دمشق على علم «مسبق» بالضربات.. وتريد التنسيق
في الوقت الذي كان وزير الخارجية السورية وليد المعلّم يستعد للتحرك إلى نيويورك، على رأس وفد سوري للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت الطائرات الأميركية والعربية تشن غاراتها على مواقع تنظيم «داعش» في سوريا.
وبينما كان الوزير السوري يتحرك إلى نيويورك، أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً أكدت فيه علمها «مسبقاً» بالضربة الأميركية.
وسيلتقي المعلم وزراء من تجمع دول «البريكس» على رأسهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الصيني وانغ يي، فيما ينتظر أن يستقبله الرئيس الإيراني حسن روحاني بحضور وزير خارجيته محمد جواد ظريف.
ونوّهت وزارة الخارجية السورية «بتأكيد سوريا مراراً، وفي مناسبات عدة، استعدادها للتعاون في مكافحة الإرهاب في إطار الاحترام الكامل لسيادتها الوطنية.. وبعدما وقفت مع سوريا عدة دول تؤكد ضرورة احترام ميثاق الأمم المتحدة الذي يشدد على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها».
وأضاف البيان «تم أمس إبلاغ مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة (بشار الجعفري) بأن الولايات المتحدة وبعض حلفائها ستقوم باستهداف تنظيم داعش الإرهابي في مناطق وجوده في سوريا، وذلك قبل بدء الغارات بساعات. بعد ذلك ـ أمس أيضاً ـ تلقى المعلم رسالة من نظيره الأميركي جون كيري، عبر وزير خارجية العراق (إبراهيم الجعفري) يبلغه فيها أن أميركا ستستهدف قواعد داعش، وبعضها موجود في سوريا».
وقال الجعفري، لوكالة «رويترز» إن المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامانتا باور أبلغته شخصيا بضربات جوية أميركية وعربية وشيكة ضد أهداف لتنظيم «داعش» في سوريا قبيل ساعات من بدء الضربات. وأضاف «نحن ننسق عن كثب مع العراق».
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن دمشق «تؤكد أنها كانت وما زالت تحارب هذا التنظيم في الرقة ودير الزور وغيرها من المناطق، وهي لم ولن تتوقف عن محاربته، وذلك بالتعاون مع الدول المتضررة منه مباشرة، وعلى رأسها العراق الشقيق». وأضاف أن سوريا «تشدد في هذا الإطار على أن التنسيق بين البلدين مستمر، وعلى أعلى المستويات لضرب الإرهاب، كون البلدين في خندق واحد في مواجهة هذا التنظيم، تنفيذاً للقرار الدولي 2170 والذي صدر بالإجماع عن مجلس الأمن».
كما جدد البيان إعلان سوريا «مرة أخرى أنها مع أي جهد دولي يصبّ في محاربة ومكافحة الإرهاب مهما كانت مسمياته من داعش وجبهة النصرة وغيرهما»، وأن ذلك يجب أن يجري «مع الحفاظ الكامل على حياة المدنيين الأبرياء وتحت السيادة الوطنية ووفقا للمواثيق الدولية».
ورأت مصادر سورية أنه من الضروري عدم تحميل هذه الرسالة «ما يزيد عن أهميتها باعتبارها إخطاراً عبر وسيط مشترك»، رغم أنها تشكل سابقة في العلاقات المتوترة بين الطرفين منذ عامين ونصف العام. ورأت المصادر أنها تجسد رغبة غير معلنة من واشنطن للإبقاء على «حد أدنى من الاتصالات مع دمشق». وأشارت، إلى أن دمشق كانت قد تلقت وعوداً بهذا الشأن بعد الزيارة التي قام بها مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض منذ أسبوع، كمبعوث لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي.
لكن حدود هذا الإعلام تبقى هنا، ولا تتعداها للتنسيق حول أماكن وجود عناصر التنظيم ومقارّه، كما أنها لا تقترب بالتأكيد من السماح لقوات الدولة السورية بملء الفراغ المتوقع عن انحسار التنظيم. ولهذا الغرض كما بات معروفاً ستلجأ الولايات المتحدة لتدريب عناصر من المعارضة ضمن الأراضي السعودية. ووفقاً للمصدر السابق، سيقع على عاتق هذه المجموعات مهمة ملء الفراغ في مناطق الشمال الشرقي وحلب على الأغلب.
وكانت قيادة الجيش السوري قد جهدت للدفاع عن قواعدها في تلك المناطق، ولا سيما في ريف الرقة ودير الزور والحسكة، بهدف تمكين الجيش من ملء فراغ محتمل ناتج من هذه الحرب، لكن الجيش كما بات معروفاً مُني بخسائر كبيرة على جبهة الرقة، كما ما زال يقاتل بشراسة ليحافظ على مواقعه في دير الزور، مع العلم أنه حقق تقدماً طفيفاً في مناطق الحسكة. ولا يعتقد كثر في دمشق أن التحالف وعناصره على الأرض، ستجعل من مهمة كهذه عملية سهلة بالنسبة للجيش، خصوصا أن الجانب الأميركي وحلفاءه الإقليميين بصدد «تهيئة الأرض ميدانيا لعرض مشروع سياسي» لا القيام بعملية جوية سريعة وانتهى.
كما أن ثمة عاملين إضافيين لهذا القلق المتجدد، الأول في حلب التي تشكل وجهة عصية حتى الآن على المعارضة، ولا سيما في سياق أي عملية تفاوض محتملة، والثاني هو الخطة التركية لإقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، والتي يمكن أن تؤدي لنتائج عسكرية وسياسية خطيرة على مستوى إقليمي لا محلي فقط.
وفي سياق مشابه، كان لافتا إعلان الجانب السوري عن الغارات عبر وكالة الأنباء السورية-»سانا». وأعلنت «قيام طيران الولايات المتحدة وشركائها بغارات جوية على مقار تنظيم داعش الإرهابي في محافظة الرقة فجر اليوم (امس)». وأشارت إلى تدمير عدد من مقارّه استناداً الى شهادات حية.
من جهته، رحب «حزب الاتحاد الديموقراطي» باستهداف «مراكز ومواقع الإرهابيين في سوريا من جانب التحالف الدولي المناهض للإرهاب»، مضيفا، في بيان، أنه «يتطلع إلى التنسيق مع هذا التحالف في مواجهة الإرهاب الذي يهدد كل القيم الإنسانية في الشرق الأوسط. وننوّه إلى أن شعبنا في كوباني ما زال في مواجهة الدبابات والآليات الحديثة التي تقصف المدنيين، ما يعني أن خطر الإبادة ما زال قائما».
من جهته، ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اجتماع مع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي، سبل التعاون مع الشركاء في مكافحة «داعش». وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن «أعضاء مجلس الأمن تبادلوا الآراء حول الأشكال الممكنة للتعاون مع الشركاء الآخرين في ما يتعلق بمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في إطار القانون الدولي».
وكان بوتين قد شدد، قبل بدء الضربات الجوية الدولية بقيادة الولايات المتحدة، على أن هذه الحملة يجب أن تتم بموافقة دمشق. وأكد، في اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أن «الضربات الجوية ضد قواعد إرهابيي الدولة الإسلامية على الأراضي السورية يجب ألا تحصل من دون موافقة الحكومة السورية».
وحذرت وزارة الخارجية الروسية من أن «الذين يقومون بتحركات عسكرية أحادية يتحملون المسؤولية الكاملة لعواقبها». وذكرت، في بيان، ان «محاولات تحقيق أهداف جيو-إستراتيجية عبر انتهاك سيادة حكومات المنطقة لا تؤدي سوى إلى تأجيج التوتر ومزيد من زعزعة استقرار الوضع». وأضافت ان «مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتطلب جهودا منسقة من مجمل الأسرة الدولية برعاية الأمم المتحدة».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد