ماذا وراء زيارة الرئيس أوباما المرتقبة لتركيا؟
الجمل: شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام الماضية تحركاً دبلوماسياً أمريكياً واسعاً، وإضافة إلى دمشق وتل أبيب، فقد كان اللافت للنظر أن أنقرة قد برزت هذه المرة "كلاعب جديد" ضمن المسرح الدبلوماسي الشرق أوسطي، الذي يضم العديد من "اللاعبين المحترفين القدامى"، وعلى وجه الخصوص دمشق، وتل أبيب.
• الدور التركي الجديد في المنطقة: أبرز التساؤلات؟
خلال فترة إدارة بوش الجمهورية السابقة، زار الرئيس الأمريكي جورج بوش تركيا، وزارتها أيضاً وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس، مراراً وتكراراً، وكان واضحاً أن أنقرة أصبحت أكثر رفضاً لتوجيهات سياسة إدارة بوش الشرق أوسطية.. والآن، خلال بدء إدارة أوباما الديمقراطية، فقد زارت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أنقرة، وتقول المعلومات والتسريبات بأن الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما سوف يقوم بنفسه بزيارة تركيا خلال شهر من الآن.
التحركات الدبلوماسية الأمريكية المكثفة إزاء أنقرة، تطرح العديد من التساؤلات، والتي في مقدمتها: لماذا التحركات الدبلوماسية الأمريكية المكثفة إزاء أنقرة، هل الهدف هو الحفاظ على الروابط مع أنقرة، أم دفع أنقرة للقيام بدور أكبر في المنطقة، وما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به أنقرة في تقديم الحلول لمشاكل وأزمات الشرق الأوسط العالقة بسبب التعنت الإسرائيلي.. فهل المطلوب أن تقوم أنقرة بالضغط على الآخرين لجهة الاستجابة والرضوخ للتعنت الإسرائيلي، أم المطلوب أن تقوم بالضغط على تل أبيب، طالما أن البيت الأبيض الأمريكي عاجز عن القيام بذلك، وهل فعلاً تملك أنقرة القدرات الحقيقية لجهة الضغط على تل أبيب؟ وهل يا ترى الهدف هو إبعاد أنقرة عن ملفات الشرق الأوسط، بحيث تتفرغ أنقرة للقيام بدور الحليف –الشريك- لواشنطن في ملفات القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان والبلقان، وتتخلى عن الملفات الشرق أوسطية وتحديداً الملف السوري والملف الفلسطيني، بما يؤمن لواشنطن عدم نشوء أي خلافات تركية- إسرائيلية تؤدي إلى توتير العلاقات الأمريكية- التركية.
• ماذا تقول المعلومات والتسريبات؟
ظهرت التقارير والمعلومات حول زيارة الرئيس أوباما لتركيا فجأة، وبدون أي مقدمات، وبرغم شح المعلومات، فإن ما هو متوافر الآن، يمكن الإشارة إليه ضمن النقاط الآتية:
- أفادت الوزيرة هيلاري كلينتون، يوم أمس السبت خلال وجودها في العاصمة التركية أنقرة بأن زيارة الرئيس الأمريكي أوباما لتركيا، قد تم اتخاذ قرارها أول أمس الجمعة في العاصمة الأمريكية واشنطن.
- أكدت الوزيرة كلينتون خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيرها التركي علي باباجان، بأن زيارة أوباما لتركيا، لم يحدد تاريخها بعد، وإن كان قد تم التخطيط لها.
- نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تسريبات أحد كبار المسئولين في الإدارة الأمريكية، حول زيارة أوباما لتركيا، قال فيه بأنها تمثل فرصة هامة لزيارة تركيا البلد الحليف في الناتو، وستتضمن مناقشة التحديات المشتركة، وستمثل فرصة لمواصلة الحوار والتفاهم الرئاسي مع العالم الإسلامي.
هذا وعلى خلفية هذه المعلومات والتسريبات، يمكن الإشارة للآتي:
- زيارة الرئيس أوباما كانت مطروحة بشكل غير معلن، وكان قرارها متوقفاً على نتائج زيارة الوزيرة كلينتون لأنقرة، وعلى ما يبدو فإن كلينتون بعد استطلاع المسرح الدبلوماسي في أنقرة قد أعطت الضوء الأخضر للبيت الأبيض للقيام بتخطيط وبرمجة الزيارة.
- إن قرار زيارة أوباما لأنقرة، كان مرتبطاً بالتنسيق مع تل أبيب، والتي زارتها الوزيرة كلينتون، وعقدت لقاءات مع الزعماء الإسرائيليين، وعلى وجه الخصوص الزعيم الليكودي بنيامين نتياهو المكلف بتشكيل الوزارة الائتلافية الجديدة.
- يوجد ارتباط بين زيارة أوباما لتركيا، والمشاورات التي شهدتها دمشق مع مبعوث البيت الأبيض الخاص شابيرو، ومبعوث الخارجية الأمريكية فيلتمان.. وقد اتضح هذا الارتباط من خلال تصريحات الوزيرة كلينتون في أنقرة بالأمس، والتي أكدت فيها عن تقدير الولايات المتحدة لمحادثات السلام السورية- الإسرائيلية غير المباشرة، التي تمت برعاية تركية، وما كان لافتاً للنظر تصريح وزير الخارجية التركي علي باباجان، الذي قال فيه بأنه متى ما أصبح الموقف مواتياً ستواصل سورية وإسرائيل المحادثات، وبأن تركيا ستكون مستعدة وجاهزة لتقديم الدعم اللازم.
- يوجد ارتباط بين زيارة أوباما وملف العراق، وقد لمحت الوزيرة كلينتون، إلى أن واشنطن ستجري محادثات وثيقة مع تركيا باعتبارها حليفة في الناتو، حول مستقبل العراق، والانسحاب الأمريكي من العراق.
وعلى هذه الخلفية، يمكن ملاحظة أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتركيا، ستكون هامة بكل المقاييس، سواء بالنسبة لمستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، أو إزاء مستقبل توجهات السياسة الخارجية التركية، والعلاقات الأمريكية- التركية، والعلاقات التركية- الإسرائيلية، وأيضاً العلاقات السورية- التركية.
• ماذا تقول السطور الخلفية لزيارة أوباما؟
ينظر مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى تركيا، باعتبارها تمثل نقطة المركز في "بيت العنكبوت" الجيو-سياسي، الذي تحاول الإستراتيجية الأمريكية في فترة ما بعد الحرب الباردة، البناء والتأسيس عليه لجهة السيطرة على الأقاليم الجيو- سياسية الفرعية ضمن إقليم جيو- سياسي موحد، أطلق عليه الخبراء الأمريكيين تسمية الشرق الأوسط الكبير.
تملكت فكرة الشرق الأوسط الكبير (الذي تندمج ضمنه إسرائيل) في أذهان كافة الخبراء الأمريكيين، ولم يقف الأمر عند حدود المفهوم، وإنما تخطى ذلك متحولاً إلى مذهبية سياسية- دبلوماسية- عسكرية- أمنية شاملة، ألقت بتداعياتها حتى على أسلوب عمل وطريقة تنظيم الأجهزة الأمريكية المعنية بشؤون السياسة الخارجية الأمريكية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان في الكونغرس الأمريكي لجان فرعية خاصة بمنطقة القوقاز، وأخرى خاصة بآسيا الوسطى، وأخرى خاصة بالشرق الأوسط، لكن تحت تأثير مذهبية الشرق الأوسط الجديد، تم تجميع هذه اللجان بلجنة واحدة، تحمل اسم لجنة الشرق الأوسط والأدنى.
ترتبط تركيا بالأقاليم الفرعية الآتية:
- شرق المتوسط من ناحية الجنوب.
- إيران من ناحية الجنوب الشرقي.
- القوقاز من ناحية الشمال
- آسيا الوسطى من ناحية الشرق
- البلقان من ناحية الشمال الغربي
- البحر الأبيض المتوسط الغرب والجنوب
- البحر الأسود من ناحية الشمال.
ونلاحظ أن للإدارة الأمريكية ملفا شديد التعقيد في كل واحدة من هذه المناطق، وبالتالي فإن تركيا، بالنسبة للإدارة الأمريكية، هي الأكثر صلاحية من كل النواحي، لجهة الاستخدام الأمريكي، بحيث تقوم أنقرة بدور "كابينة القيادة" للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة.
نتوقع أن تغطي تفاهمات واشنطن- أنقرة القادمة، عند زيارة الرئيس أوباما لتركيا جدول الأعمال التالي:
- المحادثات غير المباشرة السورية- الإسرائيلية، بما يتضمن الضغط الأمريكي على أنقرة لكي تحاول الضغط والتأثير على دمشق.
- العلاقات التركية- الإسرائيلية، بما يتضمن الضغط على أنقرة من أجل تفادي توتير العلاقات مع إسرائيل.
- العلاقات التركية- الروسية، بما يتضمن حث أنقرة على ضرورة عدم التمادي في بناء الروابط مع موسكو، وربط أي تطور محتمل في العلاقات الروسية- التركية، بالتفاهم المسبق مع واشنطن.
- ملف العراق: حث أنقرة على تقديم الدعم لجهة مساعدة الوجود الأمريكي في العراق، إضافة إلى تقليل استهداف الحركات الكردية، وتجدر الإشارة إلى أن خط أنقرة- بغداد قد شهد خلال الأيام الماضية المزيد من التفاهمات والحراك الدبلوماسي، الذي يشير إلى أن المسرح التركي- العراقي، سوف يشهد عملية تمهيد واسعة استعداداً لدور تركي مرتقب في العراق، وإضافة لذلك، تقول التسريبات الأمريكية، بأن تركيا ستتولى القيام ببعض مهام إعادة بناء قوات الأمن العراقية.
- الملف الإيراني: سيتضمن الضغط الأمريكي على أنقرة لكي تقبل الالتزام بتنفيذ برامج العقوبات الدولية المتعددة الأطراف ضد إيران، وتجدر الإشارة إلى أن الجهود الأمريكية ستتركز على إجهاض الاتفاق الإيراني- التركي الأخير، والذي وصفه المراقبون بأنه سوف يتيح لإيران الالتفاف والإفلات من أي عقوبات متوقعة.
وعموماً، فإن تداعيات زيارة الرئيس أوباما لأنقرة، سوف تلقي بظلالها ليس على الأوضاع الإقليمية التركية فحسب، وإنما على العلاقات التركية- الأوروبية، وذلك لأن واشنطن، ستمارس الضغوط على أنقرة لكي تمتنع عن معارضة استعادة فرنسا لموقعها في قيادة حلف الناتو العسكري، وإضافة لذلك سوف تلقي بتداعياتها على الساحة السياسية التركية الداخلية، بحيث سيكون الخيار صعباً أمام حكومة حزب العدالة والتنمية، وبكلمات أخرى، سوف لن تستطيع أنقرة إدماج نفسها ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية على غرار نموذج أنقرة أيام تورغوت أوزال و سليمان ديميريل وذلك لأن الرأي العام التركي سيصطدم مع الحكومة، وما هو واضح أن حكومة حزب العدالة والتنمية تدرك حالياً وتفهم تماماً، أن خيار الصدام على خط أنقرة- واشنطن، والاصطدام على خط أنقرة- تل أبيب، هو أفضل للحكومة التركية من الصدام مع الرأي العام التركي.. وبالتالي، علينا أن نتوقع أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لن تستطيع أن تدفع أنقرة إلى تقديم التنازلات الكبيرة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد