هجمات باريس تكشف فشلاً أمنياً وتسرّع قاطرة «فيينا السوري»!
دويّ أبواق سيارات الشرطة كان يمتزج مع صوت وزراء الخارجية الأوروبيين، متناوبين الحديث عن تداعيات هجمات باريس. الوقوف في هذه الأجواء جعل الأمر يبدو كما لو أنه فيلم سينمائي، حينما يتم مزج أحداث مترابطة لصنع التشويق. لكن هذا الامتزاج كان واقع الحال، على كل المستويات.
بموازاة الاستنفار الأمني في بروكسل، كرسّ الأوروبيون الاستنتاج بضرورة استنهاض حالة طوارئ سياسية، لتطويق المخاطر الإرهابية، تحديداً لتكريس مسار الحل السوري. المبعوث الأممي ستيفان دي ميستور حضر للتداول مع الوزراء، فيما أكدت مصادر تابعت النقاشات أن هناك إجماعاً على أن هجمات باريس جعلت الحل السوري أكثر إلحاحاً. لكن الإلحاح لا يعني، وفق أصوات عديدة، الانزياح عن هدف إبعاد الرئيس السوري بشار الأسد، لكن بالتوافق مع حلفائه في إطار العملية الانتقالية.
على بعد مئات الأمتار من مكان اجتماع الوزراء، في المجلس الأوروبي، سارعت أجهزة الأمن للتقصي حول سيارة مشبوهة تحمل لوحة تسجيل فرنسية. إنذار خاطئ. حتى حينما كانوا يقفون دقيقة صمت حداداً، كان زعيق الأبواق المميز يأتي ويذهب بلا توقف.
بروكسل باتت المسرح الأساسي لإعادة رسم خريطة التخطيط والتنفيذ للجريمة الباريسية، أملاً باعتقال من تورطوا فيها. كان ذلك ترجمة مسبقة لخطاب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، حينما قال إن عقل الهجمات كان في سوريا أما تنظيمها فتمّ في عاصمة الاتحاد الأوروبي.
أربع ساعات من المطاردات، جعلت حيّ مولنبيك منطقةً مغلقةً أمنياً، لم تتمكن خلالها الأجهزة الأمنية من اعتقال الفرنسي صلاح عبد السلام. تلقت السلطات بلاغاً بوجوده في الحي، فهرعت كل الأجهزة إليه. شاب عمره 26 سنة، شقيقه إبراهيم تحوّل إلى أشلاء، بعدما كان أحد الانتحاريين الذين هزوّا باريس. السلطات باتت متيقنة من أن صلاح لعب دوراً مهماً في العملية، فهو من استأجر سيارة يشتبه في استخدامها خلال الهجمات. لكن أجهزة الأمن لم تجد له أثراً، رغم المطاردات والمداهمات، على وقع عمليات تفجير قامت بها قصداً لإحداث الصدمة.
الأجهزة البلجيكية تقع الآن تحت ضغوط هائلة، ما دفع العديد من المسؤولين للدفاع عن أدائها بالمجمل. وقاعة الفشل الأمني صارت ثابتةً الآن، مع تفاصيل لا يمكن معها التغافل عن وجود مناطق عمياء على الرادارت الأوروبية. من يحمّل البلجيكيين الجزء الأكبر من المسؤولية يقيم حجته على هذا الشكل: المنفذون يعيشون في بروكسل، ينتمون إلى شبكة سبق للأجهزة البلجيكية أن لاحقتها وأفشلت بعض اعتداءاتها، كما أن رأسها على قائمة الملاحقة بوصفه المطلوب رقم واحد.
الصيد الكبير الآن، الذي تحاول الأجهزة الغربية تقصّي أي معلومة تقود إليه، هو عبد الحميد أباعود. الضربات الجوية الفرنسية كانت سبّاقة في الاشارة إلى مكانه المحتمل، حينما ركزت القصف على مدينة الرقة السورية. المعطيات المتداولة أنه شاب عمره 27 سنة، محترف تخطيط لعميات إرهابية. منذ العام 2013 يذهب ويأتي بين سوريا وبلجيكا. ورد اسمه في لوائح القضاء البلجيكي حينما تقدم والده بشكوى ضده، متهماً إياه بخطف شقيقه يونس (13 عاماً) وأخذه إلى سوريا.
لكن الصلات الأهم، بخصوص هجمات باريس، تظهر من معرفة السلطات بعلاقته بالانتحاري إبراهيم عبد السلام منذ 2010. هنا يبدأ رسم مسار الفشل الأمني. الأجهزة البلجيكية على معرفة وافية بخطورة العقل المدبّر، أباعود، أو «أبو عمر البلجيكي» بحسب لقبه «الجهادي»، فهي من أفشلت هجمات كان يخطط لها قبل أشهر من مدينة فرفييه البلجيكية، قرب الحدود مع المانيا. مع ذلك، رغم استمرار التتبع، لم تنجح، على ما هو واضح، الجهود لجعله يظهر على رادار المراقبة، كما أنه استطاع التواصل والتخطيط مع الانتحاري إبراهيم عبد السلام، الموجود في بروكسل، رغم أن صلاته بالأخير معروفة للسلطات.
شقيق الانتحاري لا يزال هارباً، لكن الشرطة اعتقلت شقيقه الآخر محمد، ثم أخلت سبيله لاتضاح عدم تورطه. الشاب يعمل داخل بلدية مولنبيك، سارع للوقوف أمام وسائل الاعلام للقول إنه ابن عائلة تحس الآن بالتضامن مع الضحايا. قال إنهم عرفوا من وسائل الاعلام، مثل الآخرين، أن شقيقه ابراهيم هو أحد منفذي هجمات باريس.
عمليات الاستنفار الأمني متواصلة، في موازاتها قال وزراء خارجية أوروبيون إن حالة طوارئ ديبلوماسية يجب أن تحدث للدفع إلى تسوية سورية، أكدوا أن لا مجال لتطويق الخطر الإرهابي من دونها.
هذه الفحوى حملتها وزيرة خارجية الاتحاد فدريكا موغيريني. حينما سألناها عن هذا السياق، قالت إن «ما حصل في باريس، وما حدث أيضاً في دول في المنطقة، يعطي كل المجتمع الدولي إحساساً جديداً بأن الوضع ملحّ» لإيجاد حل سياسي للحرب السورية، موضحة ان «الضمانة الحقيقية لأمننا هي الوقاية وهزيمة المجموعات الإرهابية. الأمن هناك يعني أيضاً الأمن هنا، والعكس صحيح».
مفردات حالة الطوارئ هذه فصّلت فيها موغيريني خلال مؤتمر صحافي. قالت إن على اللاعبين الاقليميين والدوليين في الحرب السورية تقدير أن الأوروبيين يحتاجون هذا الالحاح، سواء لجهة التهديد الأمني لجهة تقليل تدفقات اللجوء. بناء على ذلك، دعت إلى الالتزام بتحقيق نتائج «خلال شهور، وليس خلال سنوات».
مصدر رفيع المستوى، حضر مداولات الأوروبيين مع دي ميستورا، قال إن «آثار اعتداءات باريس كانت واضحة داخل الصالة». معلقاً على مجمل ما قيل، اعتبر أن «هناك الآن حالة تسريع أكيدة لمسار الحل السياسي» للبناء على ما أنجز في فيينا، قبل أن يضيف «هذه مسألة كانت في غاية الوضوح بالنسبة للجميع».
برلين أبقت على تحفظاتها، معتبرة أن لحظة «التفاؤل» لم تحن بعد رغم التقدّم الأكيد الذي أنجزه مسار فيينا. لكن عواصم أخرى كان لها رأي مختلف. وزير الخارجية الإسباني جوزيه مارغالو قال حول تقييمه لما تم وآفاقه: «أنا متفائل»، قبل أن يستعرض تعهدات إعلان فيينا الأخير، مشدداً على أن «الانتقال السياسي يجب أن ينتهي إلى سوريا حرة خلال 18 شهراً أو ما شابه».
اللافت أنه رغم النقاط الخلافية المعروفة، بدا مارغالو متشجعاً للحديث عن وضوح مسار الحل بالنسبة له. قال حاسماً نقاط خلاف أساسية: «الأسد ليس على الطاولة، يجب أن يكون جزءاً من المفاوضات لكن ليس جزءاً من الحل النهائي».
هذه الخلاصة تقاطعت مع تعليقات وزير قادم للتو من اجتماع فيينا الأخير، وتبدي دولته مؤخراً مواقف مرنة جداً تجاه روسيا. إيطاليا لم توقّع على بيان استنكار العمليات الروسية، كما ميّزت نفسها بوضوح بالنسبة لسياسة العقوبات الاوروبية ضد موسكو. مع ذلك، وزير خارجيتها باولو جينتيلوني قال على هامش الاجتماع الأوروبي إن «الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل الديبلوماسي»، قبل أن يضع له الإطار التالي: «فقط عبر حل سياسي سنكون قادرين على إخراج بشار الأسد من دون خلق فراغ، ومع تجنّب أن الإرهابيين يمكنهم ملؤه».
وسيم إبراهيم- السفير
«داعش» يهدد أميركا وأوروبا: قادمون بالمفخخات والكواتم!
حذر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، في فيديو جديد بث أمس، الدول التي تشارك في شن ضربات جوية في سوريا من أنها ستلقى مصير فرنسا نفسه، متوعدا بشن هجوم في واشنطن.
ويبدأ الفيديو الذي ظهر على موقع يستخدمه «داعش» لبث رسائله بتغطية إخبارية لتداعيات هجمات باريس التي قتل فيها 129 شخصا.
وأبلغ رجل قيل في الفيديو إن اسمه الغريب الجزائري الرسالة للدول المشاركة في ما وصفها «بالحملة الصليبية». وكان الرجل يرتدي زيا مموها وعمامة.
وقال الجزائري، في الفيديو: «نقول للدول التي تشارك في الحملة الصليبية: والله لك يوم بإذن الله كيوم فرنسا، والله إن كنا دكينا فرنسا في عقر دارها في باريس فقسما قسما لندكن أميركا في عقرها في واشنطن بإذن الله تعالى».
ولم يتسن على الفور التحقق من صحة الفيديو الذي يبدو أنه من صنع مقاتلي التنظيم في محافظة صلاح الدين شمال بغداد.
وحذر الغريب الجزائري أوروبا أيضاً بشن مزيد من الهجمات. وقال: «أقول لدول أوروبا إننا قادمون.. قادمون بالمفخخات والتفجيرات.. قادمون بالأحزمة والكواتم، ولن تستطيعوا ردنا لأننا اليوم بتنا أقوى من ذي قبل بكثير».
وفي إشارة في ما يبدو إلى المحادثات الدولية لإنهاء الحرب السورية قال رجل يدعى الكرار العراقي للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: «قررنا التفاوض معكم في الخنادق لا في الفنادق».
(رويترز)
«سي آي ايه» ترجّح وقوع هجمات جديدة
حذر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) جون برينان، أمس، من أن تنظيم «داعش» يحضر على الأرجح لعمليات أخرى مشابهة لهجمات باريس.
وقال برينان، في كلمة ألقاها في مركز أبحاث في واشنطن، «اعتقد أنها ليست العملية الوحيدة التي خطط لها تنظيم الدولة الإسلامية»، مضيفاً «لا اعتبر بالتأكيد» أن هذه الاعتداءات «حدث معزول».
وأعلن برينان أن التنظيم التكفيري «لا يكتفي بأن تقتصر أنشطته الدامية على العراق وسوريا، وبتأسيس فروع محلية في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، بل وضع برنامج عمليات خارجية يطبقه الآن، ويؤدي إلى مفاعيل مدمرة».
وقال إن «أجهزة الأمن والاستخبارات حتى في هذه اللحظة تعمل بكدّ ونشاط للتدقيق في الأعمال الإضافية التي يمكن أن يقوموا بها».
ورأى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن هجمات باريس «كان يمكن أن تحصل» في بريطانيا، وان سبعة اعتداءات في «الأشهر الستة الأخيرة» قد أحبطت في البلاد. (ا ف ب)
إضافة تعليق جديد