مكاتب سياحة وسفر تحتال على السوريين بعقود مزورة و3 آلاف دولار للعقد الواحد!
مع ارتفاع أعداد السوريين الراغبين بالسفر إلى الخارج والباحثين عن فرصة عمل إن كان في دول الجوار أم في دول أخرى، ارتفع عدد مكاتب التوظيف الوهمية ووسطاء العمل المحتالين، حيث وقع الكثير من السوريين ضحايا النصب والاحتيال بتوقيع عقود عمل وهمية خارج سورية ودفع مبالغ كبيرة للسفر إلى تلك الدول، بعد أن يبيعوا ما يملكون لتأمين هذه المبالغ ويبقوا بانتظار موعد السفر والبداية الجديدة في حياة وعمل يحلمون بهما.
إحدى حالات النصب تعرض لها 7 أطباء سوريين سعوا لإيجاد فرصة عمل في إحدى دول الجوار بعد أن حصلوا على عقود للعمل من خلال أحد مكاتب السياحة والسفر، وقاموا ببيع كل ما يملكون لتأمين المبلغ المطلوب كمستحقات للمكتب والوسيط الذي أمن العقود وأجور رحلة السفر.
ويروي أحد الأطباء تفاصيل حادثة النصب بأنه تقدم إلى أحد مكاتب السياحة والسفر الذي عرض فرصة عمل في إحدى مشافي أربيل بالعراق وكان عقد العمل نظامياً كما يبدو، وكان هناك 6 أطباء آخرين وقعوا عقد العمل، وتم حجز رحلة لهم جميعاً إلى تركيا عبر مرفأ طرطوس على متن باخرة سياحية، وتم الالتقاء مع الوسيط الذي لديه عقود العمل، وقام بإصدار فيز نظامية لهم إلى أربيل وكانت خطة السفر تقوم على الوصول إلى تركيا عبر باخرة سياحية ومن هناك يتم الحجز بالطائرة للوصول جواً إلى أربيل، على أن لا ندفع أي مبلغ إلا عندما نستلم حجز الباخرة السياحية إلى تركيا، وفعلاً وصلنا إلى مرفأ طرطوس والتقينا بالوسيط الذي قبض منا ثمن العملية مبلغ 3 آلاف دولار على كل شخص، وأعطانا عقود العمل وحجوزات الباخرة، وتحجج بأنه سيتوجه لإتمام بعض الأوراق واختفى ولم نجده وكان علينا التأكد أنه يوجد لنا حجز من تركيا جواَ إلى أربيل وعند اتصالنا بمكتب السياحة والسفر أخبرنا بأن الوسيط تكفل بالسفر معهم إلى تركيا لإتمام عملية الحجز، ولكن الوسيط قد اختفى وهكذا تعرضنا لعملية نصب أولى بعدم التأكد من حجز السفر من تركيا إلى أربيل، وثم اكتشفنا أن عملية النصب كانت أكبر من ذلك حيث إن عقود التوظيف في المشفى بأربيل لم تكن حقيقية وإنما مزورة، أي إن كل طبيب دفع مبلغ 3 آلاف دولار ثمن تذكرة رحلة سياحية إلى تركيا فقط.
بلغة القانون
بالسؤال حول عمليات النصب والاحتيال من هذا النوع بينّ محامي عام دمشق زياد الحليبي بأن دعاوى الاحتيال كثيرة ويومية ولكن دعاوى التهريب تندرج ضمن بند الاتجار بالأشخاص، وهذا النوع من العمليات هو علمية نصب واحتيال من خلال إيهام الضحية بأنه يقوم بشكل جدي بترتيب عقد عمل له في حين ينكشف في النهاية أن هذا العمل كان وهمياً ومزوراً وباقي إجراءات السفر تكون صحيحة لإيهام الضحية بأنه سيسافر بشكل فعلي.
وأوضح بأنه للمتضرر الادعاء على الوسيط والمكتب وكون الجرم تم ضمن الأراضي السورية والمدعى عليه سوري فإن المحاكم السورية هي المختصة في النظر بهذا الجرم حيث غرر المحتال بالضحية وأوهمه بأنه أمن عقد عمل له وحصل على المال بطريقة احتيالية.
مشيراً إلى أن هذه الحالات زادت خلال الأزمة ولكن إحصاءها غير ممكن بشكل دقيق لأن هناك عدّة جهات معنية بهذا النوع من الدعاوى ولكن إن كانت عملية الاحتيال عملية مركبة يتم إحالة المدعى عليه إلى الأمن الجنائي للتحقيق بالموضوع وللمدعي أن يختار طريقة الادعاء إما بادعاء مباشر أمام المحكمة بجرم الاحتيال أو بشكوى إلى أقسام الشرطة أو إحالة شكوى للأمن الجنائي.
ويحق للضحية أن يدعي على المكتب الذي عرفه على الوسيط المحتال، مضيفاً بأن كل المكاتب التي تقوم بأعمال التوظيف من دون ترخيص فهي ترتكب جرم مزاولة مهنة من دون ترخيص إضافة إلى أنها أحد أركان جرم الاحتيال، وفي حالة كانت تعرضت للاحتيال أيضاً من الوسيط فيكون على المكتب أن يثبت أنه ليس شريكاً ووقع ضحية الاحتيال أيضاً حيث كان يجب على المكتب أن يتأكد من صحة العقود قبل إرسال المسافر المتعاقد والذي وقع ضحية لجرم الاحتيال من الوسيط، حيث إن الوسيط المحتال يستغل شهرة ومصداقية المكتب حيث يتقدم له بعقود عمل ليعرضها من خلاله على الراغبين بالعمل في الخارج.
لافتاً إلى أن المكتب يتعرض لعقوبات تبدأ من إغلاق المكتب ومحاسبة القائمين عليه والعاملين فيه وتشميعه بالشمع الأحمر إذا كان من دون ترخيص وإذا كان مرخصاً فهو يسأل عن كل التعويضات للضحية، كما أن هناك إمكانية لإلقاء القبض على الوسيط لأن عنوانه معلوم من المكتب، ويطالب بالمبالغ المدفوعة وبتعويض مادي ومعنوي ويحدده القاضي وفق ما تتضرر به معنوياً الشخص الضحية والحكم يكون للاحتيال من شهرين حتى السنتين حسب حجم الجرم ويعود تقريرها للقاضي.
وفي حال هربه إلى خارج البلد يكون الحكم غيابياً وتحجز أملاكه ويلاحق ويمكن أن يودع الحكم عن طريق الإنتربول في حال تم تحديد مكان إقامته.
من كواليس المكاتب
وبالبحث عن مكاتب التوظيف تبينّ أن القسم الأكبر منها يكون مرخصاً على أنه مكتب للسياحة والسفر أو مكتب تجاري، ويقوم بأعمال التواصل مع شركات ومكاتب عمل في دول تطلب العمالة السورية في مختلف صنوف العمل والمهن والحرف، وتقوم بتقديم عروض العمل عن طريق وسطاء ومعارف تتواصل معها أو عن طريق إعلانات على صفحات الفيسبوك، وفي أغلبية فرص العمل التي تطرحها تكون حقيقية ولكن المشكلة تكمن في تأمين الفيزا لتلك الدول وطريقة السفر إليها.
وأوضح أحد موظفي تلك المكاتب أن عقود العمل إلى دول الخليج توقفت بشكل كلي منذ بداية الأزمة ورغم وجود محاولات من بعض الشركات في الإمارات لاستقدام عمالة سورية إلا أن النتائج كانت ضعيفة، ومؤخراً فتح خط للتوظيف في سلطنة عمان ولكن لمهنة الطبيب وبرواتب ضعيفة وتتراوح بين 500 ريال عماني وألفي ريال عماني، وهناك فرص عمل للأطباء السوريين في العراق وخصوصاً في منطقة أربيل وتختلف الرواتب التي تدفع للطبيب بحسب الاختصاص والخبرة التي يملكها وتبدأ بأغلبها من ألف دولار وتصل في بعضها إلى 10 آلاف دولار شهرياً.
أما باقي الحرف والمهن المطلوبة فتتركز في عمال المطاعم وحرف المعجنات والشاورما والمخابر الطبية وفنيي الأشعة والتمريض ولكن برواتب ضعيفة نوعاً ما، وذلك كون جميع من يطلب عمالة سورية في الخارج يستغل ظروف البلد الأمنية وحاجة صاحبة المهنة للعمل والسفر.
«العمل» توضح
وحول عمل مكاتب التوظيف أكد مسؤول في وزارة العمل أنه ووفقاً للقوانين والأنظمة يجوز للوزير الترخيص لمكاتب خاصة للتشغيل كما يجوز له الترخيص لمكاتب خاصة لاستقدام واستخدام عمال الخدمة المنزلية من غير العرب السوريين أو استخدام عمال الخدمة المنزلية من العرب السوريين، موضحاً أن المقصود بالمكاتب الخاصة للتشغيل هي المكاتب التي تتولى تأمين متطلبات أصحاب العمل من العمال المسجلين لدى هذه المكاتب للتعاقد مع العمال مباشرة للقيام بأعمال محددة.
وأضاف المسؤول: إن القانون يعاقب كل من يقوم بفتح أو ممارسة أعمال مكتب تشغيل دون الحصول على ترخيص بغرامة لا تقل عن 200 ألف ليرة سورية ولا تزيد عن 500 ألف ليرة سورية، كما يحق للوزارة أن تأمر بإغلاق المكتب المخالف.
وعن الآلية التي تعمل بها الوزارة لضبط المخالفين بين المصدر أن مهام المفتشين على المنشآت بالدرجة الأولى بالتأكد من حصول العمال على حقوقهم من تسجيل بالتأمينات والحصول على التعويضات كالتعويض المعاشي وغيره من الأمور التي تتعلق برب العمل والعامل، وأن ضبط مخالفات لمكاتب تشغيل من دون ترخيص تتم بناء على شكوى من الجوار أو من خلال شكوى محالة من قبل جهة حكومية أخرى، مع إشارته إلى إحالة محافظة دمشق لمخالفة بحق أحد المكاتب إلى الوزارة بهذا الصدد، حيث تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.
مشيراً إلى صعوبة ضبط مثل هذه المخالفات دون وجود شكوى من الجوار أو من المتعاملين مع هذه المكاتب.
علي محمود سليمان- محمد راكان مصطفى
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد