لا القاهرة تكتب، ولا بيروت تطبع، ولا العراق يقرأ!
الكتب المصرية ستشارك في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب... لكنّ الناشرين المصريين أنفسهم متغيبون. ليس في الأمر تناقض. فلكل ناشر هنا «وكيل» يتولى مهمة المشاركة في المعرض، كما أنّ لـ«هيئة الكتاب المصرية» ــ أكبر ناشر حكومي ــ فرعاً في بيروت، افتُتح منذ أكثر من ثلاثين عاماً. المشاركة المصرية، إذاً، ستقتصر على الإصدارات التي تعاقد عليها الوكلاء، ودور النشر البيروتية.
هل هناك تنافس بين الناشرين المصريين واللبنانيين على سوق النشر العربية؟ الناشر محمد هاشم صاحب «دار ميريت» يؤكد حقيقة الصراع الذي ينفيه كثيرون: «هناك صراع قديم. لكنني لست طرفاً فيه، وما زلت أحاول الحفاظ على علاقة جيدة بالجميع على رغم بقائي خارج اتحاد الناشرين العرب حتى الآن. التقيت في معرض أبو ظبي للكتاب نبيل صادر صاحب «دار صادر»، وتحدثنا في انضمام «ميريت» إلى اتحاد الناشرين العرب. وقد أوافق، وإن كنت أفضّل التنافس الشريف بالكتب والأفكار. لكن هناك من جانب بعض الإخوة في لبنان، ممارسات لا أودّ أن أسمّيها: مثلاً، فاتحت إحدى الناشرات الروائي أحمد العايدي أكثر من مرة بموضوع نقل روايته «أن تكون عباس العبد» إلى دارها، مبرّرة ذلك بأنّ «الطبعة تصبح عربية». كأنّنا نحن أصدرناها «باللغة الهندية»!
صاحب «دار ميريت» يطبع من كل كتاب ألف نسخة فقط، وفي حال نفاد الكمية المطبوعة، يُعيد الطباعة مرة ثانية، كما حدث مع عدد كبير من الأعمال الفنية. رواية «أن تكون عباس العبد» أصدر منها أربع طبعات حتى الآن، وكذلك كتاب الكاتب الإسلامي خليل عبد الكريم «فترة التكوين في حياة الصادق الأمين» الذي اشترى أحد الناشرين اللبنانيين منه حوالى 550 نسخة بمجرد صدوره، أي أكثر من 50 في المئة مما طُبع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطبعة الأولى من رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني. فقد استوعبت السوق اللبنانية وحدها 300 نسخة من أصل ألف نسخة طُبعت.
كل هذا يجري فردياً خلال معارض الكتب، لكن خلال الدورة الأخيرة لـ«معرض القاهرة الدولي للكتاب»، لم يقدم أي من الناشرين اللبنانين على شراء كتب «ميريت» الجديدة. «قالوا إنّ الحرب أثرت في سوق النشر». يقول هاشم: «نحن نولي أهمية للسوق المصرية، لأن إحدى مهمات الدار التوسع في نشر الكتب التي تقتحم الخطوط الحمراء سياسياً واجتماعياً، وكذلك الاهتمام بالكتابة الجديدة البكر، وهي مجالات لا تجذب عادة أسواق النشر الخارجية».
أما كتب «المشروع القومي للترجمة» أو «إصدرات المجلس الأعلى للثقافة في بيروت»، فيؤكد عماد أبو غازي نائب الأمين العام لـ«المجلس الأعلى للثقافة»، أنّه «ليست هناك أي عقبات إدارية أو رقابية لتوزيعها». ويضيف أبو غازي إنّ عدداً كبيراً من الناشرين اللبنانيين يطلبون توزيع كتب المجلس، و«نحن نسهّل لهم الإجراءات، كما أنّ المجلس وقّع عقوداً مع دور نشر بيروتية، لإصدار بعض الكتب في طبعتين مصرية ولبنانية في التوقيت ذاته». وهو ما حدث مع «دار الآداب»، إذ قمنا معاً بطباعة كتاب إدوارد سعيد «الثقافة والمقاومة»، وسنحاول التوصّل إلى اتفاق مع الدار نفسها لطبع كل كتب سعيد. وكذلك الأمر بالنسبة إلى «دار الفارابي»، إذ نشرنا معاً كتابين هما «الشرق المتخيل» و«الغرب المتخيل».
محمد عبد اللطيف رئيس «اتحاد الناشرين العرب»، وصاحب «دار سفير» المتخصصة في كتب الأطفال يرى أن الكتاب عنصر مهم جداً بالنسبة إلى السوق اللبنانية... لكنها لا تجذب الناشرين المصريين لأنها «سوق تصدّر الكتب للآخرين ولا تستوردها، كما أن عدد سكان لبنان قليل مقارنة بالدول العربية. سوق الخليج هي الأهم اقتصادياً للناشرين المصريين، يليها المغرب العربي». لكن هل هناك تنافس بين الناشرين المصريين واللبنانين على سوق الكتاب؟ يجيب: «هناك تنافس بين ناشر وناشر لا بين دول. وهذا أمر طبيعي يصبّ دوماً في مصلحة القارئ».
أما «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، فلديها فرع في بيروت منذ 30 عاماًً، كما اكتشفنا من خلال الحوار مع أحمد عرابي مدير التوزيع في الهيئة. الفرع يديره لبناني (حسب القانون) ومهمته المشاركة في معرض بيروت، ويُزوّد دورياً بالإصدارات الجديدة... «لكنّ الإقبال على كتب الهيئة ضعيف يقول عرابي ــ لأن نوعية الورق الذي تستخدمه الهيئة، وشكل الكتاب وإخراجه عناصر تُعدّ ضعيفة مقارنة بما يقوم به الناشرون اللبنانيون. كما أنّ السوق اللبنانية هي سوق موزعة للكتاب أكثر منها سوقاً متلقيةً له. والسوق الليبيّة ثم السعودية هما الأكثر أهمية بالنسبة إلينا ولا سيما في السنوات الأخيرة».
أين «السوق» العربيّة؟
ضحك الدكتور وحيد عبد المجيد نائب رئيس هيئة الكتاب عندما ذكّرناه بالمقولة الشهيرة «القاهرة تكتب وبيروت تطبع والعراق يقرأ». علّق: «هذه مقولة انطباعية للدكتور لويس عوض، ولم تكن دقيقة في أي يوم من الأيام. صحيح أنّ اللبنانيين مميّزون في صناعة الكتاب وإخراجه. لكن أنا شبه متأكد من أنّه في العراق لم يكن هناك شعب يقرأ، بل إنّ حكوماته المتعاقبة منذ الخمسينيات منعت دخول الكتب. وإذا أردنا أن نتحدث عن شعب عربي يحب القراءة فعلاً فهو الشعب السوداني. مقولتي انطباعية ليست قائمة على دراسة. حتى القول إن مصر تكتب أمر فيه جدل، لأن الكتابة المصرية في تدهور شديد». يرفض عبد المجيد الحديث عن سوق عربية للكتاب قد تحدث فيها منافسة. يوضح: «ليست هناك أدوات في هذه السوق، فالكتاب المطبوع في مصر يخرج في دوائر محدودة، ويصعب أن تجده في الخارج، ليس خارج مصر فحسب بل خارج القاهرة. في أي مدينة أخرى خارج القاهرة، يصعب أن تجد الكتاب في الأطراف أو محطات الباص والمترو. العرب كلّهم ليست لديهم وسيلة للحصول على الكتاب».
ويضيف الكاتب والباحث المصري: «حسب الإحصاءات الصادرة عن «دار الكتب»، تطبع مصر تسعة آلاف كتاب، أي بمعدل 750 كتاباً في الشهر، ما يعني أنّه خلال الشهور الثلاثة الماضية، أي منذ بداية 2007، طُبع 2250 كتاباً. أنا كمثقف ــ ومثلي كثيرون ــ لم أسمع إلا بعدد محدود من هذه الإصدرات، وعن طريق المصادفة! عندما يرسل إليّ المؤلف كتابه، أو أقرأ عنه في الصحف. إذاً ليست لديك وسيلة حتى لمعرفة الكتب التي صدرت أخيراً، وبالتالي يستحيل الحديث عن سوق عربية مشتركة للكتاب».
ويخلص عبد المجيد: «لهذا السبب، لا نضع السوق العربية في اعتبارنا. لأن أدواتنا محدودة. سياسة النشر عندنا، تحاول أن تسد فراغاً في نوعيات معينة من الكتب التي لا يقبل عليها القطاع الخاص. ننشر في كل مجالات المعرفة منطلقين من افتراض أنّ مصر ــ رغم تراجع دورها الثقافي ــ ما زالت هي الفاعل الثقافي الأول فى العالم العربي. وهي التي تطبع نصف الكتب في الوطن العربي أيضاً».
محمد شعير
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد