دول الجوار الإقليمي السوري وخيار إعادة تصدير العنف إليها
الجمل: أدت حركة الاحتجاجات السياسية السورية الأخيرة إلى تزايد الإدراك لجهة الوعي بكيفية التأثيرات المتعاكسة التي يمكن أن تؤدي إلى صعود المخاطر العابرة للحدود بين سوريا وجيرانها، وفي هذا الخصوص تبدو الآن الحاجة أكثر إلحاحاً إزاء ضرورة القيام برصد وتحليل الوقائع والتطورات العابرة للحدود بين سوريا وجيرانها، فما هي طبيعة علاقات التعاون والصراع المتبادلة بين دول الجوار الإقليمي السوري وما مدى مصداقية إمكانية التأثير على فعاليات هذه العلاقات بما يجعلها تنحصر في إطار التعاون بدلاً عن الصراع؟
* القوام الجيو ـ سياسي السوري: إشكاليات الجوار الإقليمي
يمارس القوام الجيو ـ سياسي السوري حضوراً فاعلاً قوياً على مجمل الخارطة الجيو ـ سياسية الشرق أوسطية، وتشير معطيات التاريخ والجغرافيا إلى أن تأثير العامل السوري في هذه المنطقة تتطابق آليات عمله مع مفهوم تأثير العامل الجغرافي الحتمي الذي تحدث عنه جميع خبراء علم الجيوبوليتيك، وعلم الجغرافيا الاستراتيجية، وعلم الجغرافيا الإقليمية، وحتى علم الجغرافيا المناخية تؤكد معطياته بأن الطبيعة المناخية لدول الجوار السوري لن تستطيع مطلقاً الإفلات من تأثيرات عامل المناخ السوري، وحتى لا نمضي قدماً فيما أشرنا إليه، يجدر بنا الانتقال إلى التأكيدات الجيو ـ سياسية الحتمية الآتية:
• تحتفظ سوريا بحدود سياسية مع كل دول منطقة شرق المتوسط (لبنان ـ الأدرن ـ إسرائيل ـ العراق ـ تركيا). وبالمقابل لا توجد أي دولة من دول شرق المتوسط تتمتع بهذه الميزات الحدودية الشاملة.
• تلعب رقعة سوريا دوراً حاكماً في الحراك الجاري على خط العراق ـ لبنان، الأردن ـ لبنان ـ الأردن ـ تركيا، تركيا ـ لبنان (باستثناء الحركة البحرية).
• ترتبط سوريا بنسيج اجتماعي مشترك مع كل دول جوارها الإقليمي، وفي كل حدود سوريا مع دول جوارها يوجد سكان سوريون يتمتعون بأواصر العلاقات وقرابة الدم مع امتداداتهم المجتمعية داخل الدولة الأخرى.
تأسيساً على هذه المكونات، فقد سعت دمشق لجهة الاهتمام بأن تكون هذه المكونات عامل نعمة وخير. ولكن خبرة الحدث السوري الاحتجاجي السياسي الأخير أثبتت بشكل واضح عن وجود أطراف تسعى لجعل هذه المكونات تمثل عامل شر ونقمة، والآن وعلى خلفية تدخل الأطراف الثالثة الخارجية والأيادي الخفية الأجنبية، فقد أصبح أمام سوريا، أحد ثلاثة خيارات:
• خيار الرد بالمثل: ويتضمن القيام بعمليات التعبئة السلبية الفاعلة داخل المناطق الحدودية السورية، ثم العمل بعد ذلك على إطلاق "الكلاب المسعورة" لكي تنهش لحم بلدان الجوار الإقليمي التي تبين أنها كانت متورطة في تسمين "الكلاب المسعورة" وإرسالها مؤخراً لكي تقتل وتنهش لحم النسيج الاجتماعي السوري.
• خيار التجاهل: ويتضمن قيام دمشق بغض النظر عن الفعاليات العدائية التي انطلقت من دول الجوار، وهذا يضع دمشق في مواجهة العديد من الاحتمالات، والتي من أبرزها: أن تتمادى هذه الفعاليات العدائية طالما أنه لا يوجد رادع في دمشق، أو أن تدرك الأطراف المحركة لهذه الفعاليات بأنه آن الأوان للكف عن تحريك هذه الفعاليات العدائية طالما أنها أصبحت عملاً بلا جدوى.
• خيار الاحتواء: ويتضمن قيام دمشق، بالتفاهم مع مصدر هذه الفعاليات المعادية، وإقناعه أولاً بعدم جدوى هذه الفعاليات، وثانياً بضرورة العمل المشترك من أجل طي صفحة علاقات الصراع والانتقال لصفحة علاقات التعاون.
• برغم الخسائر الفادحة التي ترتبت على فعاليات العداء التي انطلقت من بلدان الجوار الإقليمي السوري، فإن خطاب دمشق الرسمي ما زال أكثر اهتماماً بخيار الاحتواء، ومدى أفضلية العمل من أجل طي صفحة الخلافات والانتقال إلى صفحة التوافق والانسجام والعمل المشترك.
* بيئة الجوار الإقليمي السوري: لعبة الأطراف الثالثة
عند القيام باستعراض الوقائع والأحداث الاحتجاجية السياسية السورية الأخيرة، والربط بينها وبين ما ظل يدور ويجري على الجانب الآخر من مناطق الجوار الإقليمي السورية، نلاحظ العلاقات الارتباطية الآتية:
• منطقة درعا الجنوبية: ارتبطت فعالياتها بالمزيد من التحركات السرية التي ظلت تجري على الجانب الآخر من خط الحدود الأردنية ـ السورية، وعلى وجه الخصوص في مدينة الرمثة الأردنية.
• منطقة دير الزور الشرقية: ارتبطت فعالياتها بالمزيد من التحركات السرية العشائرية التي ظلت تجري على الجانب الآخر من الحدود العراقية ـ السورية، وعلى وجه الخصوص بواسطة الفعاليات العشائرية ذات الامتدادات العابرة للحدود السورية ـ العراقية، وبدرجة أكبر العابرة في نفس الوقت للحدود العراقية ـ السعودية.
• منطقة القامشلي الشمالية: ارتبطت فعالياتها بالمزيد من التحركات السرية العرقية السياسية الطابع، التي ظلت تجري على الجانب الآخر من الحدود العراقية ـ السورية، وتحديداً مع إقليم كردستان العراقي، وبالذات بواسطة الفعاليات السياسية الكردية السورية الوثيقة الروابط مع الفعاليات السياسية الكردية العراقية التي أصبحت في ظل الاحتلال العسكري الأمريكي أكثر سيطرة على إقليم كردستان العراقي.
• منطقة مثلث حمص ـ حماة ـ تل كلخ: ارتبطت فعالياتها بالمزيد من التحركات السرية ذات الطابع الطائفي السني ـ الأصولي الإسلامي، العابر للحدود السورية ـ اللبنانية، وبالذات بواسطة الفعاليات السياسية السنية الأصولية الإسلامية الوثيقة الصلة والروابط مع الفعاليات السنية اللبنانية ذات الخصومة مع دمشق.
• منطقة مثلث جسر الشغور ـ معرة النعمان ـ إدلب: ارتبطت فعالياتها بالمزيد من التحركات السرية ذات الطابع الطائفي ـ السني الأصولي الإسلامي العابر للحدود السورية ـ التركية، وبالذات بواسطة الفعاليات السياسية السنية الأصولية الإسلامية الوثيقة الصلة مع الفعاليات السياسية السنية الأصولية الإسلامية التركية وأيضاً مع نفس الفعاليات الإسلامية السنية اللبنانية ذات الخصومة مع دمشق.
وإضافة لذلك تجدر الإشارة إلى أن المزيد من التعقيدات الإضافية قد حدثت في فعاليات مثلث حمص ـ حماة ـ تل كلخ، ومثلث معرة النعمان ـ جسر الشغور ـ إدلب، وذلك لجهة ترابط هذه الفعاليات مع عمليات التغذية الفرعية لجهة تمديد وتغذية منطقة الرستن ومنطقة بانياس ومنطقة اللاذقية، وذلك على النحو الذي يساعد في تمديد بؤر العنف السياسي الطائفي الدموي ويوسع نطاق المواجهات الدامية وعمليات القتل الانتقائي على أساس اعتبارات المعلومات والقرائن المتوافرة الحالية، فإن جميع هذه المناطق تضمنت فعاليات عنف سياسي ـ طائفي ـ أصولي إسلامي ارتبطت جميعها بفعاليات تدخل الأطراف الثالثة عبر دول الجوار الإقليمي السوري، وبالنسبة لمناطق ريف دمشق، فهي أيضاً وبرغم بعدها عن مناطق الجوار الحدودي المباشر، فقد كان واضحاً أن تحريك فعالياتها، كان يندرج ضمن خطة متكاملة تلعب فيها هذه المناطق دوراً منسجماً مع ما يدور في المناطق الحدودية، ويمكن تحديد هذا الدور على النحو الآتي:
• أن يتم إشعال الاحتجاجات في مربع: دوما ـ التل ـ الزبداني ـ المعضمية بما يتيح إشعال دمشق بمناطق جوارها الريفي، وبالتالي يخف الضغط على مناطق الجوار الحدودي لجهة إطلاق المزيد من الحرائق وطاقة العنف السياسي.
• أن يتم لاحقاً استخدام مربع دوما ـ التل ـ الزبداني ـ المعضمية بما يتيح القيام بعملية الهجوم الرئيسي ضد مركز دمشق، وذلك بعد اكتمال عمليات التعبئة في المناطق الحدودية.
بحلول بواكير الشهر الرابع، يمكن الإشارة إلى أن الفعاليات العدائية قد بدت أكثر إنهاكاً، وتراخياً، وبالتالي فإن طاقة العنف السياسي المخزونة لديها بدأت تواجه مخاطر التآكل والنفاذ، إضافة إلى أن البؤر الناشطة في مربع مناطق ريف دمشق قد أصبحت أكثر تراخياً بفعل تأثيرات الإحباط من جدوى انطلاق فعاليات الاحتجاجات التي لم تجد من سكان العاصمة دمشق سوى عدم القبول والامتناع إن لم يكن الرفض المطلق.
تشير التوقعات إلى أن هدوء وحكمة دمشق سوف يدفعانها إلى إطلاق حملة فعاليات دبلوماسية وقائية، على الأغلب أن تشمل جميع بلدان الجوار السوري، بما يساعد في إنجاز مهمة "تجفيف منابع الخطر" وذلك طالما أن عدم اقتناع هذه البلدان بالتعاون مع دمشق في ذلك سوف لن يؤدي إلا إلى جعل هذه البلدان تحزم أمرها لجهة مواجهة مخاطر التغذية العكسية لما قامت به، خاصة أنها تعلم قبل غيرها، بأن التأثيرات متبادلة: "يوم لك.. ويوم عليك"؟!
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
أرجوكم كتابا وصحفيين ومثقفين
تحية للواء السليب
إلى قسم الدراسات
تعليق
انتبوه للمصطلحات
العصابات الصهيونية
دول الجوار ؟؟لازم شعوب الجوار؟لان على اندل من انظمتهم بكل صراحة!
إضافة تعليق جديد