تساؤلات واستنتاجات ما بعد مؤتمر الخريف للسلام
الجمل: فشل مؤتمر السلام الدولي الذي دعت إليه إدارة بوش، أصبح مؤكداً، وذلك على خلفية التحركات الإسرائيلية – الأمريكية، الجارية حالياً، والهادفة إلى تحقيق الـ(فشل الاستباقي) للمؤتمر، قبل انعقاده في 26 تشرين الثاني القادم في أنابوليس الأمريكية، إضافة إلى تردد الأطراف المشاركة التي تحاول التحركات الإسرائيلية – الأمريكية، الاعتماد على أداءها داخل المؤتمر في عملية توصيل سيناريو المؤتمر الدولي إلى المشهد الفاشل المطلوب.
* تساؤلات ما بعد المؤتمر:
المؤتمر الدولي، أي مؤتمر، يهدف عادة إلى تجميع الإرادات السياسية الدولية أو الإقليمية، أو الاثنين معاً، من أجل التوحد باتجاه تحقيق هدف ما، وهو في حالة مؤتمر أنابوليس القادم، هو تحقيـق السلام في الشـرق الأوسـط، ولما كان ذلك كـذلك -كما يفترض علماء المنطق- فلماذا قررت الإدارة الأمريكية صاحبة الدعوة، عدم إشراك الأطراف الرئيسية المعنية بمشكلة الشرق الأوسط مثل سوريا؟ ولماذا استبعدت القوى السياسية ذات العلاقة والدور المباشر في مشكلة الشرق الأوسط؟ ولماذا تحاول إسرائيل الضغط على محور عباس رئيس السلطة الفلسطينية الحالي لكي يوافق على البيان المشترك الإسرائيلي – الفلسطيني، بحيث تكون لغته مبهمة، غير محددة، ولا يتضمن أي جدول زمني يحدد المهام والواجبات والمسؤوليات التفصيلية المتعلقة بعملية إنجاز السلام؟ ومرة أخرى، إذا كان ذلك كذلك، فهل يهدف مؤتمر السلام الدولي إلى تحقيق السلام... أم إلى شيء آخر تعرفانه جيداً وتخططان للقيام به إسرائيل وأمريكا... وترفضان (البوح) به حالياً... وفقط تريدان من محمود عباس أن يوقع على بعض الصيغ المبهمة (غير واضحة المعالم).. بحيث لا يفهم هو ولا الآخرين شيئاً حول ما سوف يحدث بعد المؤتمر!!؟
* إدارة سيناريو أنابوليس:
تتركز الضغوط الأمريكية حالياً في اتجاه الإرغام والإكراه القسري للمملكة العربية السعودية (صاحبة المبادرة العربية) لكي تشارك في المؤتمر الدولي، الذي سوف يقوم بدور المحاية التي سوف تمحو نهائياً البنود الأساسية لمبادرة السلام العربية، وبكلمات أخرى، المطلوب حالياً من جلالة صاحب السمو الملك عبد الله، هو الحضور إلى مؤتمر بوش والقيام أمام العالم وأجهزة الصحافة والإعلام العالمي بعملية (ابتلاع) كل ما قاله في مؤتمر بيروت 2002م، و(لحس) سطور المبادرة التي ظل يروج ويسوق لها على مدى خمسة سنوات بواسطة الدبلوماسية السعودية والعربية!!!
كذلك المطلوب من أصدقاء أمريكا – الرئيس المصري حسني مبارك، وعبد الله الثاني سمو العاهل الأردني، القيام بدور الوصيفات اللاتي يقمن بتخفيف الأمر على ملك السعودية عندما يقوم أمام بوش وأولمرت والعالم بالتراجع عن مبادرته وابتلاع بنودها ولحس سطورها...
أما الفلسطيني محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، فإن عليه أن يحضر كـ(شاهد إثبات) أمام العالم، لكي يقوم بدور الدليل الدامغ على أن إدارة بوش هي أفضل من يعمل من أجل السلام في العالم، وأن إيهود أولمرت حريص على سلامة واستقرار الشعب الفلسطيني.. الذي يعاني من (إرهاب) حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي.
وقائع مؤتمر أنابوليس ومدلولاته سوف لن تركز على رد الحقوق العربية المشروعة، وسوف يكون تركيزه حصراً على تحقيق الاستراتيجيات الآتية:
• إبراز موافقة الأطراف العربية على مبدأ السلام مقابل السلام، بدلاً عن الأرض مقابل السلام.
• إبراز التزام الأطراف العربية بمكافحة الإرهاب الذي يهدد أمن وسلامة إسرائيل.
• إبراز اعتراف الأطراف العربية النهائي بإسرائيل.
• إبراز التزام الأطراف العربية بالدخول في عملية التطبيع مع إسرائيل.
• إبراز تأكيد الأطراف العربية بأن إيران تمثل الخطر الرئيسي على أمن وسلامة منطقة الشرقين الأوسط والأدنى.
• إبراز موافقة الأطراف العربية على الدور الكبير الذي تلعبه عملية السلام في الشرق الأوسط، و(الإنجازات الكبيرة) التي حققتها إدارة بوش وكونداليزا رايس في إقامة الدولة التي وعد بها بوش الفلسطينيين قبل أكثر من أربعة سنوات...
* ما بعد أنابوليس 26 نوفمبر: سيناريوهات ما بعد سيناريو المؤتمر عندما يتعالى صراخ السياسيين وتفشل مؤتمرات الحل، تبدأ الحشود العسكرية والمناورات وتندلع الحروب... وعندما تعجز الأطراف المتحاربة عن الاستمرار... تلجأ لعمليات وقف إطلاق النار، وإدخال القوات الدولية للفصل بين القوات وحفظ السلام أو ربما لمراقبة الهدنة... وبعدها يلجأ السياسيون مرة أخرى للمؤتمرات، ...وعلى هذا النمط الرتيب ظلت منذ فجر التاريخ تدور عجلة الحرب والسلام... ولكن بعد التطورات المتلاحقة، والمعاصرة، لم تعد الأحداث والوقائع تتطور بشكل موضوعي تلقائي، وذلك لأن مهارة (الصناعة) أصبحت تدخل في كل شيء... بدءاً من الملابس والأدوية والطائرات... وتطورت الصناعة بحيث أصبحت هناك العديد من الأطراف التي تعمل في مجال (صناعة التاريخ)... وأصبح هناك الكثير من الـ(معلمين) في مجال صناعة التاريخ، مثلهم مثل معلمي صناعة الحلويات والجواكيت، والسيراميك...
وبكلمات أخرى، يهتم الساسة الواقعيون بمتابعة الأحداث الواقعية ومواجهتها.. أما الساسة المثاليون مثل إيهود أولمرت وجورج بوش، فيحاولون فرض (النماذج المثالية) المعشعشة طويلاً في أذهانهم على حركة التاريخ: مشروع دولة الرب اليهودي أو (هرمجدون) كما يحلو للمعتوه جون بولتون النطق بها...
وكما يعتقد إيهود اولمرت ومن وراءه جورج بوش، فإن الرب اليهودي قد حدد مسبقاً
قيام هذه الدولة على أراضي الغير، والتي فوض الإسرائيليين واليهود، وجماعة المحافظين الجدد، ومن أجل سلبها والاستيلاء عليها من أصحابها، وبناء المستوطنات الفاخرة فيها، والقيام بطرد الفلسطينيين من فلسطين وطرد السوريين من الجولان السوري، واللبنانيين من جنوب لبنان...
ولكي يتم ذلك، فإن المطلوب في مؤتمر أنابوليس من (خادم الحرمين الشريفين)، و(ملك الأردن الحفيد القرشي الهاشمي)، ومن (الرئيس المصري – لا ندري ماذا نقول)... أن يقوموا بتقديم الدعم والمساندة اللازمة لجهود إيهود أولمرت وجورج بوش، الهادفة إلى تحقيق مشروع قيام مملكة الرب (هرمجدون) التي سوف تملأ الأرض عدلاً وحبوراً!!! طالما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سوف يأتي للمؤتمر بعد أن يوقع (على بياض) أمام الجميع على براءة إسرائيل من دم الفلسطينيين، وحقها في الاستيلاء على أراضي فلسطين والجولان... ويطالب الفلسطينيين بعدم إطلاق صواريخ القسام على شعب الله المختار.. الذي اختاره الرب لسرقة مياه الليطاني والحاصباني، واقتلاع أشجار الزيتون، وتجريف البساتين، وهدم البيوت على ساكنيها.. تمهيداً لقيام إسرائيل الكبرى ولا داعي لإحراج إيهود أولمرت وتوجيه الأسئلة غير اللائقة له، مثل ما هي حدود إسرائيل.. وما شابه ذلك، طالما أن إسرائيل الكبرى، سوف تتحول إلى مملكة الرب التي سوف تقام عليها جنة الميعاد التي سوف يستضيف فيها الرب إيهود أولمرت، وشارون، وباراك وبن أليعازر، ومن وراءهم أتباع المسيحية الصهيونية: جون بولتون، جورج بوش، وبقية عقد جماعة المحافظين الجدد!!!
* السؤال مرة أخرى: ماذا بعد أنابوليس 26 نوفمبر؟
تقول المعلومات بأن المقصود من هذا المؤتمر هو أن يشكل الخطوة النهائية في عملية (بناء الذرائع) ضد سوريا، إيران، حزب الله اللبناني، حركة حماس...
وقد تم اختيار هذا التوقيت بسبب المزايا الآتية التي تتوافر لأولمرت وجورج بوش:
* الكونغرس الأمريكي سوف يدخل خلال شهر ديسمبر القادم في إجازة نهاية العام بما يتيح لجورج بوش وديك تشيني التحرر من قيود الكونغرس.
* الرأي العام الأمريكي والعالمي سوف يكون مشغولاً بأعياد الميلاد والكريسماس ورأس السنة الجديدة وغير ذلك...
* منطقة الشرق الأوسط وإيران سوف تكون في قمة الشتاء والبرد، على النحو الذي يعيق ويعرقل الحركة بنشاط وحيوية، وعلى وجه الخصوص في الجولان السوري، وجنوب لبنان، وإيران، وقطاع غزة.
* كبار مسئولي المنظمات الدولي مثل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها سوف يكونوا مشغولين بأعياد الميلاد وعطلاتها...
* حشود القوات الأمريكية سوف تكون في قمة استعداداتها وجاهزيتها القصوى في المناطق المحيطة بإيران...
* الجيش الإسرائيلي سوف يكون جاهزاً للعمل بشكل متزامن مع القوات الأمريكية..
* الأزمات السياسية في المنطقة سوف تكون قد وصلت إلى النهايات المغلقة التي ظلت إسرائيل وإدارة بوش تعملان بجد واجتهاد في عملية دفع الأزمات للوصول إلى هذه النهايات المغلقة التي تم تحديدها والتخطيط لها سلفاً ومسبقاً بواسطة خبراء مراكز الدراسات التي يشرف عليها اليهود الأمريكيون التابعين لجماعة المحافظين الجدد:
* أزمة الملف الإيراني في نقطة اللاحل بعد أن تم توصيل إيران إلى نقطة اللاعودة وحشود القوات الأمريكية إلى نقطة اللارجعة.
* الأزمة الفلسطينية في نقطة اللاحل، بعد أن تم ابتزاز حركة فتح والسلطة الفلسطينية على النحو الذي أقنعهما بضرورة التحرك ضد حماس، وإعادة قطاع غزة لشرعية السلطة الفلسطينية.
* الأزمة اللبنانية في نقطة اللاحل، وتتطلب التدخل لمساعدة حكومة السنيورة وقوى 14 آذار المغلوبة على أمرها أمام عناد حزب الله وحلفاءه.
* أزمة الجولان في نقطة اللاحل، بسبب عدم موافقة السوريين على استخدام أراضيهم في بناء مملكة الرب (هرمجدون)، وهو أمر سوف يحرم هذا الرب من بناء الاستراحات والمنتجعات الفاخرة على جبالها، والتي سوف يخصصها لعبادة الصالحين مثل أولمرت وشارون وبوش وجون بولتون، وديفيد فورمزر وحرمه ميعراق فورمزر، و(الآنسة) كونداليزا رايس.
وعموماً، كل ما تبقى أمام المعتدلين العرب، هو إصدار قانون العداء للسامية الذي يحمي بناة مملكة الرب هرمجدون، والذهاب إلى مؤتمر سلام الشرق الأوسط والموافقة على ما هو مطروح، والقيام بدفع المال اللازم... وربما لا ضرورة لذلك، طالما أن الأرصدة العربية والإسلامية هي بالأساس مودعة (لحساب) إدارة بوش.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد