بوكر الرواية العربية تذهب للسعودي عبده خال
رمت «بوكر» بشررها على روائيَّين في قائمتها القصيرة، هما ربيع جابر ومحمد المنسي قنديل اللذان كان استياؤهما واضحاً أمس، إثر إعلان فوز عبده خال بالنسخة العربية من الجائزة المعروفة خلال اليوم الأول من «المعرض الدولي للكتاب» في أبو ظبي. ورغم ما تردد عن ترجيح فوز جابر (أميركا) أو قنديل (يوم غائم في البر الغربي)، حصلت رواية «ترمي بشرر» البعيدة عن البال والخاطر على «بوكر» (50 ألف دولار أميركي وترجمة الرواية إلى الإنكليزية)، كأنّها أرادت أن تنأى بنفسها عن أن تكون متوقعة، ولا سيما أن البلبلة قد أحاطت بالجائزة التي تمنح للمرة الثالثة بعد تصريحات ومناوشات في الأوساط الثقافية.
ليس ما سبق ظلماً لقلم عبده خال (1962) الإبداعي ولا انتقاصاً من حقه. الروائي السعودي الذي أصدر حتى الآن قرابة 12 عملاً، هو واحد من أفضل الأسماء التي قدمتها شبه الجزيرة العربية على صعيد الرواية. وهذا لا ينفي عنه البنية الكلاسيكية، والتطويل، واللغة المصطنعة في كثير من الأحيان. لكن ربما يمكن وصف صاحب «فسوق» بالمتمرد على سياق السرد السعودي ونسقه خصوصاً. وقد سجل لنفسه مكاناً في عالم الأدب العربي الذي يمكن وسمه الآن، بكل ثقة، بأنه عالم من الخرائط ذات الرموز التي تحتاج إلى «معلم» يفك شيفرتها، ويفهم على لجان تحكيمها.
وقد كان عنوان «ترمي بشرر» (دار الجمل) المقتبس عن آية قرآنية، سبباً في سحب الرواية من «معرض الرياض للكتاب» العام الماضي. في هذا العمل، انتقل خال من أجواء الحارة السعودية إلى أجواء الطبقة البرجوازية التي تستغل الأولى. الرواية التي وصفها رئيس لجنة التحكيم الروائي الكويتي طالب الرفاعي بأنّها «استكشاف رائع للعلاقة بين الفرد والدولة»، تبدأ بفصل يحمل عنوان «القصر» في إحالة إلى بقية الآية القرآنية «ترمي بشرر كالقصر». وتدور الأحداث في ذهن طارق فاضل الذي يستدعي تفاصيل حياته منذ انتقاله من حارة الحفرة في مدينة جدة، الحارة الفقيرة والقذرة التي أسماها أهلها «جهنم» لأنها كانت بظروفها المستحيلة تمثل الجحيم الأرضي بالنسبة إليهم.
وقد حافظ خال في روايته على غياب الوصف لأي شخصية. الشخصيات غائبة بملامحها كأنها ليست من البشر، لكنها موجودة ومهيمنة بأفعالها. سيد القصر يستغل أبناء «جهنم»، ويستخدم طارق فاضل الذائع العنف والقوة الجنسية، فيضطهد ويعاقب به مَن يشاء، ويجعل منه أداةً لاغتصاب من يريد أمام عينيه.
الجرأة والاختلاف عن الرواية العربية بعمومها، أمر لا يمكن فعلاً غض النظر عنه، ولا سيما مع وصول خال كأول كاتب خليحي إلى «بوكر». وما أدراك ما «بوكر»! «ترمي بشرر» التي تحمل اللقب هذا العام، يعدّها صاحبها وصاحب «مدن تأكل العشب» منعطفاً حقيقياً في تجربته.
وإن كان خال الناشط في الوسط السعودي بأنديته الثقافية المتعددة، وبإدارة تحرير جريدة «عكاظ»، قد تجاوز الحارة السعودية والفقر، ودخل عوالم البرجوازية في «ترمي بشرر»، فإن تجربته الروائية تميزت حقاً بمواضيعها التي هتكت حصانة المجتمع السعودي. هكذا، لم يتردد خال في «فسوق» مثلاً من الخوض في تفاصيل علاقة حبّ بين فتاة هاربة وحبيبها الذي يتحول إلى مجاهد في أفغانستان، ويصطدم فيها خال بهيئة الأمر بالمعروف وما تمثله من سلطة وصورة أخرى من الرقيب. إذ إنّ الكاتب الذي انتزع «بوكر» بعدما اخترق السوق العربية، لم يجد بعد مكانه في السعودية نفسها.
... والآخرون
الروايات الست التي وصلت هذا العام إلى القائمة القصيرة لـ«بوكر» (10 آلاف دولار لكلّ منها) هي: «السيدة من تل أبيب» للفلسطيني ربعي المدهون، و«أميركا» للبناني ربيع جابر، و«عندما تشيخ الذئاب» للأردني جمال ناجي، ومن مصر «وراء الفردوس» لمنصورة عز الدين، و«يوم غائم في البر الغربي» لمحمد المنسي قنديل، و«ترمي بشرر» لعبده خال التي انتزعت الجائزة. وتألفت لجنة تحكيم الدورة الثالثة من الكويتي طالب الرفاعي رئيساً، والتونسية رجاء بن سلامة، والعماني سيف الرحبي، والفرنسي فريدريك لاغرانج. الجائزة التي تنظمها «مؤسسة الإمارات»، و«مؤسسة جائزة بوكر» البريطانية، حازها حتى الآن مصريّان، هما: بهاء طاهر ويوسف زيدان.
نوال العلي
أدب الأطراف يعود إلى الواجهة
فوز رواية «ترمي بشرر» لعبده خال بـ«بوكر» سيُهرق الكثير من الحبر، ويفتح الباب أمام اشتباكات جديدة على جبهة هذه الجائزة التي لم تتوقف منذ إطلاقها عن تلقِّي الاتهامات والشكوك. شتَّان إن كانت هذه الاتهامات مقنعة أو لا، فالجوائز ستظل مصحوبة بهذا النوع من السجالات بشأن أحقيّة الفائزين بها والغبن اللاحق بالخاسرين.
لقد سبق للجائزة أن واجهت اعتراضاتٍ في النسختين الأولى والثانية، لكن فوز المصريين بهاء طاهر ويوسف زيدان بها، خفَّف من حدّة الاعتراضات. فوز رواية «واحة الغروب» لطاهر كان مقبولاً بسبب خصوصية مسيرته الروائية. وعلى النحو نفسه، جاء فوز «عزازيل» لزيدان بالجائزة نتيجة الإجماع الذي حصدته لدى لجنة التحكيم ولدى شرائح واسعة من القراء والنقاد. وينبغي أن نضيف هنا أن التاريخ الروائي المصري، الضخم والمتنوع النبرات والحساسيات، ساهم في إسكات المعترضين. في المقابل، فإن فوز مصر بـ«بوكر» مرتين، بدَّد أي إمكانية لفوز محمد المنسي قنديل ومنصورة عز الدين بالجائزة في نسختها الثالثة.
أما فوز عبده خال، فمختلف تماماً. هل سيعيد الروائي السعودي إحياء مقولة أدب الأطراف وأدب المركز؟ هل سيُنظر إلى وجود الكويتي طالب الرفاعي على رأس لجنة التحكيم، والعماني سيف الرحبي في عضويتها، كسببٍ في ترجيح كفّة خال على منافسيه الخمسة الآخرين؟ هل سيذكّر بعضهم بالتاريخ القصير والمستجد للرواية السعودية، مقارنةً بالتاريخ الأطول والأقدم والأكثر تنوعاً لسائر المتنافسين؟
بعيداً من هذه التساؤلات التي نرجو ألا تطفو على سطح السجال على حساب الجدية والعمق، يطرح فوز عبده خال ملاحظة جديرة بالانتباه، هي أن الفائز ينتمي إلى تجربة خاصة، خاضها أصحابها بصمت وتأنٍّ ومثابرة. ليس هناك سمات مشتركة كثيرة بين تجربة عبده خال وتجارب رجاء عالم وتركي الحمد ويوسف المحيميد وليلى الجهني وصبا الحرز، ولكن هؤلاء أنجزوا أعمالهم وفق أجندات أسلوبية وتخييلية، لا علاقة لها بالتطبيل السطحي الذي صاحب روايات سعودية أخرى بدت محكومة بالخفة والتسرع في كشف خصوصية المجتمع السعودي.
يستثمر خال الواقع السعودي، لكنه يقدم صورة قاسية وتحت أرضية لهذا الواقع. تتسرب الخرافة والأسطورة والغرائبية والطقوس والمعتقدات الشعبية إلى رواياته، وتمنحها نوعاً من الخصوصية في مناخات السرد وبناء الشخصيات. تبدو الرواية الفائزة مثل خلاصة لنبرة هذا الروائي الذي تتمتع أعماله بالقدرة على جذب القارئ إلى عوالمها الغريبة وشخصياتها المطحونة، لكنها تعاني من مشكلات على صعيد اللغة وانسيابية السرد.
لعل اللجنة انحازت إلى الهمّ الاجتماعي الذي تطرحه رواية خال. لكن هل ينبغي للقضايا والمضامين النبيلة أن تحجب عنا فكرة أن الرواية تتطلب مهاراتٍ وتقنياتٍ غير عادية كي يتحوَّل الهمُّ الاجتماعي إلى فنٍّ روائي خالص؟ ملاحظةٌ كهذه يمكنها أن تضع نقاشات لجنة التحكيم نفسها موضع تساؤل.
حسين بن حمزة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد