هل حانت نهاية داعش على يد إيران
الجمل ـ * بيتر ليفوف ـ ترجمة رنده القاسم:
مؤخرا بدأت العديد من المصادر على شبكة الانترنيت الاستشهاد بما ذكرته صحيفة الشرق الأوسط الممولة من السعودية و مقرها لندن. و وفقا لهذه المصادر ادعت الصحيفة أن روسيا تدير ظهرها لسورية ، زاعمة أنه بعد عدد من الهزائم الحساسة للقوى الداعمة للأسد، بدأت روسيا إعادة التفكير بموقفها تجاه حليف موسكو التقليدي في الشرق الأوسط. الصحفيون الممولون من السعودية يرون أن الجيش السوري تحطم، و المدن تسقط واحدة تلو الأخرى في يد الإسلاميين، و كل الخط الدفاعي للدولة السورية ينهار ببساطة. و وردت ادعاءات بأن داعش تسيطر على 50% من الأراضي السورية و أن الرئيس بشار الأسد لم يتمكن من استعادة السيطرة على أكثر من 8% من مصادر النفط و الغاز في سوريه.
وفقا للمصادر المذكورة أعلاه، التحول في سياسة روسيا تجلى في مفاوضات موسكو مع دول الخليج. و قالت الشرق الأوسط أنه أخرج حوالي مائة مسؤول روسي رفيعي المستوى من اللاذقية مع عائلاتهم. كما و زعمت أن أعضاء مجموعة العمليات المشتركة، المؤلفة من ضباط روس و إيرانيين و من حزب الله، يتم إخراجهم الآن. و علاوة على ذلك، ادعت الشرق الأوسط أنه في نيسان، و خلال لقاء لممثلي الاستخبارات في روسيا و الغرب، لأول مرة على الإطلاق لم يؤكد المسؤولون الروس على بقاء الأسد في السلطة. و بنفس الوقت كل يوم تظهر في وسائل الإعلام العربية تخمينات حول "نقاشات جدية" بين روسيا و الولايات المتحدة حول مستقبل سوريه.
و لكن، أي من هذه التقييمات لا يمكن وصفه بالدقيق. أولا، المستشارون العسكريون الروس يعملون فقط مع ضباط الجيش السوري، و لا يتعاونون مع ضباط من إيران و حزب الله. لم يتم إجلاء أي عضو من البعثة الروسية في سوريه . ما يعني أن السعودية تشن حملة بروبوغندا عبر الشرق الأوسط لتجهيز الرأي العام الدولي من أجل اعتداء عسكري جديد على يد مجموعات مسلحة مدعومة من المرتزقة و قوى المهمات الخاصة ضد حكومة الرئيس بشار الأسد ، الأمر الذي يتم الاستعداد له الآن من قبل السعودية و تركيا و قطر.
و بنفس الوقت الأسد بعيد عن مجرد التفكير بالاستسلام، و وفقا لصحيفة القدس العربية، بدأت القوات السورية بتعزيز محافظة اللاذقية. و مؤخرا تم دعم وحدة مشكلة حديثا تسمى "الحرس الساحلي" ب 1500 ضابط من وحدة النخبة في الحرس الثوري الإيراني،و إيران لن تذهب إلى أي مكان، و أعلنت طهران أن سوريه عنصر حاسم في إستراتيجية دفاعها. و بنفس الوقت تستعد وحدات حزب الله من أجل تقوية المقاومة في سوريه، لأن أيام هذه المنظمة ستنقضي مباشرة في حال سقوط حكومة بشار الأسد.
شهدت الأيام الأخيرة صدامات عسكرية عنيفة في حلب، حيث تستمر ميليشيات داعش بمهاجمة التحالف المؤلف من جبهة النصرة و أحرار الشام و الجبهة الشامية المشكلة من قبل محركي الدمى : السعودية و تركيا و قطر. و هذا يعني أن الإسلاميين لن يغادروا سوريه و يتركوها للقوات التي تحت رعاية "المثلث" المعادي للأسد.
نتيجة لهذه الصدامات العنيفة على بعد أميال من الحدود التركية، تمكنت ميليشيات داعش من الاستيلاء على عدد من المستوطنات الصغيرة و قرية سوران الكبيرة. و الآن تتقدم ميليشيات داعش للاستيلاء على قاعدة عسكرية أخرى تابعة ل "منافسيها" و هي قرية ماريا. و ذكر أن 150 عضوا على الأقل من المجموعات الإسلامية قتلوا بينما كانوا يدافعون عن الأراضي المحتلة في القسم الشمالي من محافظة حلب.
و بشكل مستمر كانت الطائرات الحربية السورية تقوم بقصف مواقع الإسلاميين، و برغم ذلك أرغمت وحدات الجيش السوري على مغادرة مدينة أريحا، آخر قطعة أرض كانت تحت سيطرة الحكومة في محافظة ادلب.
و الآن خلق دفاع فعال في دمشق و حمص و حماه و مدن ساحل المتوسط (اللاذقية و طرطوس و بانياس) على رأس قائمة أولويات حكومة الأسد. و لكن في حال تمكنت أنقره من خلق منطقة "حظر جوي" في الأجزاء الشمالية من سوريه، سيغدو الوضع أسوأ. و مصادر الإعلام السورية تحث موسكو على ترك الوسائل الدبلوماسية و بدء ضربات جوية ضد مواقع المجموعات الإرهابية.
و في الأسبوع الماضي قام الجيشان السوري و اللبناني بقصف عنيف لمواقع مجوعات إرهابية على جانبي الحدود. في الغوطة الشرقية قامت مجموعة جيش الإسلام الإرهابية، التي قصفت السفارة الروسية في دمشق مرتين في شهر أيار، بعدد من المحاولات العقيمة لعكس الوضع على الأرض لصالحها في منطقة دير سلمان. و بنفس الوقت كثف حلفاؤهم في الغوطة الغربية القتال نحو الغرب من بلدة ساسان.
تطور الوضع في سوريه يشير إلى أن قوات الحكومة المسلحة تكافح من أجل الاحتفاظ بالعدد اللازم من الوحدات الجاهزة للقتال من أجل القيام بعمليات مؤثرة ضد وحدات الإسلاميين المتقدمة. و تحت هذه الظروف يجبر الجيش السوري على التخلي عن مناطق ذات أهمية إستراتيجية ثانوية من أجل الاحتفاظ بالخطوط الأمامية سليمة. و بعد سقوط ادلب قررت سورية ترك المنطقة برمتها لتعزيز مواقعها الحيوية في مناطق أخرى بالمزيد من الجنود. و في الجنوب، أدت خسارة محور تدمر اللوجستي الرئيسي إلى عزل دمشق عن العراق، إضافة إلى الشحنات التي تلعب دورا حاسما بالنسبة للحكومة.
في ضوء هذه الظروف يمكن القول أن خسارة الجيش السوري للمبادرة الإستراتيجية أمر واضح، و لهذا فان هدفه الأساسي منذ الآن استقرار الوضع في جبهات عدة ما يمنح دمشق الفرص لإعادة تنظيم قواتها.
تستقتل كل من أنقره و الرياض من أجل متابعة الهجوم الذي بدأته قواتهما بالوكالة. و في هذا السياق، اتخذت أنقره في السادس و العشرين من أيار قرارا أحاديا من أجل فرض "حظر جوي" عند مناطق الحدود و عدد من الأقاليم الشمالية في سوريه، و من دون حتى الحصول على موافقة واشنطن.و تم نشر أنظمة صواريخ باتريوت أرض - جو على طول الحدود السورية- التركية. و بنفس الوقت، و رغم بدء تدريبات عسكرية مشتركة بين الولايات المتحدة و تركيا من أجل المعارضة المعتدلة المسلحة، فان هذين الحليفين من الناتو لا يتفقان على أهدافهما في سوريه. و سوريه الآن مهددة بإتباع نفس مصير العراق، الذي انقسم إلى عدة مناطق حيث المواجهات المسلحة اليومية مستمرة بلا نهاية. من الواضح أن البيت الأبيض يؤمن بأن الإسلاميين سيكتفون بالمناطق السورية و العراقية التي استولوا عليها حتى الآن، و لكن في حال استمرت حملتهم ستكون السعودية و تركيا أول الضحايا.
وفقا لمعظم المحللين، لا يمكن للنظام السوري قتال الإسلاميين لوحده أكثر من ثمانية أشهر. و في حال وحد "العلويون" قواهم في مناطق تواجدهم التقليدية، خاصة في اللاذقية، بسبب التهديد الحقيقي لوجودهم، سيكونون قادرين على حماية هذه المنطقة. لكن السؤال الآن هل إيران مستعدة للقتال في سوريه؟ بالنسبة لطهران حان الوقت لبدء تدخل عسكري مباشر، عوضا عن استخدام قوات خاصة محليا، ما سيغير الوضع على الأرض بشكل دراماتيكي. و يبدو أن عدد المؤيدين لهذا الموقف يتزايد بشكل سريع في طهران. فسوريه الرقم الرئيسي في لعبتها الإقليمية، و سقوطها يمكن أن يسبب أضرارا لمواقف إيران الإقليمية بشكل يتعذر إصلاحه،لأن حلفاءها سيغدون مدركين لحقيقة أن إيران ليست في موضع الدفاع عنهم بشكل فعال.
تجري الآن في ايران الاستعدادات لعملية عسكرية في سوريه. و يقوم الطيران من إيران برحلات عديدة يوميا إلى مطار الضبعة ، و تبنى في سورية مراكز السيطرة على الطائرات التي بلا ربان. و كل هذه أدلة على حقيقة أنه يمكننا توقع هجوم إيراني على الإسلاميين في سوريه في المستقبل القريب. و اختيار مطار الضبعة يشير إلى أن الإيرانيين سيهاجمون من جهة حمص. و ليست تركيا و لا السعودية على استعداد لدخول مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران. فالسعوديون سيهزمون إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أنهم لم يكونوا قادرين حتى على محاربة الحوثيين في اليمن بشكل قوي. و لن يجرؤ أردوغان قائد تركيا الحالي على بدء حرب ضد إيران لوحده ، خوفا من أن تؤدي إلى زيادة نفوذ النخب العسكرية في أنقره التي تحلم منذ زمن برحيله.
كل ما ذكر متعلق بقرار طهران بدء تدخل عسكري على نطاق واسع وسط الصراع السوري.. و يبدو أنها ستفعل.
*دكتور روسي في العلوم السياسية.
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونيه
الجمل
إضافة تعليق جديد