انتصار سورية والتهديد المستقبلي والأخطر للكيان الصهيوني
اعتقد الكثيرون أنّ الولايات المتحدة لن تنسحب من سورية وأنّ واشنطن لن تغادر سورية قبل أن تضمن المصالح الأمنية للكيان الصهيوني، والتي تتمثل في منع تموضع قوات إيرانية والمقاومة اللبنانية في سورية، وعلى الأخصّ على الجبهة مع الجولان المحتلّ.. كانت القيادات الصهيونية تراهن على دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحقيق ذلك وتبعا لذلك ضمان عدم حصول أيّ تحوّل في البيئة الاستراتيجية في المنطقة في غير مصلحة الكيان الصهيوني، بعد خروج سورية منتصرة من الحرب الإرهابية الكونية التي استهدفت إسقاطها في شباك المشروع الأميركي الصهيوني.. فإذا كان هذا الهدف قد فشل بسبب صمود سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، فعلى الأقلّ يجب منع أن يتحوّل هذا الانتصار إلى هزيمة استراتيجية للكيان الصهيوني، غير أنّ القرار الذي اتخذه ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية شكل صدمة ومفاجأة للحكومة الصهيونية بقيادة بنيامين نتنياهو، لأنه تمّ من دون ضمان تحقيق الأهداف المذكورة، وترك الكيان الصهيوني يواجه تهديداً مستقبلياً خطيراً ناجماً عن التغيّر الهامّ في موازين القوى نتيجة انتصار سورية ومحورها المقاوم، وتداعي الحصار الذي فرض عربياً على سورية، قبل أكثر من سبع سنوات ونصف السنة، وبدء إعادة العديد من الدول العربية علاقاتها مع دمشق، إنْ كان عبر فتح السفارات أو الزيارات لقادة ومسؤولين عرب، أو عبر الحديث عن التمهيد لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية… مما يشكل اعترافاً علنياً واضحاً وضوح الشمس بانتصار الرئيس بشار الأسد…
على أنه كان من اللافت أنّ هذا التحوّل في الموقف العربي جاء متزامناً مع قرار ترامب بالانسحاب من سورية، في دلالة على التسليم الأميركي بانتصار سورية، والإيذان للدول العربية، التي حوّلت الجامعة العربية إلى غرفة عمليات لتوفير الغطاء للحرب الإرهابية على سورية ومحاولة نزع الشرعية عن الرئيس الأسد وفرض العزلة على سورية، بالعودة إلى الانفتاح على سورية الأسد والإقرار بهزيمتها وانتصاره، وتبعا لذلك سقوط مخطط إلغاء عروبة سورية والأمة لمصلحة إقامة مشروع الشرق الأوسط الذي يتسيّد عليه الكيان الصهيوني،وتبعا لذلك تصفية القضية الفلسطينية.. ولأنّ هذا المخطط سقط واعترف ترامب والدول العربية التي تسير في فلك أميركا بذلك… انتصر مشروع المشرق العربي وجوهره المقاومة بقيادة سورية الأسد… وسقط مشروع الشرق الأوسط الأميركي الصهيوني بآخر محاولاته في سورية بعد أن سقط في لبنان بفعل انتصارات المقاومة عامي 2000 و 2006، وبعد ذلك في العراق بتمكّن المقاومة هناك من إجبار قوات الاحتلال الأميركي عام 2011 على الرحيل عن العراق من دون النجاح في تحقيق ما جاء من أجله.. على أنّ هذه النتيجة هي ما تقلق قيادة العدو الصهيوني وتجعلها في حالة من التخبّط والاضطراب، خصوصاً أنّ انتصار محور المقاومة في سورية بقيادة الرئيس الأسد يترافق مع جملة من التطورات الإضافية التي تجعل البيئة الاستراتيجية من حول الكيان الصهيوني هي الأكثر خطورة عليه منذ نشأته على أرض فلسطين العربية عام 1948… وهذه التطورات تتمثل بالاتي:
أولاً: ازدياد قدرات الجيش السوري على كلّ المستويات التسليحية والقتالية، فهو خرج من الحرب من أقوى الجيوش في المنطقة يملك خبرات قتالية عالية المستوى في مختلف أنواع الحروب التقليدية والمدن والصحراء والجبال وحروب العصابات، إلى جانب استحواذه على أسلحة ردعية متطوّرة كاسرة للتوازن مع العدو الصهيوني، وأهمّها منظومة صواريخ «أس 300»، التي تستطيع، مع منظومات أخرى، حماية سورية وردع العدوانية الصهيونية وشلّ قدرة طيران العدو الحربي المتطوّر على شنّ اعتداءاته وحروبه…
ثانياً: تعزيز التلاحم بين أطراف حلف المقاومة بعد أن خاض، كتفاً إلى كتف، الحرب ضدّ الجيوش الإرهابية المدعومة أميركياً وعربياً وتركياً ومن الأنظمة الرجعية العربية، وانتصر عليها، وامتزجت دماء شهداء ضباط وجنود الجيش السوري مع ضباط وجنود إيرانيين وعراقيين والمقاومين اللبنانيين في ساحات وميادين القتال.. وبات محور المقاومة أمتن وأقوى وقد اتسعت دائرته لتشمل، إلى جانب سورية وإيران والمقاومة في لبنان والمقاومة في فلسطين، قوى المقاومة في العراق واليمن المنتصر على تحالف العدوان الأميركي السعودي…
ثالثاً: تعزز التحالف السوري الروسي وتحوّله إلى تحالف استراتيجي بعد أن أسهمت روسيا عبر سلاحها الجوي وخبرات ضباطها في دعم الجيش السوري في حربه ضدّ الإرهابيين وتحقيق الانتصار عليهم، في حين أوجد الحضور العسكري الروسي النوعي توازناً استراتيجياً في مواجهة القوة الأميركية، وساعد على إحباط مخططاتها.. وتجسّد تعزّز هذا التحالف السوري الروسي الاستراتيجي في الاتفاق المشترك على تكريس وجود القواعد العسكرية الروسية في طرطوس واللاذقية لمدة 45 سنة، وعودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية لاعباً أساسياً مما أضعف الهيمنة الأميركية وأوجد توازناً جديداً في القوى على المستويين العالمي والإقليمي يؤسّس إلى ولادة عالم متعدّد الأقطاب
هذه التطورات معطوفة على تنامي القدرات الردعية والقتالية للمقاومة في لبنان وازدياد قوة إيران الإقليمية تضاعف من قلق دوائر القرار في كيان العدو الصهيوني، فهذه الدوائر تشعر بأنّ جيش الاحتلال الصهيوني لم يعد قادراً على شنّ الحروب والانتصار فيها، وقوته الردعية تآكلت، ليس فقط تجاه سورية والمقاومة في لبنان، بل حتى تجاه المقاومة في غزة، في حين أنّ تراجع الهيمنة الأميركية وتوضع روسيا العسكري في سورية يعزّز من دور سورية التي أصبحت بعد انتصارها أقوى مما كانت علية قبل الحرب عليها، وسوف تلعب دوراً محورياً على صعيد استعادة النهوض العربي في مواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي ودعم القضية الفلسطينية ومقاومة وانتفاضة شعب فلسطين.. ومعروف أنّ كيان العدو الصهيوني قام على العدوان والتوسّع وعندما يصبح عاجزاً على مواصلة التقدّم فإنه يبدأ بالتراجع التدريجي، وهو تراجع يترافق مع تصاعد استنزافه بفعل اشتداد المقاومة في فلسطين المحتلة المدعومة من حلف المقاومة الذي يحاصر كيان العدو ويشلّ قدرات جيشه على شنّ الحروب، وهو الجيش الذي بات يفتقد الإيمان والقدرة على تحقيق النصر في الحرب، ويعيش تراجعاً في روح القتال والتطوّع مما يشكل، حسب صحيفة «يديعوت احرنوت» الصهيونية 24/12/2018 «الخطر الاستراتيجي الأكثر إثارة للقلق».. وتضيف الصحيفة «… فالأشخاص الجيّدون يهربون من الجيش، وهذه مشكلة أخطر من أية أنفاق في الشمال أو الجنوب»…
حسن حردان
إضافة تعليق جديد