إسلاميّو بريطانيا... «الوحش» يخرج عن السيطرة
لم تكد بريطانيا تسترد أنفاسها بعد من توابع حادث التفجير الانتحاري الذي نفذه إسلامي بريطاني عائد من ليبيا في مدينة مانشستر قبل أسبوع تقريباً ــ أودى بحياة 22 شخصاً وتسبب بجرح العشرات ــ حتى أتى الحادث الإرهابي الجديد. ويبدو أن إسلاميّين متطرفين نفذوه بأسلوب الهجوم نفسه على البرلمان في آذار الماضي، أي بدهس المارة في طرق حيوية في المدينة عبر سيارة نقل مدنيّة، ثم الترجّل وقتل أكبر عدد ممكن من الناس باستخدام الأسلحة البيضاء.
وأجهزت قوات مكافحة الإرهاب على الإرهابيين لدى استدعائها إلى مسرح الهجوم قرب جسر لندن الشهير وسوق البورو المجاور، فيما أصيب أحد المارة برصاص الشرطة. وتشير التقديرات الرسميّة إلى أن الإرهابيين ــ الثلاثة ــ الذين شنوا الهجوم، إسلاميون متطرفون، ونشرت صور تظهر جثثهم ملقاة على الأرض، مرتدين ملابس عسكريّة ومتمنطقين بأحزمة ناسفة تبيّن لاحقاً أنها مزيفة. ونقلت «بي بي سي» عن شهود عيان أن بعض المهاجمين كانوا يصرخون أن ذلك «في سبيل الله».
أيضاً، نُقل عن السلطات وشهود عيان أن عدة أشخاص اعتقلوا بعد الهجوم من مجمع سكني في منطقة باركنغ شرقي لندن، بينهم امرأة منقبة واحدة على الأقل. وقد تعرف سكان محليّون إلى أحد الإرهابيين القتلى، وقالوا إنه مسلم من أصل باكستاني يقطن في المنطقة.
وبينما أظهرت أجهزة الاستجابة السريعة في لندن كفاءة عالية في التصدي للهجوم خلال دقائق من حدوثه، فإن المخاوف من استمرار هجمات من هذا النوع الذي لا يتطلب تجهيزاً عالياً أو مواد متفجرة أو تدريباً متخصصاً أو حتى مصاريف تذكر، باتت تقض مضاجع البريطانيين والسيّاح على نحو متزايد، ولا سيما في العاصمة والمدن الكبرى، وذلك بالنظر إلى سهولة تنفيذ مثل تلك الهجمات دون قدرة فعليّة لدى الأجهزة الأمنيّة على توقعها أو اعتراضها قبل حدوثها.
وكانت تيريزا ماي قد أُخطِرت بالحادث فور وقوعه، وهي انتقلت ليل السبت إلى مقر رئاسة الوزراء حيث عقدت اجتماعاً لخليّة الأزمات المعروفة باسم «الكوبرا»، التي تضم ممثلين عن كل الأجهزة الأمنيّة في البلاد، ثم أدانت بعد الاجتماع التطرّف الإسلامي، ورأت أنه انحراف عن الإسلام، كما تعهدت بمواجهته باستراتيجيّة تعتمد أربعة محاور.
وقالت ماي في تصريحات بثها التلفزيون وهي تقف أمام مقر إقامتها، «يجب ألا ندعي أن الوضع يمكن أن يستمر على ما هو عليه»، مضيفة «نحن نعتقد بأننا نشهد اتجاهاً جديداً في التهديد الذي نواجهه، إذ إن الإرهاب يولّد الإرهاب، وما يدفع هؤلاء إلى شن هجمات ليس فقط التحرك على أساس خطط مدبرة بعناية بعد سنوات من التخطيط والتدريب وليس حتى العمل كمهاجمين منفردين تطرفوا عن طريق الإنترنت، وإنما تقليد بعضهم البعض وغالباً باستخدام أشد وسائل الهجوم بدائية». وبينما قالت «لقد طفح الكيل»، عددت أربعة مجالات قالت إنها تحتاج إلى تغيير. الأول هو مكافحة «الفكر الشرير» الذي يلهم هذه الهجمات المتكررة، والذي وصفته بأنه تحريف للإسلام وللحقيقة. وتابعت انه لا يمكن «الانتصار في هذه الحرب» عن طريق التدخل العسكري وحده، معتبرة أن هناك حاجة إلى الدفاع عن قيم التعددية البريطانية التي تتفوق على أي شيء يمكن أن يقدمه «دعاة الكراهية». وأشارت رئيسة الوزراء البريطانية إلى نقطة ثانية، تتمثل في الحاجة «إلى إجراءات تنظيمية جديدة لتقليص المساحة المتاحة للمتطرفين على الإنترنت»، موضحة: «لا يمكننا أن نتيح لهذا الفكر المساحة الآمنة التي يحتاج إليها للتكاثر. لكن هذا بالتحديد ما توفره الإنترنت والشركات الكبرى التي تقدم خدمات اإنترنت. نحتاج إلى العمل مع حكومات ديموقراطية حليفة للتوصل إلى اتفاقات دولية تنظم عمل الفضاء الإلكتروني». وبما يخص المجال الثالث، قالت إنه يتعين عمل المزيد للكشف عن التطرف في المجتمع البريطاني والقضاء عليه، مشيرة إلى أنّ المجال الرابع هو «استراتيجية مكافحة الإرهاب» التي وصفتها ماي بأنها قوية، «لكنها بحاجة إلى المراجعة في ضوء التهديد المتغير».
وفي هذا السياق، كان لافتاً تعليق زعيم حزب العمّال المعارض جريمي كوربن، على الهجوم الغادر، إذ صوّب سهامه على حكومة المحافظين لعلاقاتها الوثيقة بالسعوديين. وقال: «نحن بحاجة إلى إجراء محادثات صريحة وبالذات مع السعوديين ودول الخليج الأخرى التي موّلت وغذّت أيديولوجيا التطرف»، معتبراً أنّ «الإرهابيين قتلة يحاولون التأثير على مسار الانتخابات، وعلى العمليّة الديموقراطيّة في البلاد من خلال إطلاق الإرهاب في شوارع لندن». واتهم أيضاً تيريزا ماي بتسهيل مهمة الإرهابيين المتطرفين من خلال سياستها لتقليص أعداد قوات الشرطة.
من جهة أخرى، فإنّ عدداً من المعلقين المهتمين بالشؤون البريطانية وموضوع الإرهاب رأوا أن تصريحات تيريزا ماي تتسم بكثير من النفاق السياسي، وأنها لاستهلاك الجمهور المقبل على التصويت في انتخابات عامة مبكرة. كما قالوا إن الحكومة تحاول إنكار دورها في تشجيع، أو على الأقل التغاضي عن، تحركات الإسلاميين في البلاد، وهم الذين تقاطر منهم الآلاف للانخراط في الحروب ضد الأنظمة الوطنيّة في ليبيا وسوريا والعراق تحت رايات الإسلام المتطرف نفسها التي تدّعي السيدة ماي أنها تعتزم محاربتها.
ولعل ما يفسّر موقف الخبراء هذا تقارير صحافيّة تحدثت الأسبوع الماضي عن أن سلمان عبيدي، الإرهابي الذي نفّذ هجوم مانشستر الدامي الأخير، كان قد سافر بتسهيلات بريطانيّة ضمن مئات الإسلاميين الليبيين الذين نقلوا إلى ليبيا لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، وهو كان مجنداً في المخابرات البريطانيّة، أو أن الأخيرة كانت تعلم بتحركاته بالحد الأدنى.
كذلك، امتنعت السلطات عن نشر تقرير رسمي عن مصادر تمويل الإرهابيين خوفاً من تأثير معطياته في الانتخابات العامة المقبلة، ويبدو أنه يشير إلى تورط أكيد للسعوديّة، حليف حزب «المحافظين» المقرّب وزبون الأسلحة الأهم للصادرات البريطانيّة.
