هل تغير معركة عين العرب التحالفات؟
ينشغل الإعلام عموما بمعركة عين العرب السورية، لدرجة أن نكتة خرجت للعلن، تقول بأن "سوريا تقع جنوب كوباني".
أسباب الاهتمام الإعلامي بتلك البلدة المتواضعة المحاذية لتركيا، تتغذى من التطورات السياسية، وتترافق مع عناصر جذب مثيرة للمشاهدين، تبدأ من المقاتلات الكرديات بالضفائر الطويلة، إلى هضبة "المشاهدة السينمائية" على جانب بلدة مرشد بينار التركية من الحدود.
لكن السياسة هي المؤثر الرئيسي هنا، لأنها حقيقة الصورة، المتخفية خلف الألوان والتفاصيل. "رمزية المعركة التي توجت زمنيا نشوء التحالف الدولي" وفقا لما يقوله مصدر سوري رفيع المستوى، "هي من أهم العوامل المؤثرة في ضجة المعركة"، والتي "بالصدفة التاريخية" ربما تغذت على عوامل أخرى من بينها "القرب من الحدود التركية، والصراع التركي - الكردي، والقضية الكردية، وطبعا صمود المقاتلين الأكراد، الذين هم بدورهم وجه من وجوه الأقليات في سوريا والمنطقة".
وأثارت الضجة التي حصدتها معركة عين العرب، كثرا، بين أبرزهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو اللذين اصدرا عشرات التصريحات خلال الأسبوعين الماضيين منتقدين التركيز الإعلامي على هذه المعركة تحديدا.
ولم تقتصر التصريحات على انتقاد "الضجة" التي تثيرها المعركة، بل رافقتها عصبية واضحة في الأداء السياسي للأتراك، بدءا باشتراط عدة بنود سياسية وميدانية لدخول التحالف الدولي المعادي لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" - "داعش"، بينها استهداف مواقع النظام السوري عسكريا، وإقامة منطقة عازلة ضمن سوريا، وصولا أخيرا للوعد بإرسال 1300 مقاتل من "الجيش الحر" لمساعدة مقاتلي "وحدات حماية الشعب" الكردي، وذلك بعد وعد مماثل بالسماح لـ200 عنصر من "البشمركة" بالمرور لمساندة أشقائهم القوميين في المعركة، وذلك على الرغم من وصف أردوغان الصريح لـ"قوات حماية الشعب" بأنها "جزء من منظمة إرهابية".
والاقتراح التركي بإرسال قوات من "الجيش الحر" إلى عين العرب، يبرز القلق السوري أكثر من غيره، على أساس ما قد يكون محاولة بناء إستراتيجية مخفية، لم تحظَ بها سابقا هذه المعركة المثيرة إعلاميا.
ووفقا للمصدر السابق فإن "مبادرة الأتراك المريبة" بإدخال عناصر من "الجيش الحر" إلى المعركة، تجعل قضية عين العرب تتعدى رمزيتها الكردية. ورغم أن قادة أكرادا يعترفون حاليا بوجود مقاتلين لـ"الحر" في عين العرب ينتمون إلى تشكيل "بركان الفرات"، إلا أن الاتفاق على دخول "تشكيلات تخضع للنفوذ التركي" هو ما يقلق الطرفين. ويخشى السوريون أن تنجح مبادرة الأتراك، ما يمهد سريعا لتحول عملية "ردع داعش عن عين العرب إلى محاولة ملء فراغه من قبل قوة واضحة المعالم تديرها الاستخبارات التركية".
لكن هناك تعقيدات شتى، بينها رفض فصائل عديدة من "الجيش الحر" العمل تحت إمرة الأتراك، ورفض أخرى العمل مع الأكراد، وامتناع بعضها الآخر صراحة عن مقاتلة "داعش". ويرى المصدر أن هذا "التفاوت في التحالفات" سيكون عاملا مؤثرا في ظروف ما بعد المعركة، ولكن لا احد يعرف كيف سيتبلور؟
واحد من السيناريوهات الظاهرة، هو تحول الانتصار الكردي، والذي هو بشكل أو آخر نجاح للتحالف، إلى قاعدة ترسيخ السياسة الكردية السورية القائمة على تحقيق "استقلال ذاتي" في المناطق الكردية، وهو مشروع كان مفاجئا أن ترحب به وزارة الخارجية الروسية، في بيان، تعليقا على اتفاق "المجلس الوطني الكردي" و"حزب الاتحاد الديموقراطي" مؤخرا في دهوك على "وحدة الصف" بينهما. واعتبر البيان أن هذه الخطوة "نموذج للوحدة ضد الدولة الإسلامية"، مشيرا في الوقت ذاته إلى "اهتمام موسكو باتفاقية إقامة إدارة وقوات موحدة في مناطق كردية في سوريا". ووصف البيان الاتفاق بانه "نموذج لجميع الأطراف والقوى السياسية السورية، ما يضمن سيادة البلاد ووحدتها، عبر التوحد ومواجهة الارهاب والتطرف الدولي"، برغم إقراره بـ"حاجة هذه الاتفاقية إلى دراسة معمقة أكثر".
ومقومات "الإدارة الذاتية" موجودة في مناطق الشمال، من دون خفاء، بل يبدو ان هناك "تضامنا" علنيا من قبل السلطات السورية، يرى مراقبون أنه يخفي "تحالفا ضمنيا وظرفيا بين الطرفين". وتتعدى مقومات الإدارة في مقاطعات الأكراد الثلاث، وهي الجزيرة، عفرين، وعين العرب، وجود "قوات حماية الشعب" وقوات الشرطة، إلى تعليم اللغة الكردية في المدارس، والتجنيد الإجباري، وتشكيل النقابات الخاصة بها، مع الإشارة الضرورية إلى أن مؤسسات الدولة تبقى فاعلة في تلك المناطق، بما يعنيه ذلك من ارتهان سلسة الأجور والرواتب في كل مناطق "الإدارة الذاتية" للدولة السورية.
ولا تخشى الدولة السورية مشروع "حزب الاتحاد الديموقراطي" حتى اللحظة. ويتحدث مذيع نشرة الأخبار السورية، على التلفزيون الرسمي، يوميا بحماس عن "دفاع قوات حماية الشعب الكردية السورية" عن مدينة عين العرب. رغم ذلك، اضطر مصدر إعلامي أمس الأول الى "تذكير الأكراد بأن سوريا لم تتوقف عن مدهم بالسلاح بشكل مباشر وغير مباشر" خلافا لنفي مجموعات مقاتلة منهم ذلك، تعقيبا على تصريحات رسمية سابقة بدعم الحكومة السورية للأكراد المقاتلين في عين العرب.
ولمزيد من شد الخيوط، تردد في اليومين الأخيرين أن القيادات الأمنية في مدينة الحسكة طلبت من "قوات حماية الشعب" الكردية "إزالة حواجزها الأمنية في المدينة" أسوة بما فعله الجيش السوري، باعتبار أن "المدينة آمنة والمعركة الحقيقية خارجها"، خصوصا وأن معلومات أخرى تشير إلى حشد "داعش" قرب مدينة رأس العين، بشكل قد يقلب أولويات المعارك، كما سبق وفعل التنظيم بشكل مفاجئ.
لكن هذا التجاذب، لن يتحول إلى مشكلة في الوقت الراهن، كما تشير المصادر، بل إن هدفه تذكير الأكراد بتحالفاتهم الداخلية، قبل شروعهم "بتغيير حساباتهم وفقا للمعركة الجارية"، خصوصا في ضوء العامل التركي، واتفاق دهوك الكردي، من دون أن يعني ذلك أن "فوبيا كردية" تتشكل لدى الجانب السوري أيضا.
والواقع أن معركة عين العرب أبرزت، في هذا السياق، "الطابع القومي الكردي" وفقا لما يراه الصحافي المختص في الشؤون الكردية خورشيد دللي، بشكل "ألهب مشاعر الأكراد في العراق وتركيا وإيران وخارج المنطقة، على شكل تفجر للحالة القومية الكردية".
ووفقا لدللي فان معركة عين العرب ستشكل علامة فارقة في اتجاهين، الأول "اتجاه أو سياق الحرب ضد داعش في المرحلة المقبلة"، بشكل يبرز فيه الأكراد "كحلفاء محتملين على الأرض"، والثاني "سياق علاقة الأكراد بأطراف الأزمة السورية على شكل تحدّ متمثل في كيفية التعاطي مع الحركة الكردية ومطالبها"، من دون التغاضي عن أن تعويم الحالة القومية الكردية الآن يترافق مع "إشكالية الحالة الوطنية السورية، سواء من قبل النظام أو المعارضة".
ورأى أن "النظام، وبحكم غياب وجوده العسكري في تلك المنطقة، بدا وكأنه من دون تأثير فعلي، وبالتالي غير معني بالأمر، فيما التبست مواقف المعارضة في الخارج، ولاسيما الائتلاف، بين موالاة الموقف التركي لارتباطها بها، خاصة في ظل اعتباره حزب الاتحاد الديموقراطي حليفا للنظام، وبين ممارسة الغموض لجهة عدم اتخاذ موقف واضح من معركة كوباني، حتى بدا بنظر معظم أكراد سوريا وكأن الائتلاف مع هجوم داعش للسيطرة على المدينة".
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد