لمحة عن تاريخ العلويين
عند مراجعة التاريخ، يتبيَّن لنا أن الطائفة العلوية كانت من الطوائف التي تعرضت على مر العصور للكثير من التنكيل والظلم. وهو أحد الأسباب التي تُفسر سبب إنطواء هذه الطائفة على نفسها. فكيف يمكن سرد تاريخ الطائفة العلوية من أيام الحمدانيين حتى الإنتداب الفرنسي؟ وكيف تعرضت هذه الطائفة للظلم؟
في ظل الدولة الحمدانية:
كان العلويون في عصر سيف الدولة الحمداني، يتمتعون بحرية كاملة في ممارسة طقوس مذهبهم. فما ميَّز الدولة الحمدانية، ضلوع أركانها في العلوم الدينية، حيث أنهم تتلمذوا على يد أشهر علماء العصر حينها، وهو أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، مما جعل واقع احترام الأديان سائداً . الى جانب ذلك عاشت الطائفة بسلام، حيث أمِنَ الساحل السوري من الحملات الصليبية، حتى سقوط الدولة الحمدانية. حينها إستولى المرداسيون على مدينة حلب، وبنوا دولتهم حيث سلبوا العلويين حقوقهم وحرياتهم، ووقعوا تحت ظلم الدولة الجديدة.
في ظل الدولة الفاطمية:
بعد سقوط الدولة الحمدانية، تمكن الفاطميون الذين كانوا حكاماً لمصر وشمال إفريقيا سنة ٤٢٩هـ من الإستيلاء على حلب، وذلك بمساهمة العلويين أنفسهم الذين أرادوا التخلص من الظلم الذي لحق بهم في عصر الدولة المرداسية. ولكن على الرغم من ذلك، تنكرت لهم الدولة الفاطمية، وجرّدوهم من مناصب الدولة ونعموا وحدهم بمرافق البلاد وخيراتها، واستأثروا بالحكم وتصريف أمور البلاد دونهم، فانكمشوا على أنفسهم وانطووا على ذاتهم تجنباً للفتن .
في ظل الدولة الأيوبية:
بعد سقوط الدولة الفاطمية، أسس صلاح الدين الأيوبي، دولة الأيوبيين سنة ٥٦٧هـ عقب انتزاع السلطة من يد الحاكم “العاضد” آخر خلفاء الفاطميين. إلا أن العلويين حينها، عاشوا في بلاد الشام عصراً من التضييق عليهم في ممارسة عملهم، حيث أمر صلاح الدين الأيوبي أن لا تُقبل شهادة أحد ولا يقدّم للخطابة ولا للتدريس فقط لأنه علوي الإنتماء، وقد اشتهر صلاح الدين الأيوبي كثيراً بعزل القضاة والبطش والإستبداد في أرجاء دولته في مصر وسوريا . ولم يكتف بذلك، بل قام صلاح الدين الأيوبي، بحبس بقايا العلويين في مصر، وفرّق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا، وأبادَ المكتبات العلمية وأتى على محتوياتها. وحين ضمّ الشام إلى ملكه سنة ٥٦٩ هـ، ساءت في عصره حالة العلويين أكثرهم، وذلك لحرمانهم إعلان حرية اعتقادهم فخلدوا حينها إلى السكينة والهدوء حفاظاً على أنفسهم من الإبادة والتنكيل . وبقي بعدها الأيوبيون يُضيّقون على العلويين الخناق ويُبعدونهم عن موارد الحُكم، حتى لجأوا حينها إلى العَيش في أكناف الجبال، لضعفهم عن المقاومة.
قيام المماليك، وإبادة العلويين:
عند قيام دولة المماليك سنة ٦٥٧ هـ، وقبضها على زمام الحكم، تنفّس العلويون الصعداء لإعلانها قبول مذهب التشيّع لكنّهم بقوا بمعزَلٍ عن الحُكم باستثناء تَسَلُّم بعض الإمارات في لبنان من قِبَل أحفاد التنوخيين الذين هاجروا إليها وقد دافعوا عنها ضد غارات الإفرنج .وفي سنة ٧٠٥هـ، سارت حملة عسكرية إلى جبال كسروان في لبنان، بأمرٍ من السلطان محمد بن قلاوون سلطان مصر لإبادة العلويين. والسبب حينها إعتبارهم “كفرة” ووجوب قتلهم، الأمر الذي أدى لتجهيز جيش ضدهم، فأبادوا كثيراً منهم، ووطئوا أراضٍ كثيرة من بلادهم. لذلك في سنة ٧٠٥ هـ، كانت السنة التي فُتِك حينها بالعلويين قتلاً وإبادة ونهباً وتشريداً، وقد حَصَدَت تلك المجازر الآثمة علويي شمال لبنان، لا سيما في القنيطرة والعاقورة ونواحي البترون وعكار الضنية. ولجأ من نجا منهم الى اللاذقية وأنطاكية واعتصموا في جبالها وبقيَ القليل منهم في لبنان .
العلويون والحُكم العثماني وصولاً للإنتداب
مع قيام الدولة العثمانية وتوسعها في بلاد الشام والعراق ومصر وبلاد الحجاز، بدأ فصل جديد من معاناة العلويين. حيث عانوا إبّان الحكم العثماني الذي امتد لأربعة قرون وسنتين. والمعروف تاريخياً أن السلطان سليم العثماني قام بشن حملات ضد العلويين في محاولة لاستئصالهم والقضاء عليهم، ما أدى إلى مذابح كثيرة في حق العلويين .
وبعد تراجع الدولة العثمانية، وبدء عصر الإستعمار للبلاد العربية وتقسيمها بين القوى الإستعمارية، بدأ الإحتلال الفرنسي لسوريا عام ١٩١٨. وقد عانى العلويون ما عانوه من الإحتلال الفرنسي، واستشهد الكثير من الثوّار العلويين بقيادة الشيخ صالح العلي قائد الثورة العلوية ضد الإستعمار الفرنسي . وقد كانت أوّل معركة خاضها الشيخ صالح العلي في حربه وثورته على الفرنسيين في منطقة “وطى النيحة”، الواقعة غربي وادي العيون، وأسفرت عن مقتل خمسة وثلاثين جندياً فرنسياً، وعدد لا يُستهان به من الجرحى، والكثير من الغنائم الحربية . واعتبرت هذه الثورة حينها من الثورات التاريخية ضد الظلم والإحتلال.
خاتمة
يتبيَّن لنا من خلال ما عرضناه أن تاريخ الطائفة العلوية، تميَّز بالمعاناة على مرِّ الدول التي حكمت، مما جعل العلويين بعيدين عن العيش بإستقرار، الى جانب بقائهم منطوين على أنفسهم، لأسبابٍ تتعلق أساساً بالمحافظة على النفس. الى جانب ذلك تميَّز العلويون بروح الثورة ومقاومة الظلم، وقد ذكرنا مثالاً على ذلك، الشيخ صالح العلي، الذي يُعتبر من رجالات الثورة ضد الإستعمار في التاريخ.
الضاد برس
إضافة تعليق جديد