العراق وإشكالية دول الجوار أم دول الجوار وإشكالية العراق؟
الجمل: برغم التوترات التي تصاعدت في المنطقة، بعد قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية بانتهاك الأجواء السورية يوم الأربعاء الماضي، فإن سورية ماتزال، تفي بالتزاماتها كبلد يتمتع بالوزن الكبير الهام إزاء التطورات الجديدة، المتعلقة بمنظومة صراعات مثلث شرق المتوسط، والتي تضم: الأراضي الفلسطينية، لبنان، والعراق، واليوم سوف تواصل سورية متابعتها للتطورات الجديدة المتعلقة بملف الصراع العراقي.
• المؤتمر الثاني لدول جوار بغداد:
يهدف مؤتمر دول جوار بغداد الثاني الذي سوف ينعقد اليوم إلى مناقشة بعض القضايا، ومن أبرزها:
- الوضع الأمني في المنطقة بالتركيز على تداعيات الوضع العراقي.
- العمل من أجل إحلال السلام وتحقيق المصالحة الوطنية.
- القضاء على ظاهرة العنف السياسي والطائفي والاثني.
- التوصل إلى حل مشترك لمشكلة اللاجئين العراقيين.
المؤتمر الأول لدول جوار العراق، تم عقده في 10 آذار 2007م الماضي، وقد تم في ذلك المؤتمر تحديد بعض الالتزامات التي تم الاتفاق حولها، وحالياً سوف يتم في المؤتمر الثاني متابعة وتقديم مستوى التقدم الذي تم تنفيذه حتى الآن، سواء فيما يتعلق بالتوصيات التي أصدرها المؤتمر الأول، أو مؤتمر مصر الذي انعقد بعده.
• العراق وإشكالية دول الجوار، أم دول الجوار وإشكالية العراق:
تطالب الإدارة الأمريكية و(حكومة نوري المالكي)، دول الجوار العراقي بالعمل من أجل حل مشاكل العراق.. وبمتابعتنا المستمرة في موقع الجمل، نود الإشارة إلى أنه من الخطأ تماماً طرح الأزمة العراقية بهذه الطريقة المعكوسة المضللة، وذلك لأن المشكلة والأزمة، لا يمكن صياغتها على أساس اعتبارات العراق وإشكالية دول الجوال، وإنما دول الجوار وإشكالية العراق.. وبكلمات أخرى: فإن المشكلة الموجودة في المنطقة، هي بالأساس مشكلة سببها الاحتلال الأمريكي المسلح للعراق، الذي واجهه العراقيون بالمقاومة المسلحة وغير المسلحة، وبسبب تصاعد وتزايد أعمال المقاومة والعنف والعنف المضاد، انتقلت التداعيات إلى دول الجوار، ولم تكتف سلطات الاحتلال الأمريكي وحكومة (المتعاملين معها)، بل سعى الطرفان إلى تحميل دول الجوار المسؤولية عن فشل سلطات الاحتلال الأمريكي والمتعاملين معها، في السيطرة على العراق.
بكل وضوح نقول: إن الشعب العراقي ودول الجوار العراقي تعاني من الاحتلال العسكري الأمريكي، وتعاني من (حكومة المتعاملين) التي نصبها الاحتلال الأمريكي، وإذا كانت من مهمة يتوجب على دول الجوار أن تقدمها من اجل تحقيق الاستقرار والسلام وإنهاء العنف، وعودة اللاجئين العراقيين إلى بلدهم، فهي: إنهاء الاحتلال العسكري الأمريكي، باعتباره الشرط الموضوعي الحاسم الذي يوفر البيئة الصالحة لجميع الأطراف العراقية، وتحقيق المصالحة وإنهاء أعمال العنف وتداعياتها..
• لعبة الشطرنج العراقية.. الأداء السلوكي لنظرية المؤامرة:
عجزت سلطات الاحتلال العسكري الأمريكي عن السيطرة على العراق وإخضاع العراقيين لنظام الإدارة الاستعمارية الأمريكية (المباشر)، ولجأت بعد ذلك في مرحلة لاحقة إلى التحول واستخدام نظام الإدارة الاستعمارية الأمريكية (غير المباشر) وذلك عن طريق تنصيب حكومة (المتعاملين) أو ما يعرف في العلوم السياسية بمصطلح (Pupet Gavernmant) .
أصبح واضحاً أن إدارة بوش تتعامل مع الوضع العراقي عن طريق الجمع بين الوضع العراقي الداخلي، والوضع الإقليمي، وذلك ضمن رقعة أشبه برقعة الشطرنج، وهي تريد تحريك كل القطع واستخدامها في اللعبة العراقية، وبكلمات أخرى: تريد أمريكا من كل طرف في المنطقة، بما في ذلك (حكومة المتعاملين العراقيين القيام بدور محدد وإلا واجه العقاب:
- إيران دورها المطلوب هو القيام بالسيطرة على الحركات الشيعية والإشراف على تهدئة جنوب العراق.
- تركيا دورها المطلوب هو (عدم إزعاج) الأكراد، أو إحباط الدور الفاعل الذي تقوم به الحركات الكردية في دعم وتوطيد سلطة الاحتلال العسكري الأمريكي.
- السعودية دورها المطلوب هو تقديم تحمل نفقات الاحتلال الأمريكي وتعزيز سلطة حكومة المتعاملين العراقيين، إضافة إلى المساعدة في القضاء على التمرد السني.
- سورية دورها المطلوب هو المساعدة في القضاء على التمرد السني وإرغام العراقيين على القبول بالاحتلال، والدخول في (بيت الطاعة الأمريكي- الإسرائيلي)، الذي تشرف على إدارته بالوكالة حكومة المتعاملين العراقيين.
- الأردن دورها مزدوج، يتضمن على الصعيد (المعلن) المطالبة باستقلال العراق وحل مشاكل العراقيين، ودعم حكومة (المتعاملين) العراقيين.. وغير ذلك. أما على الصعيد (غير المعلن) فهو تنسيق ودعم عملية التغلغل الإسرائيلي في العراق سواء بتسهيل مرور حركة السلع والخدمات الإسرائيلية إلى العراق، أو بتوفير الغطاء لحركة رجال الأعمال، وعناصر المخابرات الإسرائيلية إلى داخل العراق.
كذلك، تقوم المخابرات الأردنية بمتابعة اللاجئين العراقيين وجمع المعلومات عن حركات المقاومة العراقية، وعلى وجه الخصوص الحركات الإسلامية السنية، وتسليم الحصيلة للإسرائيليين والأمريكيين، وقد كانت عملية اغتيال المواطن الأردني أبو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة من أبرز ثمرات التعاون الاستخباري الأردني- الإسرائيلي- الأمريكي.
- الكويت دورها يتلخص باستضافة القاعدة العسكرية للقوات الأمريكية وللسفن الأمريكية، إضافة إلى تقديم المال، وقيام المخابرات الكويتية بجمع المعلومات الاستخبارية عن الفصائل والحركات العراقية الموجودة في جنوب العراق، وأيضاً رصد الوجود الإيراني في وجود العراق، وتقديم الحصيلة إلى أمريكا، وقد أثبتت المخابرات الكويتية كفاءة عالية في رصد جنوب العراق، وذلك بسبب التداخل السكاني العشائري بين مجتمع جنوب العراق والمجتمع الكويتي.
• محور تل أبيب- واشنطن ومحاولة إعادة ترتيب رقعة الشطرنج العراقية:
بعد الاجتماع السابق لدول جوار العراق، سعى محور تل أبيب- واشنطن، إلى تغيير الواقع الميداني القائم، وذلك على النحو الذي يؤدي إلى فرض المزيد من التهديدات، على دول جوار العراق، وذلك حتى تقوم هذه الدول بـ(تليين) مواقفها، وتسعى باتجاه تقديم المزيد من التنازلات و(التعاون) أكثر فأكثر مع أمريكا في السيطرة على العراق.
- سورية: وبعد استخدام الملف اللبناني في تليين الموقف السوري، تم اللجوء إلى الـ(ملف الإسرائيلي)، وتم تحريكه ضمن سيناريو تضمن المناورات والحشود الإسرائيلية في الجولان، وإرسال الإشارات المتضاربة حول مفاوضات السلام، وعندما لم يجد الأمر نفعاً لجأت الطائرات الحربية الإسرائيلية إلى انتهاك الأجواء السورية.
- تركيا: بعد فشل محاولات قطع الطريق على حزب العدالة والتنمية وحكومة رجب طيب أردوغان ووصول المرشح الإسلامي عبد الله غول إلى الرئاسة، وفي تحول مثير للانتباه، أعلنت الأطراف الأوروبية التي كانت تتشدد في رفضها لقبول تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي عن تعديل في مواقفها، وعلى وجه الخصوص فرنسا (ساركوزي)، وألمانيا (أنجيلا ميركل).. وبدا ثمة مشهد واضح يقول بأن الوعود الجديدة بضم تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، هي وعود تهدف إلى دفع الأتراك إلى تخفيف الضغط على الحركات الكردية الحليفة لأمريكا وإسرائيل، والتخلي عن (الفكرة الشيطانية) المتعلقة بالقيام بعملية اقتحام عسكري لشمال العراق.. وذلك لأن القيام بهذه العملية وأيضاً المضي قدماً في تبني الأجندة الإسلامية والشرق أوسطية، وبناء الروابط مع حركة حماس، ومطالبة إسرائيل باحترام حقوق الشعب الفلسطيني، وبناء الروابط مع سورية هي جميعها (أمور سوف تؤدي إلى عدم دخول تركيا في جنة الاتحاد الأوروبي).
- السعودية: كان السعوديون –وفي أمان الله- يقومون بدورهم المزدوج كالعادة، فمن جهة يدعمون التوجهات الأمريكية، ومن الجهة الأخرى يغضون النظر عن قيام الحركات والقوى السنية والوهابية بدعم الحركات والقوى السنية العراقية، وذلك على طريقة معاونة (أخوة الكفر) بيد، ومعاونة (أخوة الإسلام والعروبة) باليد الأخرى.
ولكن ذلك لم يعجب محور تل أبيب- واشنطن، وذلك لأن يد واحدة لا تكفي، وحالياً أصبحت الإدارة الأمريكية تريد اليد السعودية الأولى لها، واليد السعودية الثانية لإسرائيل، ولا مجال لمد أي (يد ثالثة) لأخوة الإسلام والعروبة من العراقيين المسلمين الذين يقاتلون الأمريكان في العراق، وقد بدأت الضغوط ضد السعودية منذ فترة، وقد وجدت هذه الضغوط بعض الاستجابات بدليل تحرشات وزير الخارجية السعودي بالقيادة السورية.. وغير ذلك.
وعموماً، نتائج مؤتمر العراق الثاني، هي في غاية الأهمية لإدارة بوش، وذلك لأن الجنرال بتراوس قائد القوات الأمريكية، سوف يشير في تقريره إلى أن دول الجوار العراقي سوف تساعد أمريكا في تحقيق الأمن والسيطرة على العراقيين وبأن التعاون مع دول جوار العراق أصبح أفضل، وبالتالي يتوجب دعم زيادة القوات الأمريكية، إعطاء سلطات الاحتلال الأمريكي المزيد من الفرص في العراق.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد