حزب العمال الكردستاني وتغيير قواعد اللعبة
الجمل: برزت بعض المؤشرات على أن لعبة كردستان ستشهد فصولها المزيد من السيناريوهات الجديدة خلال هذا الصيف. بكلمات أخرى، لم تعد هذه "اللعبة" تتعلق بملف المزاعم القومية الانفصالية وإنما بملف التداعيات الإقليمية لدور الأطراف الثالثة المتورطة في الصراعات الشرق أوسطية.
* توصيف المؤشرات الجديدة:
نشرت وكالة فرانس بريس تقريراً يقول بأن امتدادات حزب العمال الكردستاني التركي المتمركزة في منطقة شمال العراق أصدرت تهديداتها بشن الهجمات ضد إيران. أعد التقرير مراسل الوكالة الموجود في جبال قنديل في شمال العراق قرب نقطة تقاطع الحدود الإيرانية – التركية مع العراق.
التهديدات تضمنت القيام بتنفيذ التفجيرات والكمائن ضد إيران، وقد صرحت الزعيمة الكردية روناحي أحمد لمراسل الوكالة بأنهم رتبوا لصراع مسلح طويل ضد إيران، كما أكدت روناحي على قيام المسلحين الأكراد بالتسلل إلى مدينتي ماهوك وميريوان الإيرانيتين وتنفيذ الهجمات فيهما.
وأشار مراسل الوكالة إلى أن حديث روناحي قد اتسم بالغموض المتعمد إزاء حادثة الانفجار الذي استهدف أحد مساجد مدينة شيراز الإيرانية يوم السبت الماضي وأدى إلى مقتل أحد عشر مصلياً إضافة إلى 200 جريح كانوا يؤدون الصلاة داخل المسجد.
وعلى صفحة أخبار العالم في شبكة yahoo تم نشر تقرير يقول بأن السلطات الإيرانية ألقت القبض على أحد الصحفيين المرتبطين بالمليشيات المسلحة الكردية، وهو يقوم بجمع المعلومات الاستخبارية عن المواقع والقدرات العسكرية الإيرانية.
* المليشيات الكردية وتغيير قواعد اللعبة:
تحليل الموقف الحالي في شمال العراق على ضوء المعطيات السياسية والعسكرية والاستخبارية يشير بوضوح إلى أن قواعد لعبة كردستان قد بدأت تأخذ شكلاً جديداً. والسبب الرئيسي وراء هذا التغيير يكمن في تداعيات العملية العسكرية التي نفذها الجيش التركي ضد شمال العراق خلال الشهرين الماضيين، ونوضح ذلك على النحو الآتي:
• خارطة الصراع عشية العملية العسكرية التركية:
* محور البرزاني – طالباني، يسيطر على عملية صنع واتخاذ القرار الكردي في أربيل، وتنخرط في تحالف واسع النطاق مع محور واشنطن – تل أبيب.
* حزب العمال الكردستاني التركي يتمركز في شمال العراق ويجد الدعم في أربيل ويركز جهوده على استهداف تركيا.
حزب الحياة الحرة الكردي الإيراني، هو بالأساس الاسم الإيراني لحزب العمال الكردستاني بحيث توجد قيادة كردية تركية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي يضم أكراد تركيا وسوريا وإيران، وتوجد قيادة كردية إيرانية لحزب الحياة الحرة الكردي الإيراني، ولكن لا توجد عناصر كردية إيرانية في قاعدة هذا الحزب وإنما تنخرط عناصر حزب العمال الكردستاني في تنفيذ العمليات الحرة باسم هذا الحزب. بكلمات أخرى، فإن قوام حزب العمال الكردستاني التركي هو قوام عسكري واحد ولكنه يعمل على غرار نموذج الأفعى ذات الرأسين: أحدهما تركي والآخر إيراني، وليس من المستبعد أن تشرف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي على تركيب "الرأس الثالثة" له.
• خارطة الصراع بعد العملية العسكرية التركية:
العملية العسكرية التركية التي استهدفت شمال العراق ركزت حصراً على ضرب حزب العمال الكردستاني وما كان مثيراً للدهشة والشكوك تمثل في الآتي:
* دعم أمريكا وإسرائيل لأربيل (محور البرزاني - الطالباني) الذي يتزعم حالياً الحراك الكردي الإقليمي.
* دعم أمريكا وإسرائيل لتركيا في عمليتها العسكرية.
* مطالبة تحالف المتعاملين العراقيين المسيطر على بغداد بالتهدئة.
وخلال قمة التصعيد العسكري زار وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتز تركيا فجأة، لتعلن أنقرة بعد ذلك مباشرة انتهاء العمليات العسكرية وسحب قواتها من الشمال العراقي.
* لو كان المطلوب تركياً تصفية الحركات الكردية لأعلنت القوات الأمريكية مسيرها إلى أربيل.
* لو كان المطلوب عراقياً الدفاع عن سيادة العراق لتحركت قوات الأمن العراقية ودافعت عن حدود العراق الدولية ضد الغزو التركي.
* لو كان المطلوب أمريكياً – إسرائيلياً دعم الحلفاء الأكراد لما قامت واشنطن – تل أبيب بتقديم المعلومات الاستخبارية الميدانية الجارية للقوات التركية بما عزز قدرتها على ضرب المعسكرات الكردية في شمال العراق.
* ما الذي حدث بالضبط؟
عندما تنتهي العمليات العسكرية تبدأ نتائجها في إفراز الأوضاع السياسية الجديدة التي تؤدي إلى إعادة تشكيل خارطة التحالفات وتوزيع موازين القوى واتجاهات الجهد وعمل القوى في المرحلة الجديدة، ووفقاً للتوازنات الجديدة.
ينظر حزب العمال الكردستاني لتركيا كعدو، وينظر حزب الحياة الحرة إلى إيران كعدو، تماماً مثلما كان ينظر الحزب الديمقراطي الكردستاني (البرزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني (الطالباني) للعراق كعدو.
أما محور تل أبيب – واشنطن فكان يعمل كطرف ثالث في الصراع وهو يوافق الحركات الكردية على اعتبار إيران والعراق وسوريا أعداء للحركات الانفصالية الكردية، ولكن بعد غزو العراق أصبح هناك خلاف حول تعريف العدو، فالعراق بنظر محور واشنطن – تل أبيب لم يعد عدواً لأنه تحت السيطرة الأمريكية وتحالف المتعاملين العراقيين الذين يعمل ضمنهم محور البرزاني – الطالباني المسيطر على أربيل. أما إيران وسوريا فهما تمثلان العدو بالنسبة لمحور واشنطن – تل أبيب، ومحور البرزاني – الطالباني المسيطر على أربيل، وبالنسبة لحزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة الكردي الإيراني، فقد كانا يتفقان على أن العدو هو طهران وأنقرة أما سوريا فكان هناك خلاف حولها لجهة إمكانية استخدامها كملاذ آمن في ساعات الشدة والأزمة.
تبلور الخلاف حول تعريف العدو بين مذهبية حزب العمال التي تعرف تركيا كعدو وترفض استهداف سوريا على الأقل في هذا الوقت وبين مذهبية محور واشنطن – تل أبيب التي ترفض عدم تعريف تركيا باعتبارها العدو والتركيز بدلاً عن ذلك باتجاه استهداف سوريا وإيران.
يقول تقرير مؤسسة جيمس تاون الاستخباري بأن حزب العمال الكردستاني التركي قد بدأ بإطلاق حملة عام 2008م تحت الضغوط الواقعة عليه. أما صحيفة تيركيش ويكلي الإلكترونية التركية فأشارت إلى الحملة العسكرية المشتركة التي يقوم بها تحالف حزب العمال وحزب الحياة الحرة في تركيا وإيران.
النتيجة التي بدأت تتضح أكثر فأكثر تتمثل في أن إرغام حزب العمال وحزب الحياة الحرة على القيام بتغيير قواعد اللعبة عن طريق إعادة تعريف العدو تم تحت تأثير:
• استخدام الضغوط الخشنة بواسطة الآلة العسكرية التركية المدعومة أمريكياً وإسرائيلياً.
• استخدام الضغوط الناعمة بواسطة محور البرزاني – الطالباني المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً، والذي تعامل بتواطؤ كبير مع مجريات العملية العسكرية التركية.
الآن، لم يقم حزب العمال بالانتقام من تركيا بسبب قيامها بالاقتحام العسكري لشمال العراق، وبدلاً عن ذلك وجه الحزب عملياته (تحت غطاء حزب الحياة الحرة) إلى إيران، وهو الأمر الذي يؤكد احتمالات فرضية تغير قواعد لعبة كردستان بعد العملية العسكرية التركية التي توقفت فجأة، ويتوقع ظهور المزيد من الوقائع بما في ذلك احتمالات ظهور الرأس الثالث لأفعى حزب العمال الكردستاني!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد