ساركوزي العميل الرابع للموساد في الأليزيه
الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى طالما عرف عنه جذوره اليهودية ، إلا أن مالم يتوقعه الجميع هو أن يذهب إلى تلك الدرجة من التطرف فى إثبات ولائه لإسرائيل سواء بالتصريحات التى تتغنى وتمجد فيها على الملأ أو بالوثائق السرية التى تفضح تعاونه مع الموساد.
ففى تصريحات خطيرة ومستفزة للعرب والمسلمين أدلى بها فى الثالث والعشرين من أكتوبر ، أعلن ساركوزى أنه يعتبر تأسيس إسرائيل "معجزة القرن العشرين" ، كما أعلن مساندته لإسرائيل فى مواجهة إيران ، مؤكدا أن أمن إسرائيل "خطاً أحمر" لايقبل تجاوزه .
ولم يقتصر الأمر على هذا ، بل نقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أيضا عن ساركوزى قوله خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "إيهود أولمرت" فى باريس إنه يعارض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي اعتبرها "يهودية"، قائلاً : "ليس من المعقول أن يطالب الفلسطينيون بدولة في الضفة وغزة، بينما يطالبون بعودة اللاجئين إلى أراضي جيرانهم اليهود، لا يمكنهم المطالبة بدولتهم الخاصة بالإضافة لجزء من دولتكم اليهودية" ، وهو أمر فسره بعض المراقبين بأنه تغيير جوهرى فى موقف فرنسا الذى كان متوازنا إلى حد ما تجاه القضية الفلسطينية.
والمثير للانتباه أن تلك التصريحات العنصرية ضد العرب والمسلمين تأتى بعد أيام قليلة من المفاجأة التى فجرتها صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية في منتصف أكتوبر وكشفت فيها أنه حينما أرادت إسرائيل اختراق حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الحاكم في فرنسا كان نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي الحالي من أبرز الأشخاص الذين نجح الموساد في تجنيدهم .
ووفقا للصحيفة فإن الشرطة الفرنسية فتحت مؤخرا تحقيقا حول رسالة غريبة تم إرسالها بالبريد الالكتروني فى شهر مارس الماضي لأكثر من 100 مسئول كبير فى الشرطة الفرنسية جاء فيها أن ساركوزى كان عميلا للموساد الإسرائيلى .
وتحتوى الرسالة على معلومات تؤكد تجنيد ساركوزى لصالح الموساد باقتراح من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق مناحم بيجن الذى أعطى تعليماته عام 1978 للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية " الموساد " لاختراق الحزب الحاكم فى فرنسا لتحويله إلي حليف لإسرائيل , وألقيت المهمة على عاتق زعيم الجواسيس الإسرائيلى رافى ايتان الذى يشغل حاليا منصب وزير شئون المتقاعدين فى الحكومة الإسرائيلية .
وأضافت "لوفيجارو" فى تقرير لها أن ايتان الذي كان يشغل منصبا كبيرا فى المخابرات الحربية الإسرائيلية (أمان) نجح في تجنيد ثلاثة مواطنين فرنسيين كانوا علي استعداد للتضحية من أجل إسرائيل وهم باتريك بالكاني الذى كان يقود الشبكة الفرنسية التابعة للموساد وباتريك ديفيديان وبيير ليلوتش .
وفى عام 1983 نجح باتريك بالكاني في تجنيد شاب واعد هو نيكولا ساركوزى ، الذى أصبح العضو الرابع في شبكة التجسس الإسرائيلية التابعة للموساد وكانت مهمته - بحسب لوفيجارو - إقامة علاقات مع مسؤلين إيرانيين يقيمون فى فرنسا ، وفى العام 1990 نجح الموساد في تجنيد مسئول خامس من الحزب الفرنسى الحاكم هو مانويل ايزشليمان الذى كان يشغل منصب نائب رئيس بلدية اسنيار وكلف هو الآخر بإقامة علاقات مع المسئولين الإيرانيين فى فرنسا ، حيث تعتبر اسنيار أكثر المدن الفرنسية جذباً للجالية الإيرانية.
وأشارت الصحيفة الفرنسية أيضا إلى أن الرسالة التى تضمنت تلك المعلومات كانت قد أرسلت من أحد نوادى الإنترنت فى مدينة "فال دواز" وأنه رغم عدم وجود أى دليل يؤكد محتواها إلا أن التحقيق فيها مستمر بناء علي طلب النيابة العامة لأن محتواها يدل على الحرفية وليست مرسلة من قبل شخص مختل.
ويرى مراقبون أن التصريحات والمعلومات السابقة تنذر بانتهاء "الحقبة الذهبية" للتعاطف الفرنسى مع العرب والمسلمين منذ عهد شارل ديجول وبهذا يفقد العرب والمسلمون صديقا أوروبيا طالما ساندهم فى مواقف كثيرة .
وكان ساركوزى قد أظهر بالفعل عداء واضحا تجاه قضايا العرب والمسلمين خلال حملته للانتخابات الرئاسية حيث صرح فى حديث نشرته صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية في 2 - 9 - 2006 بأن حزب الله حركة "إرهابية" كما وصف محاولة التحاور مع حركة حماس الفلسطينية التى لاتعترف بإسرائيل بالخطأ الجسيم ، مؤكدا في الوقت ذاته أن أمن إسرائيل حق لامساومة عليه وهو مسئولية أساسية لكل الدول الحرة .
وهذا عكس ما كان سائدا في عهد رؤساء الجمهورية الفرنسية الخامسة السابقين ابتداء من مؤسسها شارل ديجول وحتى الرئيس جاك شيراك ، حيث كان هناك دعم للقضية الفلسطينية ولبنان فى مواجهة الجرائم الإسرائيلية.
- ويبقى الغموض الذى يحيط بمستقبل مسلمى فرنسا هو الأمر الأخطر ، فتصريحات ساركوزى الأخيرة تشير إلى أنه لم يطرأ أى تغيير على موقفه العنصرى من الجالية المسلمة والعربية فى فرنسا عندما كان يشغل منصب وزير الداخلية فى الفترة من 2002 إلى 2007 .
فمعروف عن ساركوزى أن سياسته وهو وزير للداخلية كانت القمع واعتماد مايعرف بـ"الحل الأمني" تجاه أوضاع الجالية العربية والمسلمة، ولعل أبرز مثال على ذلك أعمال الشغب التي شهدتها ضواحي المدن الكبرى الفرنسية في أكتوبر ونوفمبر 2005 والتي تعامل معها ساركوزي بمنطق القوة .
حيث شهدت فرنسا في 2005 أخطر اضطرابات اجتماعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ أنها تجاوزت فى حجم التدمير ونطاقها الجغرافى إضطرابات الطلبة عام 1968، والتى على أثرها قدم الجنرال ديجول استقالته، لدرجة دعت بعض المراقبين الدوليين إلى الحديث عن أن شبه حرب أهلية قد اندلعت فى فرنسا، يخوضها المهاجرون الذين ينحدرون من أصول مغاربية وإفريقية، فقد شهدت ليلة واحدة (5 نوفمبر 2005 ) إحراق 1300 سيارة فى ضواحى العاصمة وفى الأقاليم .
واشتعل الموقف بهذا الشكل الجامح إثر واقعتين : الأولى مست الأفارقة، والثانية مست المغاربة. أما الأولى فتمثلت فى وفاة شابين ينحدران من أصول إفريقية صعقاً بالتيار الكهربائى وهما يحاولان الإختفاء داخل غرفة محولات هرباً من الشرطة التى كانت تطاردهما.
أما الواقعة الثانية فإنها وفق المنشور بجريدة لوفيجارو فى 5 نوفمبر كانت كالتالى " أثناء مرور دورية شرطة بمنطقة Clichy - Sous - Bois، وهى من ضواحى باريس، لاحظ أفراد الدورية وجود سيارة متوقفة بشكل يعوق المرور فى مواجهة مسجد يسمى مسجد بلال. وكانت مجموعة من المغاربة تؤدى الصلاة، وإذا بهم يفاجأون بقنبلة مسيلة للدموع. وقام أفراد الدورية بعد ذلك بسب وإهانة مجموعة من السيدات المغربيات مع التهديد بهدم المسجد ، ونتيجة وشائج القربى بين العائلات المغاربية، انتشر الخبر بسرعة غير عادية فى جميع ضواحى باريس كما تم تناقل الواقعة عن طريق الهاتف".
وبدلا من الاعتذار ، لجأت الشرطة إلى استخدام العنف ضد سكان الضواحى من الأفارقة والمغاربة كما ظهر وزير الداخلية في هذا الوقت نيكولا ساركوزى على شاشات التليفزيون يصرح بأن سكان الضواحى فى باريس "حثالة وأوباش" وينبغى تنظيف الأحياء منهم بواسطة الخراطيم ، ما اعتبر سياسة أمنية عنصرية جديدة تجاه المهاجرين وخاصة المسلمين.
ويرى مراقبون أنه رغم مسئولية الحكومات الفرنسية المتعاقبة عن ظهور مشكلة الضواحى بسبب تراجع مستوى الإسكان والخدمات واتباع سياسات تمييزية تحول دون توظيف المغاربة والأفارقة فى الوظائف الكريمة ، إلا أن سياسات ساركوزى عندما كان وزيرا للداخلية هى التى فاقمت تلك المشكلة ، فساركوزى قام بإلغاء شرطة الضواحى وهى شرطة كانت تحرص على دور اجتماعى إضافة إلى الجانب الأمنى بما يؤدى إلى نزع فتيل التوترات .
كما أن ما دفع الشباب المغاربى والإفريقى الغاضب إلى إحداث كل هذا القدر الهائل من التدمير الذى أحال ضواحى باريس إلى حرائق متواصلة طالت السيارات والمحلات كان هو الأسلوب المتعالى الذى أدار به ساركوزى ملف الضواحى حيث رفض الاعتذار عن تصرفات الشرطة مصراً على لغة القوة .
ونشرت مجلة "ليبراسيون" في هذا الصدد تحقيقا أجرته مع عدد من شباب الضواحى ذهب فيه بعض هؤلاء الشباب إلى أن استفزاز الشرطة كان مقصوداً تماماً من جانب ساركوزى لتسليط الأضواء على الملف الأمنى قبل بدء الانتخابات الرئاسية فى عام 2007 .
وبالإضافة إلى مشكلة الضواحى ، فقد سعى ساركوزى أيضا خلال توليه وزارة الداخلية إلى تشديد القيود على هجرة العرب والمسلمين لفرنسا عبر إصدار قانون متشدد للهجرة تضمن ماوصفه "بالهجرة المختارة" والتى تسمح بالهجرة فقط فى حدود ممن تحتاج فرنسا إلى كفاءاتهم العلمية .
ومن استفزازاته لمسلمى فرنسا أيضا مساندته لمجلة (تشارلي إبدو) الفرنسية في الدعوى التي أقامتها ضدها جماعات مسلمة في فرنسا لنشرها رسوماً كاريكاتورية تسيء إلى النبي محمد -صلى الله وعليه وسلم- بداية عام 2006 ، وتأكيده تمسكه بقانون حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الفرنسية بعد فوزه بالرئاسة ، بالإضافة إلى موقفه المتشدد والرافض لتقديم أى اعتذار عن حقبة الاستعمار الفرنسى للجزائر وماشهدته من فظائع ومآسٍ.
وعلى الرغم من أن ساركوزى قام لأهداف انتخابية بزيارة الجزائر مؤخرا إلا أنه لم يجد حرجا فى التعبير عن رأيه الرافض للاعتذار عن مرحلة الاستعمار وعذاباتها، قائلاً بالنص الحرفى: "لا يمكن أن نطلب من الأبناء الاعتذار عن أخطاء آبائهم".
وفي ضوء ما سبق ، يرجح المراقبون أن الأسوأ ينتظر مسلمى فرنسا فى حال لم تتحرك الجالية العربية والمسلمة سريعا لحشد التأييد داخل المجتمع الفرنسى وفى العالمين العربى والإسلامى ضد مواقف ساركوزى العنصرية .
- ساركوزى يبلغ من العمر 52 عاما ، وينحدر من أصول مجرية فوالده كان من يهود المجر بينما كانت والدته فرنسية مسيحية ، وشغل منصب وزير الداخلية من 2002 الى 2004، وأمضى عاما كوزير للمالية قبل أن يعود للداخلية من 2005 إلى 2007.
وفاز برئاسة الجمهورية الفرنسية لفترة تمتد إلى خمس سنوات بعد حصوله على 2و53 في المائة من أصوات الناخبين متفوقاً على منافسته الاشتراكية سيجولين رويال التى حصلت على 8و46 فى المائة في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة التى أجريت في 6 مايو 2007 .
وبعد شهور قليلة من فوزه بالرئاسة وتحديدا فى 18 أكتوبر 2007 ، أعلن قصر الإليزيه عن طلاق الرئيس نيكولا ساركوزي وزوجته سيسيليا ، إلا أنه لم يكشف الأسباب .
وفي 12 مارس 2007 ، نأى ساركوزي بنفسه عن حكم الرئيس السابق جاك شيراك والديجوليين بصفة عامة ، قائلا فى حوار إذاعى :" إنه لا يعتبر نفسه وريثا لأحد. فرنسا جمهورية، ولا يمكن لأحد أن يرثها" ، الأمر الذى اعتبره بعض المراقبين بداية قطيعة مع الجمهورية الخامسة التى أسسها شارل ديجول عام 1958 والتى أعطت فرنسا استقلالا في القرار عن أمريكا وتميزت بالصداقة القوية مع العرب ، إيذانا بميلاد الجمهورية السادسة التى قد تختلف كلية معها في السياسات سواء الداخلية أو الخارجية .
فبرنامج ساركوزي الاجتماعى يتضمن المزيد من الإنحياز إلى أصحاب العمل على حساب العمال بشعار يعطيهم حقوق التعيين والفصل (Hire and Fire ) وزيادة عدد ساعات العمل .
وبتبشيره بالخصخصة والقمع الاجتماعي ، وضع ساركوزي نفسه في يمين اليمين " متطرف " على أمل استعادة الأصوات التي خسرها التيار اليميني السائد طيلة العشرين عاماً الماضية لصالح الجبهة الوطنية التي يتزعمها جان ماري لوبان .
وأعلن ساركوزى فور وصوله للرئاسة عن تعيين وزير للهجرة والهوية الوطنية ما أعاد إلى الأذهان الماضى العنصرى الذى يميز بين الفرنسيين على أساس الجنس أو الدين .
أما بالنسبة للسياسة الخارجية ، فمعروف عن ساركوزي العلاقات المتينة التى تجمعه بالمسئولين الأمريكيين، أما إسرائيل فتعتبره أحد أهم نماذج تفوق اليهود في فرنسا لدرجة أنها أصدرت مؤخرا طابعا بريديا يحمل صورته .
جيهان مصطفى
المصدر: محيط
إضافة تعليق جديد