بوش يستبدل كلبه الإنكليزي بآخر فرنسي

08-11-2007

بوش يستبدل كلبه الإنكليزي بآخر فرنسي

الجمل: تعتبر زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، هامة على أساس اعتبارات علاقات "عبر الأطلنطي"، وأجندة التوافق الأوروبي – الأمريكي إزاء العلاقات الثنائية الأوروبية – الأمريكية، وإزاء توجهات السياسة الخارجية وإزاء الكثير من الملفات العالمية، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالشرق الأوسط، والشرق الأدنى ،وروسيا والصين.
* لقاء ساركوزي – بوش: الإدراك المتبادل:
من هو ساركوزي بالنسبة لبوش..؟، ومن هو بوش بالنسبة لساركوزي..؟ وماذا يريد كل طرف من الآخر..؟ وما هي قدرة كل طرف على التأثير في الآخر..؟
توترت العلاقات الفرنسية – الأمريكية عدة مرات -تاريخياً- وذلك منذ فترة حكم الجنرال ديغول الذي كان همه الأساسي يتمثل في توطيد مكانة فرنسا كقائدة للمسيرة الأوروبية. هذا، وبحس الجنرالات، أدرك ديغول أن الولايات المتحدة الأمريكية هي العقبة، وقد سعى الجنرال ديغول حثيثاً باستخدام شتى الوسائل "الناعمة" للحد من هيمنة الولايات المتحدة على أوروبا، على النحو الذي يفسح المجال لدور فرنسي أكبر على الساحة الأوروبية.
أدرك الأمريكيون النوايا الفرنسية، وعندها أحكموا سيطرتهم على بريطانيا، إيطاليا، اليونان، إسبانيا، ألمانيا الغربية، بلجيكا، هولندا، السويد، والنرويج.. وذلك على النحو الذي لم تجد فيه النزعة الاستقلالية الأوروبية الفرنسية من سند سوى حركات الخضر والجماعات اليسارية المتفرقة والتي كانت خلال فترة الحرب الباردة أكثر ضعفاً وعدم قدرة على التصدي لـ"عائلة" الأحزاب الديمقراطية المسيحية التي هيمنت على القارة الأوروبية ردحاً من الزمن.
والآن، يمكن القول ببساطة، أن الإدراك المتبادل بين ساركوزي وبوش، يتمثل في الآتي:
• بوش: يدرك تماماً مدى خطر النزعة الاستقلالية الأوروبية على مستقبل الهيمنة الأمريكية، ويفهم تماماً أن فرنسا تمثل الحلقة الأكثر أهمية في عملية السيطرة على القارة الأوروبية، كما أنه يدرك أن ساركوزي هو بالأساس "هدية" إسرائيل واللوبي الإسرائيلي الفرنسي (إكليف) لأمريكا وإسرائيل.. وبالتالي فإن ساركوزي هو الأداة التي تتيح للإدارة الأمريكية فرصة توظيف فرنسا في خدمة السياسة الأمريكية.
• ساركوزي: هو بالأساس، يفهم ويدرك تماماً الدور المطلوب منه أمريكياً وإسرائيلياً، ولكنه ما زال حتى الآن عاجز عن القيام بهذا الدور بشكل كامل، وذلك بسبب المعارضة المتزايدة التي يواجهها حالياً في أوساط الرأي العام الفرنسي، خاصة وأنه فاز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية بأغلبية صغيرة، على النحو الذي شكل مؤشراً على أنه سيواجه معارضة قوية خلال فترة حكمه.. وهو ما حدث بالفعل، فقد تزايدت شكوك الفرنسيين إزاء توجهات ساركوزي الوطنية الفرنسية، إضافة إلى أنه لم ينجح حتى الآن في تحقيق اختراق كبير في الجوانب الاقتصادية..
* "لقاء" بوش – ساركوزي أم "محور" بوش – ساركوزي:
خلال الـ 18 عاماً الماضية، تراجع النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط، وتزامن ذلك بصعود النفوذ الأمريكي، ولكن بعد غزو واحتلال العراق، بدأت جملة من عمليات التوافق الفرنسي – الأمريكي تتمثل في الآتي:
• المسار الأمريكي – الفرنسي الموحد إزاء الأزمة اللبنانية والمعادي لسوريا.
• صعود العلاقات الفرنسية – الإسرائيلية بشكل غير مسبوق.
• المسار الأمريكي – الفرنسي الموحد إزاء صراعات غرب إفريقيا وأزمة إقليم دارفور.
• تحول فرنسا من معارضة الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى مساندته، ومن ثم أصبحت فرنسا ورقة في يد إسرائيل، على النحو الذي ترتب عليه قيام فرنسا بدور كبير في دعم التوجهات الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص في الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والقضايا الشرق أوسطية..
إن لقاء بوش – ساركوزي على خلفية التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، هو بمثابة الإعلان العملي عن بروز "محور بوش – ساركوزي"، وهو المحور الذي طال انتظار الإسرائيليين له..
* محور "بوش – ساركوزي" وملفات الشرق الأوسط: الأبعاد غير المعلنة:
تتضمن التوجهات السياسية، أياً كانت، جانباً معلناً وآخر غير معلن بالضرورة، وفي حالة الرئيس ساركوزي يبدو التناقض واضحاً بين توجهاته المعلنة وتوجهاته غير المعلنة، ويؤكد الأداء السلوكي للسياسة الخارجية الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط، بأن توجهات ساركوزي "غير المعلنة" تتطابق وتنسجم تماماً مع توجهات بوش المعلنة، وذلك لأن سياسة ساركوزي الحالية تركز على تضليل الرأي العام الفرنسي عن طريق التوجهات المعلنة، وفي نفس الوقت تمضي قدماً في المشروع الأمريكي عن طريق التوجهات غير المعلنة ويمكن أن نوضح ذلك كما يلي:
• الدور الفرنسي إزاء لبنان يتطابق تماماً مع التوجهات الأمريكية.
• الدور الفرنسي إزاء إيران (برغم أنه يشدد على أسلوب العقوبات) لا يرفض الحل العسكري كخيار ممكن.
• الدور الفرنسي إزاء العراق (برغم أنه يشدد على استقلال العراق) لا يرفض استمرار الوجود الأمريكي كضمانة للأمن والاستقرار فيه.
* محور "بوش – ساركوزي" وسوريا:
تتقاطع السياسة الخارجية الفرنسية مع السياسة الخارجية السورية في ملف الأزمة اللبنانية، وقد أخذت السياسة الخارجية الفرنسية موقفاً معادياً لسوريا منذ اغتيال رفيق الحريري وحتى الآن..
الأزمة السياسية اللبنانية، كما يقول المراقبون، كانت حاضرة بقوة في جدول أعمال لقاء بوش – ساركوزي:
• تحدث ساركوزي في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، قائلاً بأن فرنسا سوف تعمل مع الولايات المتحدة من أجل أن يكون للبنان رئيس منتخب بشكل ديمقراطي، إضافة إلى حماية ديمقراطية وسيادة لبنان. وأشار ساركوزي قائلاً بأن فرنسا لن تقبل قيام أي طرف من الأطراف بإخضاع الشعب اللبناني، وليس من المخول لأي طرف القيام بمنع اللبنانيين من الحياة في بلد حر.
• أعلن ساركوزي بشكل مشترك مع بوش، عن تأييدهما القوي لحكومة السنيورة وقوى 14 آذار.
• أعلن بوش وساركوزي بأن فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية تنتهجان خطاً متشدداً ضد التدخل السوري في لبنان في الأسابيع الماضية.
تشير التحليلات إلى أن إدارة بوش باتت مقتنعة بعملية انتخاب رئيس جمهورية لبناني جديد بالأغلبية البسيطة، وأشارت التحليلات أيضاً بأن فرنسا بدأت تتحرك باتجاه تبني الموقف الأمريكي إزاء أزمة الرئاسة اللبنانية، هذا، وتقول بعض التسريبات الدبلوماسية بأن الفرنسيين يعتقدون بأنه قد تم تضليلهم، عندما أدركوا بأن ما يجري تحت السطح في لبنان ليس اتفاقاً أو توافقاً حول الرئيس، وإنما هو اتفاق وتوافق حول من سوف يتولى منصب رئيس الوزراء، وكيفية توزيع الحقائب الوزارية بين المجموعات الرئيسية، وذلك بحيث لا يواجه الرئيس اللبناني المحتمل القادم أية عوائق تعرقل أداءه.
تقول المعلومات أيضاً بأن مبعوثي الرئيس ساركوزي سوف يصلون إلى بيروت الخميس، وذلك لمواصلة التفاهم مع سوريا، على خلفية المحادثات التي تمت أخيراً بين بوش وساركوزي حول لبنان.
عموماً، الأكثر احتمالاً في الفترة القادمة، هو قيام فرنسا بالتخلي عن موقفها المعلن (الذي كان مخالفاً للموقف الأمريكي)، والتحول إلى تبني الموقف الفرنسي غير المعلن (المنسجم مع الموقف الأمريكي).. وتأسيساً على ذلك، سوف تتحرك الدبلوماسية الفرنسية على النحو الآتي:
• الدعم الواضح لقوى 14 آذار وحكومة السنيورة.
• تهديد المعارضة اللبنانية.
• الضغط على ميشيل عون لكي يتنازل عن موقفه.
• الضغط على سوريا لإعلان موافقتها على مرشح قوى 14 آذار الرئاسي.
• التنسيق مع أمريكا من أجل القيام بحملة دعم دولي للرئيس اللبناني الجديد إن تم انتخابه بالأغلبية البسيطة.
السياسة الخارجية الفرنسية الجديدة إزاء سوريا ولبنان، سوف تمثل امتداداً للسياسة الخارجية الأمريكية، بحيث تقوم فرنسا بدور من يقدم الوعود بالجزرة، وتقوم أمريكا بدور العصا، وبكلمات أخرى فإن الدبلوماسية الفرنسية سوف تحاول استخدام الترغيب مع سوريا والمعارضة اللبنانية على النحو الذي يؤدي إلى إنجاز ما فشلت أمريكا بإنجازه عن طريق الترهيب، هذا وقد لمح بوش إلى ذلك خلال لقاءه ساركوزي، وذلك عندما قال بأن أمريكا أصبح لها شريك حقيقي يمكنها الاعتماد عليه في مختلف القضايا الدولية والإقليمية.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...