كيف تعمل واشنطن لاستعادة تركيا إلى حضنها
الجمل: تنظر التحليلات السياسية الجارية إلى العلاقات التركية – الأمريكية باعتبارها ترتبط حصراً بالصراع التركي – التركي الدائر حالياً بين العلمانيين الذين يقودهم حزب الشعب الجمهوري التركي والإسلاميين الذين يقودهم حزب العدالة والتنمية. وبكلمات أخرى، إقصاء حزب العدالة والتنمية الحاكم معناه انتعاش العلاقات التركية – الأمريكية.
* الإدراك الأمريكي لتركيا:
يدور الخلاف داخل دوائر صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء تركيا بين مجموعتين الأولى تعتمد "المنظور التكتيكي" القائم على ضرورة ممارسة الضغوط واستخدام الوسائل السرية والدبلوماسية من أجل إقصاء واستئصال حزب العادلة والتنمية ويبدو هذا الاتجاه واضحاً في إصدار مراكز دراسات جماعة المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك تحليلات سوثير كاغايتاني خبير شؤون تركيا في معهد واشنطن ومايكل روبين خبير شؤون الشرق الأوسط في معهد المسعى الأمريكي.
أما المجموعة الثانية فتعتمد "المنظور الاستراتيجي" الذي يركز على الاستمرار والتوسع في بناء العلاقة والشراكة مع تركيا بغض النظر عن القوى السياسية التي تسيطر على القرار في أنقرة، طالما أن تركيا ترغب في مواصلة هذه العلاقة وطالما أن تمسك واشنطن بالعلاقة مع تركيا سيؤثر على أنقرة بحيث لا تذهب بعيداً في خلافاتها مع واشنطن بما يؤدي إلى وقوعها ضمن دائرة نفوذ القوى الدولية الكبرى الصاعدة مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي.
* ماذا يقول المنظور الاستراتيجي:
أطروحة المنظور الاستراتيجي الأمريكي في التعامل مع تركيا جاءت ضمن محاضرة قدمها برايز مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية ضمن فعاليات الذكرى التاسعة للزعيم التركي تورغوت أوزال، إضافةً لذلك يتولى الخبير برايز مسؤولية منسق سياسة الطاقة الأمريكية في مناطق البحر الأسود وبحر قزوين ويتعاون مع بلدان الاتحاد الأوروبي حول شؤون التسامح والتكامل الاجتماعي والإسلام. هذا، وقد تضمنت محاضرة الخبير برايز النقاط الآتية:
• الخلفية:
* ملف الطاقة: يتوجب أن تركز الولايات المتحدة باتجاه بناء تعاون نفطي وثيق مع تركيا بحيث تصبح ممراً للطاقة النفطية القادمة من آسيا الوسطى والقوقاز.
* ملف العراق: برزت الخلافات التركية – الأمريكية إلى السطح عندما رفض البرلمان التركي الموافقة على طلب الإدارة الأمريكية استخدام تركيا كممر لدخول القوات الأمريكية إلى العراق، ويرى برايز أن وجود القوات الأمريكية في العراق أصبح أمراً واقعاً وبالتالي يمكن دفع تركيا باتجاه التعاون مع أمريكا عن طريق إعطائها دوراً أكبر في تشكيل مستقبل العراق.
* علاقات تركيا مع الغرب: يعتبر عام 2004م بمثابة الفترة الرئيسية التي يمكن اعتبارها نقطة الانطلاق في إعادة بناء الشراكة التركية – الأمريكية بحيث تتمثل لحظة البداية في زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى البيت الأبيض التي تمت في كانون الثاني 2004م وحضور أردوغان لاجتماع قمة مجموعة الثماني الذي انعقد في شهر أيار من نفس العام بمنطقة سي لاند وكان مخصصاً لمناقشة ترقية الديمقراطية في الشرق الأوسط إضافةً إلى قيام تركيا باستضافة قمة الناتو بمدينة اسطنبول. ويرى الخبير برايز بأن هذه الوقائع المتعلقة بالقيمة الاستراتيجية لتركيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي باعتبارها بلداً ديمقراطياً لشعب أغلبيته العظمى من المسلمين وينطوي نظامه السياسي على منظومة قيمية قوية من التقاليد العلمانية والاستناد إلى حكم القانون.
• مجاميع الاهتمامات – المصالح الثلاثة:
* الطاقة النفطية وآسيا الوسطى: أن تسعى أمريكا إلى التنسيق مع تركيا حول إمدادات النفط العراقي وإمدادات نفط منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى بما يؤدي إلى دفع أوروبا إلى الحصول على احتياجاتها النفطية عبر تركيا بما يترتب عليه تخلي أوروبا الغربية عن النفط الروسي وهذا في حد ذاته سيساعد على تعزيز موقف أمريكا في ممارسة المزيد من الضغوط على روسيا وبلدان الخليج والسعودية وفنزويلا.
* الرؤية المشتركة والأمن: نجحت الإدارة الأمريكية في الضغط والتضييق على حزب العمال الكردستاني وقد آن الأوان لبناء رؤية مشتركة مع تركيا حول خطر الحزب وغيره من الحركات بما يؤدي إلى دفع هذه الحركات باتجاه تقديم الدعم للوجود الأمريكي في العراق وتركيز العمليات ضد خصوم أمريكا في المنطقة وعدم القيام بأي عمل ضد تركيا. ويجب على الإدارة الأمريكية أن تنتبه جيداً إلى حساسية الرأي العام التركي إزاء ملف الحرب على الإرهاب وحالياً ينظر الأتراك إلى أمريكا باعتبارها تعمل باتجاه دفع تركيا للاستمرار في الحرب ضد تنظيم القاعدة وشبكاته لحماية الأمن القومي الأمريكي ولكن أمريكا في الوقت نفسه تتحيز لصالح حزب العمال الكردستاني والحركات الانفصالية الكردية التي تهدد الأمن القومي التركي.
* إصلاحات اقتصاد السوق ونشر الديمقراطية: على الولايات المتحدة أن تتمسك بقناعة أن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ستعود بالفائدة على أوروبا وعلى منطقة الشرق الأوسط وتركيا لأن إدماج المجتمع التركي المسلم ضمن العلمانية والديمقراطية الأوروبية سيفيد لجهة إدماج الشعوب الإسلامية الأخرى ضمن هذه القيم إضافةً إلى أنه سيعمق فهم أمريكا لكيفية التعامل مع شعوب الشرق الأوسط وتطبيق برامج تحرير الاقتصاد ونشر الديمقراطية.
وخلصت المحاضرة إلى ضرورة ثقة أمريكا في قدرة حلفائها العلمانيين الأتراك على المضي قدماً والقيام بتنفيذ "فصل الجامع عن الدولة" وبناء منظومة قيمية براجماتية حقيقية في تركيا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد