الأزمة الخليجية: ترامب يستثمر... والرياض تعرض شروطها
تطورات متسارعة ومتلاحقة شهدتها الساعات الأخيرة، تؤشر جميعها إلى استفحال الأزمة الخليجية وغياب فرص الوساطة التي قادت أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، أمس، إلى مدينة جدة السعودية بحثاً عن تسوية. وساطة تراجع الاهتمام الإعلامي بها، بعد أن تصدرت المشهد قنبلة التصريحات التي فجّرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي بدت تغريداً خارج سرب تصريحات المؤسسات الرسمية في واشنطن في الأيام الماضية.
وفي غمرة ارتدادات أزمة مقاطعة قطر، عاد أمير الكويت أدراجه من لقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، من دون أن تخرج عن الجانبين أي تصريحات بنجاح المبادرة الكويتية في اختراق جدار الأزمة، في حين تواصل الاستقطاب الإقليمي والدولي في النزاع الخليجي، وانضم الأردن أمس إلى مصر والبحرين في الحملة السعودية الإماراتية لمقاطعة الدوحة، عبر قرار تخفيض التمثيل الدبلوماسي وإلغاء التصريح لقناة «الجزيرة»، فيما لا يزال كلّ من السودان والمغرب ملتزمين الصمت حيال ما يجري.
وقال ترامب أمس: «في خلال رحلتي إلى الشرق الأوسط أشرت إلى أنه لا ينبغي أن يكون هناك تمويل للأيديولوجيا الراديكالية. وأشار قادة (في الرياض) إلى قطر ــ تأملوا!». وأضاف: «من الجيد أن نرى اللقاء في المملكة العربية السعودية مع الملك (سلمان) و50 بلداً يسدّدون بالفعل. وقد قالوا إنهم سينحون منحى حازماً بشأن تمويل التطرف، وكل المؤشرات تشير إلى قطر. ولعل هذا سيشكل بداية نهاية لرعب الإرهاب».
ثلاث تغريدات لترامب على حسابه في «تويتر» كانت كفيلة بخلط الأوراق، وفتح باب التكهنات على مآلات الأزمة والموقف الأميركي منها. بهذه البساطة ضرب ترامب عرض الجدار بالمواقف الأميركية الصادرة عن الخارجية والبنتاغون بشأن الأزمة بين كل من السعودية والإمارات من جانب، وقطر في الجانب المقابل، والتي اتسمت بالحياد والوقوف على مسافة واحدة من الأطراف، مع الدعوة إلى حل الأزمة بالحوار.
ومع أن التغريدات الترامبية بدت ملتبسة ولم تتبنّ الموقف السعودي الإماراتي بشكل كلي، إلا أنها كشفت عن تنسيق مسبق بوجه قطر جرى في كواليس قمم الرياض، ما يؤكد وجود نية مبيّتة لدى كل من أبو ظبي والرياض تجاه الدوحة بعيداً من سردية التصريحات «المزعومة» لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني. هذا من جهة، ومن جهة ثانية تشي التصريحات بعزم ترامب على دخول خط الأزمة للاستثمار فيها، عبر إشعار القطريين بعدم الأمان وإمكانية رفع الغطاء عنهم، وممارسة الابتزاز على النظام القطري، وصولاً إلى ترتيب صفقة ملائمة مع الدوحة، وهو ما اتهمت به ألمانيا ترامب صراحة، على لسان وزير خارجيتها سيغمار غابرييل الذي رأى في حديث صحافي، أمس، أن ترامب يؤجج النزاعات في الشرق الأوسط عبر المجازفة بسباق جديد على التسلح بعد مقاطعة قطر.
وفي الوقت نفسه، أطلق متحدث باسم البيت الأبيض تصريحاً ملتبساً، قال فيه إن الولايات المتحدة «ما زالت تريد نزع فتيل هذه المشكلة وتسويتها على الفور... وفقاً للمبادئ التي عرضها الرئيس (دونالد ترامب) في ما يتعلق بالقضاء على تمويل الإرهاب والتطرف». وأشار إلى أن واشنطن تتواصل مع جميع الأطراف في الشرق الأوسط «لحل المشكلات واستئناف التعاون».
المواقف الملتبسة شملت كذلك وزارة الخارجية التي قالت إن «قطر حققت تقدماً كبيراً في مكافحة تمويل الجماعات الإرهابية، ولا يزال يتعين عمل المزيد». إلا أن وزارة الدفاع (البنتاغون) جددت الثناء على قطر، لاستضافتها قوات أميركية و«التزامها الدائم بالأمن الإقليمي». ورفض المتحدث باسم البنتاغون، جيف ديفيز، الرد على سؤال عمّا إذا كانت قطر تدعم الإرهاب، قائلاً: «لست الشخص المناسب الذي يسأل عن ذلك. أعتبرهم مضيفين لقاعدتنا المهمة للغاية في العديد».
من جهتها، أبلغت وزيرة القوات الجوية الأميركية، هيذر ويلسون، لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي أنها «ليست قلقة» بشأن القاعدة الجوية الأميركية، رغم قرار السعودية قطع العلاقات مع الدوحة، مؤكدة أنه «لا يوجد تهديد بنقل القاعدة»، وأن العمليات الأميركية مستمرة من دون انقطاع، مع إشارتها إلى وجود «خطط بديلة» في حال حدوث تطورات. بدوره، قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، لوكالة «رويترز»، إنّ الوزير جيم ماتيس تحدث هاتفياً مع نظيره القطري مساء أمس، لكنه لم يكشف عن تفاصيل المحادثة.
أما سعودياً، فقد ترك وزير الخارجية، عادل الجبير، الباب مفتوحاً أمام العودة عن قرار مقاطعة قطر، واضعاً شروطاً محددة بوجه الدوحة، ونافياً وجود نيّات لدى حكومته بشأن تغيير النظام القطري. وطالب الجبير، في حديث إلى الصحافيين أمس في العاصمة الفرنسية باريس، بإنهاء قطر دعمها لحركة حماس، وجماعة «الإخوان المسلمين»، من أجل إعادة العلاقات. وأضاف: «قررنا اتخاذ خطوات لتوضيح أن الكيل فاض. لا أحد يريد الإضرار بقطر، لكن عليها أن تختار إن كانت ستمضي قدماً في مسار أو مسار آخر». ورفض الجبير وساطة فرنسية بشأن حل الأزمة، معتبراً أنها شأن داخلي.
وكانت فرنسا قد دخلت على خط الأزمة الخليجية، وكشف مسؤول في مكتب الرئيس الجديد، أمس، أن إيمانويل ماكرون أجرى اتصالين بكل من أمير قطر تميم بن حمد، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وقال المصدر إن ماكرون أعلن تأييده للمبادرات التي تدعو إلى تهدئة التوتر، وأعرب لأمير قطر عن انفتاح باريس على الحوار مع كل الأطراف المعنية، مشدداً على أهمية الحفاظ على الاستقرار في الخليج.
في المقابل، بعث وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، برسائل تهدئة، من خلال إعلانه استعداد الدوحة لإجراء حوار لحل الأزمة، قائلاً إن بلاده «ليست قوة عظمى ولا تؤمن بحل الأمور بالمواجهة». وقال في حديث إلى شبكة «سي أن أن» الأميركية، إن قطر على استعداد للجلوس والحوار، وهي تؤمن بالدبلوماسية وتريد النهوض بالسلام في الشرق الأوسط، كما أنها تحارب الإرهاب.
في غضون ذلك، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً هاتفياً بأمير قطر، جدّد فيه موقف موسكو من الأزمة، والذي «لا يزال يتمثل في ضرورة حل الأزمات بالوسائل السياسية والدبلوماسية... ومن خلال الحوار»، وفق الكرملن. وقال الكرملن إن الجانبين بحثا في الاتصال «سبل التعاون بين روسيا وقطر، خاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار».
ورفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرارات مقاطعة الدوحة وما تشمله من استخدام للعقوبات، معتبراً أن «عزل قطر لن يحل أي مشكلة»، وقال: «نقوم وسنقوم بكل شيء في استطاعتنا لحل هذه الأزمة».
ونقلت وكالة الأنباء الأردنية عن وزير الإعلام الأردني، محمد المومني، قوله إنه «بعد دراسة أسباب الأزمة التي تشهدها العلاقات بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وبين دولة قطر، قررت الحكومة تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دولة قطر وإلغاء تراخيص مكتب قناة الجزيرة في المملكة». وانضمت موريتانيا، أمس، إلى الحملة على قطر، معلنة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارة الخليجية.
كذلك كان لافتاً أمس دخول مؤسسة الأزهر في مصر على خط الأزمة، عبر الإشادة بخطوة مقاطعة قطر، وفق ما جاء في بيان تضمن التأييد للموقف المشترك من «الأنظمة التي تقوم بدعم الإرهاب، وتؤوي كيانات العنف وجماعات التطرف، وتتدخل بشكل سافر في شؤون الدول المجاورة واستقرارها وأمن شعوبها».
(الأخبار)
البنوك الخليجية تعلّق التعامل بالريال القطري
نقلت «رويترز» عن مصادر مصرفية، أمس، أن مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) طالبت البنوك بعدم التعامل مع البنوك القطرية بالريال القطري. كذلك نقلت عنها أن «المصرفين المركزيين في الإمارات والبحرين طلبا من البنوك الخاضعة لإشرافهما الإفصاح عن انكشافها على البنوك القطرية». ونتيجة لتلك الضغوط، هبط الريال القطري مقابل الدولار الأميركي إلى 3.6470 ريالات للدولار في السوق الفورية، في أدنى مستوى له منذ حزيران 2016. لكنّ مسؤولاً في مصرف قطر المركزي طمأن إلى أن «قطر لديها احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي يمكن أن تستخدمها لدعم عملتها». وبفضل تلك الاحتياطيات المالية الضخمة، ومع استمرار صادرات الغاز الطبيعي المسال، يُرجّح أن تتفادى قطر الوقوع في أزمة اقتصادية شديدة، لكن ثمّة دلائل على أن انكماش المعاملات المالية القطرية قد يتجاوز منطقة الخليج. من جهة أخرى، ألغت السعودية والبحرين رخصة الخطوط الجوية القطرية، وأمرتا بغلق مكاتبها خلال 48 ساعة. وتوقّع محللون أن يكبّد إلغاء الرحلات الخطوط القطرية ملايين الدولارات من الإيرادات المفقودة، معتبرين أن «إلغاء الترخيص يشير إلى أن الخلاف سيكون طويلاً وممتداً».
الأخبار
إضافة تعليق جديد