سلام جنوب السودان على المحكّ
عبد الرحمن، الذي أدى اليمين رئيساً للمجلس العسكري، أمس، هو قائد القوات البرية السابق، والمشرف على القوات السودانية في اليمن، بالتنسيق مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان حميدتي، الذي أعلن، أمس، انحيازه للشارع في مطالبه بنقل السلطة إلى حكومة انتقالية مدنية.
وعلى اعتبار أن عبد الرحمن، الذي يُنظر إليه على أنه القائد الفعلي للانقلاب، أمضى حياته أخيراً متنقلاً ما بين اليمن والإمارات، رأى البعض أن خطوة أمس قد تكون أتت بضغوط خارجية، على الأرجح من الإمارات، خشية من انفلات الأمور، وللحفاظ على الحكم الجديد الذي سيطر عليه مجلس عسكري مكون من المقربين منها. ويبدو الضغط الإماراتي واضحاً في إعلان المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، الفريق صلاح قوش، المفضل لدى أبو ظبي، اعتذاره عن عدم المشاركة في عضوية المجلس الذي أعلنه بن عوف، بعد ساعات فقط من إعلان حميدتي قراراً مماثلاً، إضافة إلى اعتذار قائد أركان القوات البحرية، أحمد المطيري. ويسود اعتقاد واسع بأن اعتذار الفريق حميدتي يعود إلى استصغاره منصب عضو في المجلس العسكري، فالرجل كان يطمع في رئاسة المجلس، وأن يكون في منصب موازٍ لوزير الدفاع، كرئيس اللجنة الأمنية، التي خرج بيان الانقلاب ممهوراً بتوقيع أعضائها. وأطماع الرجل لم تأت من فراغ، فقواته تُعتبر ثاني أقوى تشكيل مسلح بعد الجيش، ولديها خبرات قتالية وخاصة في مناطق درافور.
وتمثل قوات الدعم السريع، التي تم تشكيلها قبل ثمانية أعوام، جزءاً من القوات المسلحة بموجب الدستور، وقد تمت العملية الانقلابية التي أطاحت البشير بالتعاون والتوافق بينها وبين القوات المسلحة وفقاً لما تفيد به معلومات، الأمر الذي يشير إلى ثقلها في الجيش، وخصوصاً أنها امتداد لميليشيا الجنجويد في دارفور، كما تؤكد جهات دولية وأحزاب معارضة وحركات متمردة. لكن كان لافتاً إعلان هذه القوات موقفاً منحازاً إلى الشعب، بعد الكشف عن هوية رئيس المجلس العسكري الأول (عوض بن عوف). ولكسب رضى الشارع، سارع حميدتي إلى البعث برسائل طمأنة إلى قيادة «تجمع المهنيين» الذي يقود الحراك، وإلى رؤساء الأحزاب السياسية وقادة الشباب، طالباً فتح «باب الحوار والتفاوض»، للوصول إلى حلول تُرضي الشعب السوداني، وتجنب البلاد الانزلاق نحو الفوضى، وخصوصاً في ظلّ وجود قوى كثيرة مسلحة في البلد، يمكنها تحريك السلاح الراكد في الأقاليم، ولا سيما دارفور وجنوب السودان، ومنها من المعارضة ومنها من الموالاة.
خطوة قائد قوات الدعم السريع، التي تشي بخلاف بين الأذرع العسكرية والأمنية، عدّها مراقبون «ذكية»، في وقت ماج فيه الشارع غضباً رفضاً لتولي المرحلة الطويلة الأمد من قِبَل منفذي الانقلاب الظاهرين، وخاصة أن بن عوف من وجوه النظام السابق، وقد أراد الرئيس المخلوع التلطي خلفه للاحتماء بالمؤسسة العسكرية. وهكذا، يبدو أن بن عوف قُدّم كـ«كبش فداء» لإمرار الانقلاب بشكل فجّ، من سبيل تشكيل مجلس عسكري وفرض حالة الطوارئ وحلّ الحكومة وإلغاء العمل بالدستور، على أن يتولى زمام الأمور بعده مقربون من المنقلبين الحقيقيين، وأن يحملوا معهم قرارات جديدة تهدّئ غضب الشارع، إذ إن صلاح قوش وعوض بن عوف مغضوبٌ عليهما شعبياً، بحسب ما بدا في ردود الفعل في الشارع أمس. لكن رئيس اللجنة السياسية المكلفة من المجلس العسكري، عمر زين العابدين، قال، في مؤتمر صحافي أمس، إن رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني ووزير الدفاع «كانا جزءاً من عملية التغيير التي انحازت للشعب»، وهو ما استنكره نشطاء، رافضين أن يكون قوش جزءاً من عملية التغيير، وهو الذي تسبب في قتل وتعذيب المحتجين طوال أربعة أشهر حتى أمس، حيث قتل منسوبو جهاز الأمن 16 مواطناً في عدد من مدن السودان، بحسب بيان «لجنة أطباء السودان».
في ضوء ذلك، يعلم أضلع مثلث الانقلاب الثلاثة، بن عوف وقوش وحميدتي، أن غضب الشارع يمكنه أن يطيح الانقلاب الحاصل بانقلاب مضاد، بتأثير من الضباط الصغار، الذين ثبت تأثيرهم في تاريخ الانقلابات في البلد، كما حصل في سيناريو انتفاضة 1985، حين دفعت الاحتجاجات إلى خلافات بين القيادة، وصغار الضباط والجنود، ومن ثم تخلي قائد الجيش عن الرئيس النميري.
من هنا، يرى مراقبون، أن قبول صلاح قوش، المفضل إماراتياً، الابتعاد عن مسرح الأحداث، الهدف منه إرضاء الشارع، وإسكات الأصوات الرافضة لوجوده، والحفاظ قدر المستطاع على التغيير الحاصل في مثلث الحكم، الذي يحفظ لأقطابه مصالحهم ويوفر لهم الحماية، علماً بأن قوش، الذي تعزز في عهده التعاون بين المخابرات السودانية ووكالة الاستخبارات الأميركية في ما يعرف بمكافحة الإرهاب، هو من كان يُرجَّح أن يقود أي انقلاب ضد البشير، الذي كان قد منعه من السفر، بحسب مصادر لصحف محلية، تحوطاً لأي عملية انقلاب قد يتعرض لها الرئيس من داخل منظومته الحاكمة بمساعدة جهات خارجية ترغب في إزاحته بطريقة ناعمة، وخصوصاً أن لقوش سوابق في ذلك، اذ اعتقل عام 2011 (لسبعة أشهر) بتهمة محاولة الانقلاب والتآمر على الدولة، حين كان مستشاراً أمنياً للبشير. وبعد خروجه بعفو رئاسي عام 2013، بضغط من الأميركيين، حينما كانت المباحثات حول إزالة اسم السودان من «القائمة السوداء» جارية، ظل قوش متوارياً عن الأنظار، حتى عيّن عام 2018 مجدداً على رأس جهاز الأمن والمخابرات، لتعود علاقته بالأميركيين إلى الظهور مع اندلاع الاحتجاجات، إذ التقى وفد الكونغرس الذي زار السودان الشهر الماضي. وفي الـ 21 من آذار/ مارس، استبعد البشير، قوش، عن لجنة شكلها لإدارة الأزمة قبل إعلانه حالة الطوارئ، ضمت في عضويتها بن عوف، وهو أمر أغضب قوش، الذي اقتحم اجتماعاً للجنة في مركز الدراسات الاستراتيجية، واشتكى قائلاً إن بعض قيادات حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم يريدون تحميله مسؤولية قتل المتظاهرين تمهيداً لعزله من منصبه، بحسب ما سربت صحف محلية. كما كانت مصادر لصحيفة «سوداني» قد ذكرت، قبلها بأيام، أن قوش كان يشرف على اتصالات سرية مع قيادات معارضة من داخل قصر البشير.
الأخبار
إضافة تعليق جديد