مثلث بيروت – بغداد – أنقرة للعمليات السرية وأهدافها
الجمل: خلال الأربعة أعوام الماضية تم تنفيذ الكثير من العمليات السرية داخل لبنان والعراق وكانت جميعها عمليات تقوم بالتخطيط لها وتنفذها أطراف معينة لجهة استغلال تداعياتها في إلقاء اللوم على أطراف أخرى مستهدفة، وعلى وجه الخصوص الخصوم السياسيين، والمفاجأة هذه المرة تتمثل في أن خط بيروت – بغداد للعمليات السرية قد تحول ليصبح مثلث بيروت – بغداد – أنقرة، بعد اكتشاف السلطات التركية لجماعة كانت تخطط لتنفيذ بعض العمليات السرية وتحميل مسؤوليتها للأطراف "الأخرى" تماماً على غرار سيناريو النماذج اللبنانية والعراقية.
* توصيف الوقائع الجديدة:
تم في الأسبوع الماضي في تركيا اعتقال عناصر مجموعة تنتمي إلى إحدى الجماعات القومية التركية المتطرفة، وأشارت التحقيقات إلى وجود عناصر وامتدادات لهذه المجموعة داخل جهاز المخابرات التركية، وهدف هذه العناصر هو القيام بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات من أجل إحداث الفوضى والاضطرابات السياسية الداخلية في تركيا، وتقول المعلومات أيضاً بأن سلسلة التفجيرات والاغتيالات التي سيتم القيام بها في تركيا سوف يتم تحميل مسؤوليتها للحركات الإسلامية. وفي يوم 28 كانون الثاني 2008م وجهت السلطات التركية الاتهامات رسمياً لـ13 عنصراً من المنتمين إلى هذه الجماعة ومن أبرز المتهمين:
• الجنرال التركي المتقاعد فيلي كوسوك.
• المحامي كمال كيرينشير.
• الإعلامي سامي حوستان.
قائمة الاستهداف بعمليات الاغتيال كانت تتضمن:
• الحائز على جائزة نوبل أورهان باموك.
• الصحفي فهمي كوريو.
• السياسية الكردية ليلى زانا.
• السياسي الكردي أحمد ترك.
* ماذا تقول معطيات نظرية المؤامرة الجديدة في تركيا:
استخدام الجماعات السرية في تنفيذ العمليات السرية داخل تركيا يعود إلى حقبة خمسينات القرن الماضي، عندما قامت بعض "الأيادي الخفية" بتنفيذ بعض العمليات التي تم استخدامها من أجل تلفيق الاتهامات ضد المعارضين لانخراط تركيا في مسار الخيارات الرأسمالية الغربية وتحويلها إلى قاعدة للحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي. وخلال فترة حكم الجنرالات مطلع حقبة ثمانينات القرن الماضي أيضاً تم استخدام الجماعات السرية لتنفيذ عمليات سرية بقصد إلصاق التهم برموز المجتمع المدني الكردي. أما الآن، يسيطر حزب العدالة والتنمية على الرئاسة والبرلمان ومجلس الوزراء، وتشير الوقائع الميدانية الجارية إلى أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي ينخرط حالياً في عملية تعديل الدستور التركي وإضافة بعض البنود الدستورية، الأمر الذي اعتبره العلمانيون الأتراك بمثابة تهديد صارخ لتوجهات تركيا العلمانية.
العمليات السرية التي سوف تتضمن سلسلة من التفجيرات والاغتيالات وما يترتب عليها من تلفيق للتهم تهدف بشكل أساسي إلى الآتي:
• إثارة الشكوك حول مصداقية حزب العدالة والتنمية في حماية الحقوق الديمقراطية.
• زرع الخلافات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية التركية.
• إشعال الصراع بين السلطات الحكومية والمنظمات المدنية التركية.
• إشعال فتيل الحرب النفسية الإعلامية ضد الإسلاميين في الشارع التركي.
• تعريض الحكومة التركية الحالية للمزيد من الضغوط بحيث تتخلى عن مخططاتها في التعامل مع أمريكا في مشروع الحرب المفتوحة ضد الإرهاب.
• إثارة غضب الأكراد غير المؤيدين لحزب العمال الكردستاني والموجودين داخل تركيا.
• قطع الطريق أمام محاولات الحوار والتفاهم بين حكومة حزب العدالة والتنمية والأكراد الأتراك.
• إعطاء المؤسسة العسكرية والأمنية التركية المبررات والذرائع للضغط على الحكومة ومطالبتها بتفعيل اتفاقيات التعاون العسكري والأمني التي وقعتها الحكومات التركية السابقة مع إسرائيل وأمريكا.
• دفع الحكومة التركية باتجاه مطالبة حلف الناتو واستدعائه للقيام بدور أكبر في تركيا والمنطقة.
• التمهيد للقطيعة التامة بين تركيا وسوريا وإيران وغيرها من العواصم الشرق أوسطية والعربية المعارضة للمشروع الأمريكي.
حتى الآن، برغم أن السلطات التركية ما تزال إلى حد ما ملتزمة بالتعاون مع أمريكا في أجندة الحرب ضد الإرهاب، فإن الرأي العام التركي أصبح في الآونة الأخيرة أكثر تشككاً في مصداقية مشروع الحرب الأمريكية ضد الإرهاب. وتقول المعلومات بأن الرأي العام التركي أصبح ينظر بالكثير من الريبة والشكوك إزاء التقارير التي تفيد بأن تنظيم القاعدة قد نفذ أو ينوي تنفيذ بعض العمليات في تركيا، وتعود شكوك الرأي العام التركي إلى واقعتين:
• نشر الصحف الإسرائيلية (يديعوت أحرونوت في 31 كانون الأول 2007م) لخبر يقول بأن المخابرات الإسرائيلية قد حذرت من احتمالات حدوث هجمات ضد المنشآت الإسرائيلية الموجودة في تركيا.
• اعتقال السلطات التركية لـ19 عنصراُ بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة ثم تبين لاحقاً عدم صحة ذلك.
شكوك الرأي العام التركي تركز على فرضية أن الإسرائيليين نفسهم هم الذين ينوون ويخططون للقيام بعمليات سرية باسم تنظيم القاعدة في تركيا، وذلك من أجل الإضرار بتوجهات حزب العدالة والتنمية الإسلامي الهادفة إلى إدماج تركيا ضمن بيئيتها الشرق أوسطية والإسلامية التاريخية. إن استهداف الإسلاميين الأتراك ينطوي على عدة جوانب من أبرزها تزايد مخاوف الأمريكيين من تسلل العناصر التركية الإسلامية للقتال إلى جانب حركات المقاومة العراقية على النحو الذي سيكسب هذه العناصر الخبرة الميدانية والتي لاحقاً، عندما تعود إلى تركيا، سوف لن تتردد في استخدام هذه الخبرة من أجل استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في تركيا.
أما بالنسبة لمخاوف الرأي العام التركي فهو برغم تأييده لتوجهات حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدلة فإنه يرفض التشدد الإسلامي وذلك لأنه سوف يؤدي إلى الإطاحة بكل آمال الأتراك بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. بكلمات أخرى، فإن وجود ملف إسلامي مرتفع الشدة داخل تركيا سوف يقدم المزيد من الذرائع لساركوزي وميركل وغلاة القوميين الأوروبيين المعارضين لضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد