سورية ولبنان وأمريكا في نهائيات لعبة المحكمة الدولية
الجمل: بعد أن اهترأت واحترقت معظم أوراق الإدارة الأمريكية وإسرائيل، المستخدمة في الضغط على سوريا، بدأت الإدارة الأمريكية باستخدام إحدى أوراقها القديمة، ولكن ضمن أسلوب نوعي جديد.
تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس حول احتمالات أن تقوم الإدارة الأمريكية بالضغط على مجلس الأمن الدولي، من أجل إنشاء المحكمة الدولية بالاستناد إلى بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، هو تصريح يحمل أكثر من مغزى، ومن إشارة، ويمكن تحديد أبرز المعطيات الجديدة على النحو الآتي:
- سعي الإدارة الأمريكية إلى التعامل مع جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، بما ينقلها من إطارها الحقيقي كجريمة واقعية إلى إطار مثالي يجعل منها ملفاً يرتبط بعلمية تهديد الأمن والسلام الدوليين، وهو الأمر الذي تختص بمعالجته بنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
- إقحام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي العام في بعض القضايا التي لا تدخل في نطاق اختصاصاتهما، وذلك لأنهما يختصان بمعالجة النزاعات الدولية، ولا يتدخلان لا من بعيد ولا من قريب في الاغتيالات الجنائية والسياسية، ولو كان ذلك كذلك، لتدخلت الأمم المتحدة في الاغتيالات التي تمت بحق الكثير من موظفي الأمم المتحدة نفسها، والتي تمت في الكونغو، ورواندا، ودارفور وجنوب السودان وإقليم البوسنة.
- الاستحواذ على السيادة اللبنانية، عن طريق مطالبة لبنان بما لم يطالب به، أو بعبارات أخرى: القانون الدولي يشترط مطالبة لبنان، أولاً وقبل كل شيء، وليس لأي جهة دولية الحق في أن تلزم لبنان بما لم يطلبه.
- إرساء سابقة جديدة في النظام الدولي والعلاقات الدولية، وذلك لأن إصدار مثل هذا القرار سوف يؤدي إلى إلغاء كل بنود احترام السيادة الداخلية لدول وحكومات العالم، بحيث يمكن أن يصبح لمجلس الأمن الدولي الحق في استخدام البند السابع لميثاق الأمم المتحدة في عملية تشكيل وتكوين المحاكم الدولية لمحاكمة النشالين ومرتكبي حوادث المرور باعتبار أن جرائمهم تهدد الأمن والسلام الدوليين.
لقد سعت إدارة بوش، ومن ورائها إسرائيل وجماعة المحافظين الجدد إلى تغيير ميثاق الأمم المتحدة وتعديل القانون الدولي خلال فترة السفير الأمريكي (غير المعتمد) السابق للأمم المتحدة جون بولتون، ولكن باءت كل المحاولات بالفشل، والآن بدلاً عن استخدام الباب في مطالبة المجتمع الدولي بتغيير القانون والميثاق، تقوم أمريكا باستخدام الشباك، وذلك عن طريق إرساء السوابق القانونية الشاذة والخطيرة، والتي إن تم تنفيذها، فسوف لن تحتاج أمريكا وإسرائيل إلى تغيير ميثاق الأمم المتحدة أو القانون الدولي، وذلك لأنه سوف يكون بإمكانهما استخدام السوابق القانونية كذرائع لإصدار المزيد من القرارات المماثلة.
هذا على الصعيد القانوني والمؤسساتي الدولي، أما على الصعيد الميداني، الشرق أوسطي، فإن تصريح رايس يشير إلى أن الإدارة الأمريكية وإسرائيل تحاولان إعادة إنتاج ورقة اغتيال الحريري، ضمن مخطط نوعي جديد، يهدف إلى استبدال الأسلوب القديم الذي كان يقوم على رفع العصا في مواجهة سوريا، وتقديم الجزرة إلى قوى 14 آذار وحكومة السنيورة، طالما كانا ملتزمان وناجحان في تسويق العداء ضد سوريان بأسلوب جديد يقوم هذه المرة على استخدام العصا ضد اللبنانيين أيضاً، وقد يظن البعض أن العصا سوف تستخدم فقط ضد اللبنانيين المعارضين لقوى 14 آذار وحكومة السنيورة، ولكن الحقيقة تقول غير ذلك، فقد ثبت لأمريكا وإسرائيل أن قوى 14 آذار وحكومة السنيورة قد فقدتا رصيدهما في الشارع اللبناني بعد انكشاف فضيحة المحقق ديتليف ميلس، والعدوان الإسرائيلي الغاشم، والتواطؤ الأمريكي- الفرنسي- الإسرائيلي ضد لبنان.. وإزاء هذه التوازنات يبدو صعباً أن نتوقع قيام أمريكا بمكافأة قوى 14 آذار وحكومة السنيورة.
أمريكا وإسرائيل تريدان اندلاع الصراع اللبناني- اللبناني وتوسيع دائرته بما يؤدي لحريق أكبر على النحو الذي يدخل كل منطقة شرق المتوسط في دائرة الفوضى الخلاقة، ويفجر الصراع السني- الشيعي بوتائر أكبر، وعلى وجه الخصوص في العراق ولبنان، وهي العملية السرية التي بدأ يشرف ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي شخصياً على تنفيذها داخل لبنان.
وبالتالي إذا قدمت أمريكا المال والدعم لحكومة السنيورة وقوى 14 آذار، فسوف لن تندلع شرارة الصراع اللبناني- اللبناني، وذلك لأن تقديم الأموال التي وعد مؤتمر باريس بتقديمها إلى حكومة السنيورة سوف يؤدي إلى إعمار لبنان واستقراره، وهو ما لا تريده لا أمريكا ولا إسرائيل، وما هو مطروح حالياً هو استخدام الضغوط والعصا ضد حكومة السنيورة، حتى تسوء الأحوال أكثر فأكثر وتنفجر الأوضاع، خاصة وأن أمريكا وإسرائيل قد أدركتا جيداً أن استخدام العصا والضغوط ضد حزب الله وحلفائه عن طريق الباب طوال الفترة الماضية لم يؤد إلى حالة الفوضى المطلوبة.. ومن ثم فإن استخدام العصا عن طريق الشباك ضد حكومة السنيورة وقوى 14 آذار قد يؤدي إلى ما هو مطلوب.
إن إصدار قرار تشكيل المحكمة الدولية بالاستناد إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، سوف يفرض على حكومة السنيورة التزامات تفوق طاقته، لأن الفشل في الإيفاء بهذه الالتزامات معناه العقوبات والتدخل الدولي، وهو الأمر الذي سوف يؤدي إلى مواجهة لبنانية- لبنانية، ولبنانية- دولية، ولبنانية- إقليمية.. ولا نعتقد أن السنيورة وقوى 14 آذار بقادرين على البقاء 24 ساعة في لبنان تحت ظل هذه الظروف.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد