كتاب عن القضاء في سورية يدعو إلى إلغاء وزارة العدل

27-01-2008

كتاب عن القضاء في سورية يدعو إلى إلغاء وزارة العدل

الجمل: إن القضاء هو الحاضر الغائب ... فهو حاضر باعتباره أحد سلطات الدولة الثلاث ، إلى جانب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية . وهو بحكم كونه سلطة ، يتساوى من حيث المركز والمكانة مع كل من هاتين السلطتين ، لا هو أقل منهما منزلة ، ولا هما أرفع منه أو أجل .
وهو حاضر ، نظراً لأهمية دوره وطبيعة نشاطه وحقيقة أهدافه . فالقضاء يلعب دوراً أساسياً لدعم الجهود الرامية إلى بناء دولة القانون وتوطيد دعائم الديمقراطية وحماية الحقوق والحريات ، الخاصة منها والعامة .
وهو حاضر ، لأنه يشكل سياج الأمان لحماية الأفراد من شطحات السلطة التنفيذية ، وعثرات السلطة التشريعية التي يمكن أن تطيح بحقوقهم وتذهب بحريتهم. فيعيد القضاء ما سلب من الحقوق ويرتق ما تهتك من ثوب الحريات .

لكن القضاء غائب ...
غائب لأن سلطته موجودة فقط بين طيات الكتب وثنايا النصوص ... أما من حيث الواقع فإنه لم يتمتع في يوم من الأيام بأية سلطة حقيقية ، ولم يُنظر إليه أبداً على أنه متساوٍ من حيث المكانة مع السلطة التنفيذية أو التشريعية .
غائب ... لأن التبعية التي كبلته بقيودها ، وحنت ظهره تحت أثقالها، مسحت عنه معالم الهيبة وملامح الوقار ، وأطفئت ناره ونوره .
غائب ... لأنَّه مشتت ، ليس له مرجع موحد . فبعضه يتبع وزير العدل ، وبعضه يتبع وزير الدفاع ، وبعضه يتبع وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ، وما بقي منه يتبع وزير الزراعة .
غائب لأنه ، باختصار ، يفتقر إلى مقومات الوجود الحقيقي والفعال.

بهذه الكلمات يبدأ المحامي عبد الله سليمان علي التقديم لكتابه ((القضاء بين الواقع والتحديات)) الصادر بالتعاون بين ملتقى النقد والإبداع في بيروت ودار الأعراف في سوريا ويقع الكتاب في 225 صفحة قياس 25×17. وقد قسم الكتاب إلى سبعة فصول هي على التوالي : القضاء سلطة مستقلة ـ القضاء الطبيعي والقضاء الاستثنائي ـ اختيار القضاة ـ الأحكام الناظمة لشؤون القضاة ـ قيم النزاهة ومبادئ الشفافية في القضاء ـ الفساد في القضاء ـ استشراف آفاق الإصلاح.

ويتميز كتاب ((القضاء بين الواقع والتحديات)) بشموليته للموضوع محل الدراسة وتغطيته لكافة نواحيه سواء المبادئ العامة التي يقوم عليها القضاء أو الأحكام التفصيلية التي تنظم عمله بحيث يعتبر هذا الكتاب مرجعاً كافياً لكل المهتمين بالشأن القضائي.
 كما يتميز الكتاب بجرأته في طرح المواضيع ومناقشتها فلا يتردد المؤلف في نعي استقلال القضاء وسرد الأدلة القانونية والواقعية التي تثبت تبعية القضاء للسلطة التنفيذية وتعامل الأخيرة معه ليس باعتباره سلطة مستقلة وإنما باعتباره مجرد مرفق ملحق بها كأي وظيفة إدارية أخرى.
وفي موضوع استقلال القضاء كان من اللافت محاولة المؤلف المقاربة بين مبدأ الحزب القائد ومبدأ استقلال القضاء حيث انتهى إلى نتيجة مفادها أنه ليس ثمة تناقض بين مبدأ الحزب القائد وبين مبدأ استقلال القضاء المنصوص عليهما في الدستور السوري وأن غاية الدستور هي الحفاظ على استقلال القضاء حتى عن مؤسسات الحزب وتنظيماته، وإن كان ما يجري عملياً خلاف ذلك.
وقد كان لوزير العدل نصيب وافر من النقد في طيات الكتاب حيث قام المؤلف بتشريح دقيق للعلاقة بينه وبين المؤسسة القضائية وبيَّن بالأدلة القاطعة الهيمنة الكبيرة التي يمارسها وزير العدل على القضاء والقضاة سواء من حيث كونه نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى والرئيس الفعلي له وصلاحياته الواسعة في تعيين القضاة وعزلهم وإحالتهم للتقاعد وندبهم ومساءلتهم وسيطرته على إدارة التفتيش القضائي بحكم أنه هو الذي يعين رئيس هذه الإدارة، وإشرافه على المعهد القضائي الذي يتولى مهمة التكوين الفكري والفني للقضاة ويشير المؤلف إلى أزمة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية إذ كيف يمكن أن يحظى هذا القضاء باستقلاله إذا كان أحد أعضاء السلطة التنفيذية هو المشرف على تكوينهم وتعليمهم.
واستكمالاً لذلك رأى المؤلف أن إصلاح القضاء لا يمكن أن يمر عبر وزير العدل (بغض النظر عن الشخص الذي يشغل هذا المنصب) لأن وزير العدل هو أحد أضخم المشكلات التي يعاني منها القضاء والتي تثقل كاهله بأعباء التبعية والاقتياد. وانتهى المؤلف إلى ضرورة إلغاء وزارة العدل والاستعاضة عنها بمجلس للقضاء يكون ذا تشكيلة قضائية صرفة.
والكتاب رغم تشعبه وتناوله لمختلف الأحكام القانونية التي تنظم العمل القضائي من التعيين إلى الندب إلى الحصانة إلى النقل والإحالة على التقاعد إلى المساءلة، فإنه في مجمل الفصول يتبدى حرص المؤلف على إبراز عدم مراعاة هذه الأحكام للطبيعة الخاصة التي يتمتع بها منصب القاضي وعدم مراعاتها لما يجب أن يتوافر للقضاء من استقلال وحياد.
ومن الفصول الهامة في الكتاب تلك التي تتحدث عن قيم النزاهة ومبادئ الشفافية في القضاء حيث بين المؤلف أساس هذه القيم وعناصرها وحالات انتفائها. لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الفساد في الأجهزة القضائية وتعريف ظاهرة الفساد القضائي وأساليب هذا الفساد من رشوة ومحسوبية والآثار السلبية التي تنتج عن ظاهرة الفساد سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني. وفي الفصل الأخير حاول المؤلف أن يضع بعض التصورات الهامة لإصلاح القضاء وصيانة استقلاله وقد كان من أبرز هذه الاقتراحات دعوته إلى إلغاء وزارة العدل وسن تشريع خاص بحماية استقلال القضاء وإعادة هيكلة محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى بما يحقق للسلطة القضائية استقلالها وحيادها.
وأخيراً فإن ما له دلالته هو إهداء المؤلف كتابه إلى القاضي التونسي المختار اليحياوي الذي عزل من منصبه بسبب مواقفه المؤيدة لاستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، وكفاحه من أجل هذا الاستقلال رغم كل الصعوبات والعقبات التي وضعت في طريقه وكان آخرها عزله من منصبه بشكل تعسفي. لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة سعيه الدؤوب باتجاه غايته حيث أسس مركزاً لاستقلال القضاء والمحاماة يعتبر الثاني من نوعه في العالم العربي بعد المركز المصري.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...