مذهبية الدبلوماسية البريطانية الجديدة تجاه سوريا

24-12-2008

مذهبية الدبلوماسية البريطانية الجديدة تجاه سوريا

الجمل: طوال عقود الصراع العربي – الإسرائيلي ظلت بريطانيا أكثر بروداً في إظهار مواقفها الداعمة لإسرائيل وذلك برغم أن الجميع يفهم ويدرك تماماً أن دبلوماسية لندن تعمل في العلن إلى التظاهر بالتعامل من منطلق الحياد مع أطراف الصراع ومن جهة الخفاء باتجاه تعزيز الموقف الإسرائيلي.
* سردية لندن في إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي:
تزايد فعالية دور لندن في إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي بدأت خلال الخمسة أعوام الماضية تأخذ طابعاً مكشوفاً ومن أبرز الخطوط العامة الدالة على ذلك:
• تورط لندن في الوقوف إلى جانب العقوبات الأمريكية التي فرضتها واشنطن على سوريا وبقية الأطراف المعارضة لإسرائيل في المنطقة.
• انخرط الزعيم البريطاني طوني بلير (رئيس الوزراء السابق) في فعاليات عملية سلام الشرق الأوسط بتوليه مهمة مبعوث اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط.
• زيارات وجولات بعض المسؤولين والدبلوماسيين والمبعوثين الخاصين البريطانيين للمنطقة.
ارتبطت دبلوماسية بريطانيا بأمريكا ضمن مسارين، الأول علاقات عبر الأطلنطي التقليدية بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والثاني ضمن العلاقات الخاصة (والخاصة جداً) التي تربط طرفي خط دبلوماسية واشنطن – لندن، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الارتباط المزدوج قد أثر بشكل مزدوج أيضاً:
• ظلت لندن تضغط على دول الاتحاد الأوروبي من أجل وقوف دول الاتحاد إلى جانب إسرائيل.
• ظلت لندن تتبنى الجهود الدبلوماسية التي في جانب منها تهدف إلى إضعاف خصوم إسرائيل تاركة لواشنطن من الجهة الأخرى مهمة تقوية إسرائيل.
محاولة لندن الهادفة إلى "التغطية" على روابطها الوثيقة مع إسرائيل تهدف إلى تحقيق العديد من الأهداف التي من أبرزها محاولة الحفاظ على علاقات لندن ومصالحها مع مختلف الأطراف العربية خشية التعرض للمقاطعة الاقتصادية العربية وغيرها، وأيضاً تهدف إلى تضليل الرأي العام البريطاني الذي ظل يوجه الكثير من الانتقادات لمواقف حكوماته الموالية لواشنطن وتوجهاتها إزاء ملفات وقضايا الصراع العربي – الإسرائيلي.
* زيارة وزير الخارجية البريطاني ميلباند إلى دمشق:
تقول المعلومات والتقارير البريطانية أن زيارة ميلباند إلى دمشق هي الأولى من نوعها  لعضو في مجلس الوزراء البريطاني منذ العام 2001م عندما قام طوني بلير رئيس الوزراء آنئذٍ بزيارة المنطقة، ويقول الخبراء والمحللون البريطانيون المعنيون بشؤون الشرق الأوسط والصراع العربي – الإسرائيلي أن الهدف –غير المعلن- لزيارة بلير في 2001م تمثلت في محاولة استخدام تداعيات الزيارة لجهة التسويق لبريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي باتجاه أن سوريا تتمسك بموقفها المتشدد في المنطقة بما يؤدي إلى تعزيز مشاعر الخوف والقلق في الأوساط الأوروبية والغربية أكثر فأكثر إزاء سوريا، وبكلمات أخرى فقد كانت زيارة بلير محاولة لتمهيد المسرح الدبلوماسي الأوروبي والدولي بما يفسح المجال لجولات استهداف سوريا التي ظلت تقوم بها واشنطن على خلفية حملات اللوبي الإسرائيلي. الإدراك البريطاني كما ورد في التحليلات البريطانية لزيارة ميلباند إلى دمشق تضمنت الخطوط العامة الآتية:
• إن زيارة ميلباند تأتي ضمن سلسلة الوقائع والأحداث المتقطعة التي جرت خلال الأشهر الماضية التي أبرزت بوضوح أن دبلوماسية دمشق استطاعت أن تفلت من مخطط العزلة الذي حاولت دبلوماسية واشنطن – تل أبيب فرضه على سوريا.
• إن الملفات من نوع اغتيال الحريري لم تعد تصلح للاستخدام في تنفيذ مخطط عزل دمشق.
• قامت باريس بتفعيل خط دبلوماسية باريس – دمشق واتخذت المزيد من الخطوات المتقدمة وبالتالي ليس من مصلحة لندن الاستمرار في موقفها السابق إزاء دمشق لأنه سيؤدي ليس إلى تعزيز موقف فرنسا في الشرق الأوسط وحسب، وإنما إلى عزل بريطانيا عن الشرق الأوسط.
على هذه الخلفية فإن محاولات لندن لإحياء الدبلوماسية على خط لندن – دمشق لم تنحصر فقط في زيارة وزير الخارجية البريطاني وإنما شملت زيارات مسؤولين سوريين إلى لندن، وفي هذا الخصوص جاءت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى لندن إضافة إلى قيام سايمون ماكدونالد مستشار رئيس الوزراء البريطاني لشؤون الشرق الأوسط بزيارة دمشق وعقد اللقاءات مع القيادة السورية.
هذا، وتقول التسريبات البريطانية بأن أبرز محفزات التحول الجديد في الموقف الدبلوماسي البريطاني إزاء سوريا تمثلت في قيام خبراء السياسة الخارجية والدبلوماسية البريطانيين برفع توصيات للمسؤولين البريطانيين تطالب بضرورة تفعيل دبلوماسية خط لندن – دمشق  طالما أن سوريا قد التزمت بتنفيذ الآتي:
• تشديد الرقابة على الحدود السورية – العراقية.
• إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع لبنان.
تفيد المعلومات والتسريبات بأن توصيات هؤلاء الخبراء ركزت على أن دمشق بعدما قامت بهاتين الخطوتين يجب النظر إليهما باعتبارهما يمثلان مؤشراً على أن الموقف السوري سيشهد الكثير من التبدلات والتغيرات الجديدة.
* مذهبية الدبلوماسية البريطانية الجديدة إزاء سوريا؟
أشارت بعض التحليلات إلى أن دبلوماسية لندن الجديدة إزاء دمشق هي جزء من عملية دبلوماسية غربية "أورو-أمريكية" أكبر تهدف إلى دفع دمشق باتجاه الابتعاد عن روابطها مع إيران. وتقول التسريبات البريطانية كذلك أن الرئيس الأمريكي الديمقراطي المنتخب باراك أوباما من المحتمل جداً أن يقوم بتحركات دبلوماسية جديدة في المنطقة وسيحاول من خلال هذه التحركات معالجة بعض القضايا ذات الأهمية في جدول أعمال السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية التي سيكون في مقدمتها:
• ملف البرنامج النووي الإيراني.
• ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
إضافة لذلك فإن الأوساط الدبلوماسية البريطانية تتوقع قيام الرئيس أوباما بزيارة دمشق ولكن من أجل "استطلاع واختبار المياه"، وقد أشار أحد التحليلات البريطانية إلى أن المطلوب سيكون فحص مدى استعداد دمشق للقيام بـ"مقايضة الصفقة الكبرى" في المنطقة بما يفيد لجهة تخليها عن طهران وتحولها إلى حليف للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
* اللوبي الإسرائيلي البريطاني: أبرز ردود الأفعال:
نشر موقع بيكوم الإلكتروني البريطاني المرتبط بجماعات اللوبي الإسرائيلي البريطانية بعض التحليلات التي تطرقت إلى ملف دبلوماسية خط لندن – دمشق، ويشير تفحص هذه التحليلات إلى أن جماعات اللوبي الإسرائيلي البريطانية ما تزال تحاول التشكيك في مدى جدية ومصداقية دبلوماسية دمشق ومن أبرز النقاط المحورية التي حاولت تحليلات اللوبي الإسرائيلي البريطاني التسويق لها تبرز أمامنا النقاط الآتية:
• إن تفاؤل الدبلوماسية البريطانية بإمكانية أن تصبح سوريا بلداً حليفاُ للغرب هو تفاؤل في غير مكانه.
• ستعمل دمشق من أجل الحفاظ على دبلوماسية الأبواب المفتوحة مع كل الأطراف.
• إن السلام مع سوريا هو ملف أساس بالنسبة للإسرائيليين وتدرك تل أبيب أن سوريا جادة في السلام ولكن تل أبيب لا تدرك مدى جدية دمشق في التخلي عن طهران.
• مقايضة "الصفقة الكبرى" من الصعب القيام بها بسبب العوائق الكثيرة في المنطقة من جراء تعدد الأطراف وتقاطع المصالح والأدوار.
هذا، ونلاحظ أن تحليلات اللوبي الإسرائيلي البريطاني لم تتضمن أي إشارة لا من بعيد ولا من قريب إلى المواقف الإسرائيلية المتقلبة، وغير المحددة في معظم الأحيان إزاء ملف عملية السلام لا مع سوريا ولا مع الفلسطينيين ولا حتى اللبنانيين، وعلى سبيل المثال لا الحصر لا توجد إشارة إلى الموقف الإسرائيلي الذي يحاول التمسك بصيغة الحصول في وقت واحد على الجولان والسلام مع سوريا!!

 

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...