مرافق مريض في المشفى ذاته، و أخبرنا أنه كان قد جاء من محافظة حلب ليدخل والده المشفى لتلقي العلاج، و لكن طلب منه بعد الدخول أن يصور والده داخل المشفى صورة (طبقي محوري) و عندما قصد القسم المختص، أخبروه أن دور والده بعد شهرين، الأمر الذي دفعه للخروج و الحصول على الصورة من مشفى خاص.
و أضاف المرافق : ( لا مشكلة عندنا في دفع أجرة الصورة خارج المشفى، و لكن المشكلة بعد ذلك، أي حين نأتي إلى المشفى لمتابعة الجرعات و لا نستطيع الدخول في اليوم الذي نأتي فيه من حلب، الأمر الذي يضطرنا إلى استئجار منزل مناسب لوالدي المريض في منطقة قريبة من المشفى، أي حرستا، و هذا المنزل إيجاره في أغلب الأحيان يصل إلى 2000 ليرة لليوم الواحد، و أحيانا ننتظر عدة أيام).
و أشار المرافق إلى أن التعامل داخل المشفى قد تحسن عن قبل، و لكن المشكلة التي تواجه جميع مرضى السرطان هي الانتظار حتى يأتي دورهم، و لفت إلى الحالة النفسية للمريض حين لا يتمكن من الدخول فوراً لأخذ جرعته.
قصدنا المدير الجديد لمشفى البيروني للاستفسار عن (مشكلة) الدور و عملية الدخول إلى المشفى، إلا أنه رفض استقبالنا، و أكدت (السكرتيرة) الخاصة به أنه مشغول الآن، و حتى بعد ذلك لن يستقبلكم، و كأن الصحافة التي تهتم بخدمات الناس العاديين أصبحت (فزاعة) لهذا المدير بعد الإقالات التي جرت لسابقيه في المشفى ذاته.
و إذ توجهنا إلى مرض آخر و هو مرض القلب و ما يتبعه من عمليات أو علاج وجدنا أن الوضع ليس أحسن حالاً و خصوصاً بالنسبة للمرضى الفقراء، فالدور الطويل و الانتظار يمكن أن يوقف عمل القلب بأية لحظة و يكون الموت المحقق.
و بحسب تقديرات طبية كانت قد تناولتها الصحافة المحلية أن مجموع عمليات القلب المفتوح التي تجري سنوياً في المشافي السورية الخاصة إضافة إلى مشفى تشرين، لا يقلّ عن 5000 عملية مع 1500 عملية في مشفى الباسل، و1000 عملية في مركز جراحة القلب، و600 عملية في مستشفى الأسد الجامعي، و1000 في مركز جراحة القلب في حلب، و400 في حمص. أي بما لا يتجاوز في مجموعه عشرة آلاف عملية قلب مفتوح سنوياً، مشيرة إلى أنَّ الخدمات مجانية في مركز جراحة القلب.. و10 % مجانية في مشفى الباسل، بينما لا يتجاوز القسم المدفوع من تكاليف العلاج والعمليات في مشفى الأسد الجامعي 50 ألفاً، و70 ألفاًَ في مستشفى الباسل، و مع كل ذلك نرى أن الدور هو (سيد) الموقف في مشافي العلاج المجاني.
يقول السيد (عبد الله) و هو مريض في القلب كان قد احتاج لعمل (قثطرة) بأنه انتظر دوره ستة أشهر، رافضاً تسمية المشفى لأنه بعد دخوله تلقى العناية الجيدة حسب ما قال.
و كشف مريض القلب أن الدور الطويل لمرضى القلب ربما يؤدي إلى وفاتهم، و مع ذلك أشار إلى أنه بعد عملية (القثطرة) عرف أن شرايينه كلها مغلقة بنسبة تسعين بالمئة، و هو بحاجة إلى عمل جراحي و أن الدور في المشفى الحكومي الذي رفض ذكر اسمه سيجعله ينتظر ما يقارب ثمانية أشهر، و علق ممازحاً : ( في هذه الفترة لانتظار الدور أكون قد مت)، كل ذلك دفع المريض للبحث عن مشفى خاص و إجراء العملية و أكد ممازحاً أيضاً : ( مازلت على قيد الحياة).
حاولنا من خلال متابعتنا معرفة ما إذا كانت وزارة الصحة قد وضعت ضمن خططها المستقبلية إنشاء مراكز على سبيل المثال في بعض المحافظات الأخرى لمرضى السرطان، للتخفيف عن مشفى البيروني و التخلص من (الدور)، و كذلك لمعرفة فيما إذا كانت الوزارة لديها خطط لتوسيع (كادر) عمليات القلب في مشافيها، إلا أننا لم نحصل على أية معلومة، ففي مكتب معاون الوزير لشؤون المشافي الدكتور جمال الوادي أخبرونا بأن معاون الوزير المعني في هذا الأمر هو معاون الشؤون الفنية، و حين قصدنا مكتب معاون الشؤون الفنية أخبرنا الموظف أن الموضوع ليس عنده بل علينا أن نتوجه إلى المكتب الصحفي لمعرفة المسؤول المختص للتحدث في الموضوع الذي طرحناه، و عندما توجهنا إلى المكتب الصحفي أخبرنا بضرورة كتابة الأسئلة و تجري الإجابة عنها فيما بعد...و نحن لا نعتقد أن الأمر يستحق كل الانتظار و الإجابة كانت بالنسبة للوزارة سهلة..مما اضطرنا لمغادرة وزارة الصحة متمنين أن يكون هناك تعاون أفضل..لمصلحة الناس.
خالـد سميسم
المصدر:الخبر
إضافة تعليق جديد