مأزق الجامعة العربية في زيارة نبيل العربي لدمشق

الجمل:   أصبح في حكم المؤكد أن أمين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي سوف يصل إلى دمشق يوم السبت الموافق 10 أيلول (سبتمبر) 2011، وذلك في زيارة تباينت حولها وجهات النظر، فما هي طبيعة زيارة الدكتور نبيل العربي إلى دمشق، وإلى أي مدى يمكن تقييم بنود هذا الجدول والتي نظر لها العديد من المحللين والمراقبين والخبراء على أساس اعتبارات غلبت عليها الشكوك.. واستقراءات انعدام المصداقية؟
•    الدبلوماسية الوقائية العربية: مأزق جامعة الدول العربية؟
تراكمت إخفاقات الجامعة العربية في مجالات احتواء النزاعات والصراعات، سواء على المستوى العلاجي التدخلي، أو على المستوى الوقائي، وفي هذا الخصوص يعد فشل جامعة الدول العربية في معالجة واحتواء أزمات: ملف الأزمة الفلسطينية- ملف الأزمة اللبنانية- ملف أزمة الصحراء الغربية- ملف أزمة دارفور- ملف أزمة انفصال السودان- ملف أزمة اليمن- ملف أزمة الصومال.. وما شابه ذلك من القائمة التي سوف تطول، فقد وصلت جامعة الدول العربية إلى مرحلة الانكشاف الكامل، خلال الأشهر الماضية، وذلك عندما اجتمعت بقيادة عمرو موسى وطلبت التدخل الدولي العسكري ضد ليبيا..
تحدثت التقارير والتسريبات خلال الأسابيع الماضية عن قيام حلفاء أمريكا الشرق أوسطيين، بالمزيد من التحركات لجهة دفع جامعة الدول العربية من أجل عقد جلسة طارئة استثنائية خاصة بالحدث الاحتجاجي السياسي السوري الداخلي، تسفر عن إنتاج موقف الجامعة العربية ذاته إزاء ليبيا.. وذلك على النحو الذي يتيح لخصوم سوريا الدوليين والإقليميين لجهة القيام باستغلال الفرصة وتوظيف "تفويض الجامعة العربية" بما يتيح لهم أن يقدموا  لإسرائيل ما ظلت إسرائيل عاجزة عن القيام به طوال تاريخها الذي امتد أكثر من 62 عاماً !
عقد مجلس وزراء خارجية الدول العربية جلسة طارئة حول سوريا، تضمنت قدراً كبيراً من الخلافات والتباينات، وبعد انفضاض الجلسة، بدأت تظهر المزيد من التسريبات التي تحدثت عن زيارة أمين الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي إلى دمشق.. وتزايد مضمون محتوى هذه التصريحات لجهة الحديث عن "مبادرة".. وعن شروط المبادرة التي قالت التسريبات بأنها في حدود 22 شرطاً سوف يقوم أمين الجامعة العربية بتسليمها إلى دمشق كـ (شروط حصرية) لمعالجة واحتواء ملف الاحتجاجات السياسية السورية.
تم إبلاغ أمين عام الجامعة العربية، بقرار سوريا بتعليق زيارته إلى موعد يحدد لاحقاً.. ولكن، وبعد حوالي يومين، تم تحديد بعد غد السبت كموعد لحضوره لسوريا، وذلك بدون أي تفاصيل أخرى إضافية.
•    جدول أعمال أمين الجامعة العربية إزاء سوريا: إشكالية تضارب الخيارات
تشير كل معطيات العلاقات الدولية، وعلم السياسة الخارجية، إلى وجود نوعين من السياسات التدخلية، هما: التدخلات الواقعية، وتنقسم إلى تدخلات علاجية ووقائية، وتدخلات مثالية تنقسم إلى علاجية ووقائية، وفي هذا الخصوص ينقسم محتوى كل أنواع هذه التدخلات، إلى محايدة أو سلبية عدوانية أو إيجابية داعمة.. ولكن، ما تحدثت عنه التسريبات والتقارير أشار إلى وجود أداء سلوكي دبلوماسي عربي أخذ طابعاً يتميز بالمزيد من الشكوك واللايقين إزاء ملف الحدث الاحتجاجي السوري وفي هذا الخصوص تبرز الوقائع الحرجة الآتية:
-    القيام بمجهود التدخل لحل النزاعات والصراعات يتطلب الحصول على موافقة الأطراف، فهل تقدمت أمانة الجامعة العربية بطلب إلى دمشق، وإذا تقدمت بمثل هذا الطلب فهل حصلت على موافقة دمشق ؟
-    توجد العديد من سيناريوهات التدخل لجهة القيام بحل النزاعات والصراعات منها على سبيل المثال لا الحصر: دور الوسيط الذي يقوم بنقل الرسائل بين الطرفين- دور الذي يقوم بتسهيل لقاء الطرفين وإتاحة الفرصة لهما لتبادل وجهات النظر والنقاش دون أن يتدخل – دور الذي يقوم بجمع الطرفين على الطاولة وإدارة العملية التفاوضية – دور الرادع الذي يلزم الطرفين بإجراء التفاوض وصولاً إلى الحل أو مواجهة العقوبات إذا لم يقدما بذلك.. وتقول المعطيات بوجود أكثر من 25 دوراً يمكن أن يقوم بها من يحاول أو يسعى للتدخل وحل النزاعات والصراعات، وتأسيساً على ذلك، هل سعت أمانة الجامعة العربية إلى تحديد الدور الذي سوف يقوم بها أمينها العام نبيل العربي في سورية.. وهل أخطرت دمشق بهذا الدور.. وإذا كانت قد أخطرت هل وافقت على ذلك؟ 
-    عندما يحصل الراغب بالتدخل لحل النزاع والصراع على موافقة الأطراف على القيام بالعملية ضمن الدور التدخلي المحدد، فإنه بالضرورة يقوم ببناء ملف يتضمن: المعلومات، وخارطة الطريق الافتراضية التي توصل في نهاية الأمر إلى الهدف المطلوب وهو: توافق الأطراف على التسوية والحل.. وفي هذا الخصوص، هل قام (العربي) ببناء مثل هذا الملف – إذا افترضنا أنه حصل على موافقة الأطراف وحدد الدور الذي سوف يقوم به - وهل قام حقيقة بجمع المعلومات، والتي يفترض أن تكون قد تمت ضمن عملية تجميعية تتسم بالمصداقية والنزاهة والشفافية، وذلك عن طريق القيام بمقابلة التفقد الميداني، ومقابلة أطراف الصراع  والنزاع مع الإنصات الفعال وحسن الاستماع لما يقوله كل طرف.. فهل يا ترى قام (العربي) بذلك أم أنه اكتفى بمقابلة طرف واحد دون الآخر؟
-    بسبب الاختلالات وهياكل النظام الدولي غير المتكافئة، فقد أصبحت بيئة  النزاعات والصراعات تنطوي على قدر كبير من وجود فعاليات الأطراف الثالثة الساعية لجهة إدارة الصراع بما ينسجم مع مصالحها. وتأسيساً على ذلك، فقد ظلت الأطراف المحايدة التي تسعى لحل الصراعات والنزاعات، تواجه قدراً كبيراً من الضغوط بواسطة الأطراف الثالثة، وبالتأكيد، يعرف الجميع بأن الحدث الاجتماعي السوري ينطوي على قدر كبير من تدخلات الأطراف الثالثة.. فهل يا ترى تعرض أمين عام الجامعة العربية لضغوط الأطراف الثالثة.. وإذا كانت هذه الضغوط معروفة سلفاً لجهة من هم الذين قاموا بها.. وماذا طلبوا من (العربي).. فما هو يا ترى موقف أمين عام الجامعة العربية وما هي ردود أفعاله إزاء هذه الضغوط؟
سوف يأتي أمين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي إلى دمشق يوم السبت 10 أيلول، وسوف يعقد لقاءاته مع كبار المسئولين، وبعدها سيكون واضحاً للجميع الإجابة الشافية على التساؤلات الحائرة والتي أصبحت الكثير من إجاباتها "شبه معلنة" على شاشات بعض الفضائيات العربية، وهي أسئلة من نوع: ما هي رهانات أمين عام الجامعة العربية إزاء مقاربة ملف الحدث الاحتجاجي السياسي السوري الداخلي المحدود المتقطع!؟ فهل سيسعى الأمين العام لجهة مقاربة الحدث ضمن نموذج حل يتسم بالمصداقية والمهنية العالية، أم أنه سوف يسعى لمقاربة الحدث ضمن نموذج عمرو موسى، والذي يتضمن خليطاً من مقاربة المحافظين الجدد الأمريكية ومقاربة المحافظين الجدد الشرق أوسطين الذين أطل بعضهم برأسه مؤخراً ضمن نوافذ مثلث أنقرة- الرياض- الدوحة، بينما بعضهم الآخر فضل الإطلالة من "وراء حجاب"..

الجمل: قسم الدراسات والترجمة