وفيما تبدو التنظيمات الإسلامية المتطرفة في سوريا والعراق مقبلة على هزيمة تامة في حربها المدعومة من الغرب، ومع انفلات الأمور في ليبيا، فإن السلطات عبر أوروبا قلقة من محاولة من سيبقى منهم على قيد الحياة العودة إلى دول القارة. «شبح العائدين» يوازيه قلق بريطاني أوسع من مرحلة متقدمة من الإرهاب يشرف عليه من يعرفهم الخبراء بالذئاب المنفردة، وهم عناصر غير منخرطين اجتماعيّاً يتلقون الإلهام والتوجيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وينفذون أعمالاً إرهابية بأدوات غير معقدة يسهل الحصول عليها.
الخبير في معهد «أسبن» في ألمانيا، تايسون باركر، يقول إنه «لا يمكن مطلقاً منع إمكانيّة حدوث مثل هذا النوع من الهجمات»، مضيفاً أنّ «أي إجراءات تتخذها السلطات في هذا الشأن ستكون دائماً على حساب الحريّات العامة للمواطنين». وهذا ما قد يدفع إلى خلاصة تقول إنّ «الوحش» الذي ربّته سلطات لندن، خرج من القفص، ولن يكون ثمن إعادته إلى هناك إلا مزيد من دماء العزّل الأبرياء.
على صعيد آخر، فرغم أن الأحزاب البريطانيّة أعلنت جميعها – باستثناء حزب «الاستقلال» اليميني المتطرف ــ التوقف عن حملاتها الانتخابيّة يوم أمس، فإن رئيسة الوزراء أكدت عقد الانتخابات العامة في موعدها الخميس المقبل. وكانت شعبيّة حزب «المحافظين» الحاكم قد تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ دعوة ماي إلى انتخابات مبكرة، وذلك لمصلحة حزب «العمّال» المعارض.
في موازاة ذلك، استغل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الحادث لإظهار دعم بلاده لبريطانيا في مواجهة الإرهاب، ساخراً على «تويتر» من دعوة عمدة لندن (المسلم) صادق خان، إلى استمرار الحياة في المدينة، ومقترحاً عليه ضرورة تنفيذ حظر على سفر المسلمين إلى بريطانيا على نسق الحظر على دخول حاملي جنسيات سبع دول إسلاميّة إلى الولايات المتحدة كان قد فرضه ترامب فور توليه الرئاسة في كانون الثاني الماضي. وأثارت تصريحات ترامب موجة من ردود الفعل الرافضة، فيما أصدر المتحدث باسم خان بياناً أمس، قال فيه إنّ رئيس البلدية المشغول في تنسيق الرد على الهجوم، وفي الوقت ذاته طمأنة سكان لندن والزوار، «لديه أمور أكثر أهمية يقوم بها من الرد على تغريدة غير دقيقة لدونالد ترامب الذي يتعمد إخراج ملاحظات (خان) من سياقها».
الاستثمار الإسرائيلي متواصل
تصرّ تل أبيب على مواصلة الاستثمار في هذه الهجمات الإرهابية للربط بينها وبين هجمات المقاومة في فلسطين المحتلة، وهذا ما قاله وزير الداخلية الإسرائيلي غلعاد إردان، في حديث لإذاعة جيش الاحتلال.
وقال إردان إنّ «هناك تفهماً أكبر اليوم بأن الإرهاب الذي تتعرض له إسرائيل... لا يختلف كثيراً عن دوافع الإسلام المتطرف التي تسببت في هذه الهجمات» في العاصمة البريطانية.
وفي رسالة نشرها على حسابه على موقع «تويتر»، دعا الوزير الإسرائيلي إلى «تحالف عالمي لمكافحة الإرهاب». وكتب: «تقف إسرائيل تضامناً مع بريطانيا ولندن في حربها ضد الإرهاب. حان الوقت لتحالف عالمي جديد ضد الإرهاب»، مضيفاً: «لم يكن هذا هجوماً ضد بريطانيا فقط، بل ضد القيم والديموقراطية الغربية أيضاً».
سعيد محمد
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد