صفحة إرهابية جديدة في دفتر الإرهاب اللبناني
تفرعت يد الإرهاب التي تضرب لبنان منذ وقت طويل لتنتقل من الاغتيال السياسي المباشر وترويع الناس الى قتل المدنيين مباشرة. فقد فجر إرهابيون امس حافلتين للركاب في قرية عين علق في المتن الشمالي ما ادى الى استشهاد ثلاثة مواطنين وإصابة أكثر من عشرين بجروح في لحظة سياسية داخلية وإقليمية معقدة، حيث عاد فريق السلطة الى تصعيد سياسي بملامح خارجية تتصل بالمحكمة الدولية والعودة الى المطالبة بنشر قوات دولية على الحدود مع سوريا التي اتهمها فريق 14 آذار بالمسؤولية عن الجريمة، وهو ما ترافق مع ما أظهرته مداولات مجلس الأمن المركزي من ميل واضح لدى فريق السلطة لاتهام سوريا أو قوى سياسية حليفة لها بالجريمة.
لكن بيروت تشهد اليوم حشداً جماهيرياً لتيار “المستقبل” وحلفائه في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري. وثمة ترقب لحجم الحشد من جهة ونوع الكلام السياسي الذي سيقال في المناسبة، دون إزالة المخاوف من احتمال حصول إشكالات أمنية برغم كل الإجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وسط بيروت. علماً بأن ذلك ترافق مع مناخات سياسية لا توحي بوجود توافق جدي. وكان البارز نفي النائب سعد الحريري مساء امس مشروع حل، محدداً المشكلة بالتوافق على مشروع المحكمة الدولية أولاً ومن ثم الحكومة، داعياً الى ترك الملفات الخلافية الاخرى الى وقتها. وقال إن هناك حاجة الى قرار شجاع بالتزامن بين المحكمة الدولية وحكومة الوحدة الوطنية.
في هذه الاثناء ذكرت مصادر قيادية في المعارضة أنها تلقت رسائل غير إيجابية عن المساعي السعودية الايرانية، وأن فريق السلطة أبلغ الرياض رفضه أي حل لا يضمن تمرير المحكمة الدولية سريعاً وقبل تأليف الحكومة، وأن فكرة الثلث الضامن ليست محسومة لديه. ونقلت المصادر نفسها عن وسطاء أن الامور ربما تعود الى النقطة الصفر وأن الجميع ينتظرون المواقف التي ستصدر عن قادة فريق السلطة في مهرجان اليوم.
تفجيرات المتن
قبيل التاسعة صباحاً، انفجرت عبوتان في حافلتي نقل كانتا تحملان مواطنين من منطقة بتغرين الى منطقة بكفيا في المتن الشمالي. ومرت دقائق قليلة بين الانفجارين الناجمين عن عبوتين ناسفتين بزنة 2 و4 كلغ من المواد المتفجرة، وتبيّن أن شخصين استقلا الحافلتين بشكل منفصل وتركا العبوتين داخل كيسين تحت المقاعد الخلفية قبل أن ينزلا ويحصل الانفجار في وقت لاحق. وتتركز التحقيقات على شهادات الركاب ومن كان يقود الحافلتين لمعرفة تفاصيل عن الركاب وخط السير وتقديم رسم تشبيهي للفاعلين، وأظهرت تقارير طبية أن ثلاثة قتلوا وأصيب نحو 25 بجروح خفيفة ومتوسطة وخطرة، قبل أن يدب الذعر بين المواطنين في المنطقة التي تحولت الى ثكنة عسكرية وإعلامية، وتدفق السياسيون الى المكان حيث استبق أقطاب من فريق السلطة، جرياً على عادتهم، كل التحقيقات وأطلقوا اتهامات راوحت بين القول إن هدف التفجيرات هو ترويع الناس والحد من المشاركة في احتفال اليوم، وبين إشارات ركّز عليها فريق “القوات اللبنانية” عن صلة للوزير الياس المر بسبب موقفه من شاحنة الاسلحة التي ضبطت أخيراً وأعلن حزب الله انها تعود الى المقاومة. كما لمّح الرئيس فؤاد السنيورة الى أن العملية أعقبت فشل محادثات الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى في دمشق.
وبينما أشارت مراجع أمنية قريبة من فريق السلطة الى متابعة لقوى سياسية محلية قريبة من سوريا، قال النائب الحريري إن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو “طابور خامس وسادس وسابع ولا أستبعد أن تكون له صلة بجريمة المتن لأنه حليف لسوريا وتاريخه معروف بمسلسل الاغتيالات ومهمته تفجير الوضع الداخلي بناءً على تعليمات يتلقاها من سوريا”.
وناقش مجلس الامن المركزي الذي عُقد برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة المعلومات الأولية التي جمعتها الاجهزة الامنية عن الانفجارين وما جمعته التحقيقات الاولية التي أكدت أن العبوتين الناسفتين زرعتا داخل الباصين. وكانت مراجع أمنية قد كررت مخاوفها من حصول أعمال إرهابية في ضوء الاحتقان السياسي القائم.
ومع أن ردود الفعل توالت نهار وليل امس، الا ان فريق 14 آذار كان يناقش في انعكاس ما حصل على احتفال اليوم، وترددت معلومات عن أن النائب وليد جنبلاط اقترح إلغاء المهرجان الحاشد والاستعاضة عنه باحتفال رمزي، وأنه طلب من أنصاره عدم المشاركة في تجمع ساحة الشهداء اليوم بسبب تخوفه من فوضى أمنية لكن نقاشاً حصل انتهى الى القبول برأي فريقي “المستقبل” و“القوات” بالعمل على حشد أكبر رداً على ما حصل. وقام أنصار “المستقبل” طوال ليل امس بمسيرات سيارة في بيروت والمناطق للدعوة الى المشاركة في الاحتفال، وانتقل عدد منهم الى ساحة الاحتفال حيث ارتفع جدار حديدي ومكهرب يفصل عن المعتصمين من المعارضة وسط بيروت.
ومن المقرر أن يتحدث في المهرجان الرئيس امين الجميل وقائد القوات سمير جعجع اضافة الى الحريري وجنبلاط وقادة من فريق السلطة.
وعشية الذكرى اتهمت قوى 14 آذار سوريا “بالتهويل على لبنان واللبنانيين لإفشال إحياء ذكرى 14 شباط ومحاولة “عرقنة” لبنان وتدمير أمنه واستقراره تنفيذاً لتهديدات هذا النظام بإحراقه وبهدف إسقاط المحكمة الدولية”. وطالبت القوى، المجتمعين العربي والدولي بـ“تحمل مسؤولياتهما لرفع عدوان النظام السوري على لبنان عبر فرض عقوبات على أركان هذا النظام... وضبط الحدود اللبنانية السورية عبر ارسال قوات دولية لوقف تدفق السلاح الى المجموعات التخريبية المرتبطة مباشرة بهذا النظام والساعية الى تخريب الاستقرار”.
في القاهرة قالت عن مصادر عربية قولها إن موسى سيتوجه الأسبوع المقبل الى السعودية لإطلاع الملك عبد الله ووزير خارجيته سعود الفيصل على نتائج محادثاته الاخيرة مع الرئيس بشار الأسد. وأوضحت أن زيارة موسى للسعودية تندرج في إطار المساعي العربية الهادفة لمنع تصاعد الأزمة السياسية فى لبنان. وكشفت أن ثمة زيارة مرجحة سيقوم بها موسى أيضاً إلى طهران نظراً إلى الدور الإيراني في المسألة اللبنانية.
وأدان موسى في بيان أصدره التفجيرين اللذين وقعا في المتن، مشدداً على “أهمية حماية الوحدة الوطنية اللبنانية وتحقيق الوفاق الوطني اللبناني”. وأعرب عن ثقته بأن هذا الحادث لن يؤثر سلباً على الجهود المبذولة للتوصل إلى حل للأزمة اللبنانية، وطالب جميع الأطراف السياسية اللبنانية بتحمل مسؤولياتها الوطنية والعمل على منع الانزلاق إلى المواجهة التي ستكون لها أضرار بالغة على وحدة الصف اللبناني.
الظواهري على الخط
في هذه الاثناء كان لافتاً دخول الرجل الثاني في تنظيم “القاعدة” الدكتور أيمن الظواهري على خط الازمة اللبنانية، ودعا مسلمي لبنان إلى رفض القرار الدولي 1701، ومواجهة المشروع الأميركي. وقال في تسجيل صوتي بثته قناة “الجزيرة” امس: “أدعو إخواني في الإسلام والجهاد في لبنان إلى عدم الخضوع للقرار 1701 ورفضه، ورفض وجود القوات الدولية والصليبية في جنوب لبنان”. ورأى الظواهري أن “المخطط الأميركي في لبنان هو نفسه في العراق وأفغانستان وفلسطين ومصر والسعودية والأردن ودول الخليج والجزائر والصومال”، واصفاً المتعاونين مع “الحملة الصليبية والصهيونية” بأنهم “خونة”.
ورد الحريري على الظواهري قائلاً: “لا دخل له بلبنان وليبقَ في أفغانستان يقاتل الاميركيين هناك ونحن لسنا بحاجة إليه ولا لغيره”.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد