هل يستطيع براون إخراج السياسة البريطانية من بيت الطاعة الأمريكي؟
الجمل: تميزت الأسابيع الأولى لحكومة رئيس الوزراء البريطاني الجديد غوردونبراون باللهجة الجديدة المتفائلة، والتي تعد البريطانيين بإحداث تغيير جوهري عن طريق استحداث سياسة خارجية بريطانية تتميز بالاستقلالية عن السياسة الخارجية الأمريكية، والعمل من أجل دعم وتعزيز المصالح الوطنية البريطانية.
ولكن، بمرور الأيام والأسابيع، بدأ البريطانيون يحسون بأن توجهات حكومة غوردون براون وعلى وجه الخصوص بعد لقاء قمة براون- بوش، تسير على نفس منوال توجهات حكومة طوني بلير السابقة.. وبالذات في مجال السياسة الخارجية البريطانية التي مازالت عاجزة عن الخروج من (بيت الطاعة) الأمريكي.
• السياسة الخارجية البريطانية وأزمة التبعية الأمريكية:
تعاني السياسة الخارجية البريطانية من أزمة التبعية المطلقة لأمريكا في المجالات الآتية:
- الشرق الأوسط:
تقول المعلومات بأن غوردون براون أصبح يحاول دفع السياسة الخارجية البريطانية إلى اعتماد مبدأ قيام الشرق الأوسط الكبير كإطار أساسي لحل أزمات الشرق الأوسط، ولكنه في الوقت نفسه حتى لا يتهم من قبل البريطانيين بالتبعية لأمريكا سوف يسعى لتبني بعض التوجهات المخالفة لأمريكا، كأن يقوم بإدانة العدوان الإسرائيلي على لبنان، وما شابه ذلك، بحيث لا تتخطى توجهاته الجديدة نطاق التصريحات. وبكلمات أخرى لا يترتب عليها تبني مواقف ضد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي أو في الاتحاد الأوروبي.
- الأزمة الإيرانية:
الاتجاه الجديد في السياسة الخارجية البريطانية سوف يركز على العمل من أجل تشديد العقوبات وحالة العزلة ضد إيران، وفي الوقت نفسه عدم معارضة الضربة العسكرية ضد إيران إذا تمت بواسطة أمريكا أو إسرائيل، ودفع السياسة الخارجية البريطانية على التعامل مع الأمر على أساس اعتبارات (قبول الأمر الواقع).
- الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني:
سوف تحاول السياسة الخارجية البريطانية العمل باتجاه دعم محمود عباس، وحركة فتح، وفي الوقت نفسه دعم استقرار قطاع غزة، والعودة إلى صيغة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية على النحو الذي يدفع بعملية سلام الشرق الأوسط إلى الأمام.
- صراع دارفور:
سوف تحاول السياسة الخارجية البريطانية التعاون مع فرنسا والولايات المتحدة في جملة من المسائل، منها:
1- الضغط على الحكومة السودانية:
2- توفير المساعدات الإنسانية.
3- المشاركة في القوات الدولية.
كذلك سوف تتبنى الحكومة البريطانية الحوار مع الأطراف الافريقية الأخرى، وعلى وجه الخصوص الدول المجاورة للسودان، ودفعها باتجاه الضغط على الحكومة السودانية لحل الأزمة.
بقول الباحث البريطاني ديفيد هيلد، بأن السياسة الخارجية البريطاينة سوف تواجه إشكالية مزدوجة، تتمثل في ثنائية العمل من جهة باتجاه الالتزام بالقيم، ومن الجهة الاخرى اعتماد الفهم الواقعي الميداني.
وبالنسبة للسياسة الخارجية البريطانية فإن مبدأ الالتزام بالقيم يحتم عليها الاستمرار في الانسجام التام مع السياسة الخارجية الأمريكية، وهو انسجام ظل موجوداً طوال الفترات التاريخية الماضية، ولم يحدث مطلقاً أن تحالفت السياسة الخارجية البريطانية، مع السياسة الخارجية الأمريكية. أما اعتماد الفهم الواقعي الميداني، فهو أمر سوف يؤدي من جهة إلى تعزيز مصالح بريطانيا في العالم، ولكنه من الجهة الاخرى سوف يؤدي إلى المزيد من الخلافات بين بريطانيا وأمريكا.. وبكلمات أخرى يفهم البريطانيون جيداً أخطاء السياسة الأمريكية في سورية والعراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين.. ولكنهم لا يستطيعون تبني حلول منفردة، تعزلهم عن أمريكا.. وذلك لأن شبكة القيم التي تربط البريطانيين بالأمريكيين ضمن المجتمع الأنكلو- ساكسوني الواحد، هي شبكة يصعب على أي حكومة بريطانية مهما كانت الإفلات من قبضتها.
وعلى هذه الخلفية، فإن غوردون براون الذي كان من أبرز (صقور) الساسة البريطانيين المعارضين لتبعية رئيس الوزراء طوني بلير إلى إدارة بوش، قد أصبح الآن (حمامة) في التبعية لإدارة بوش، ومن سخرية القدر وسوء حظ البريطانيين أن الأمريكيين يدركون تماماً أن البريطانيين لا قدرة لهم على الاستغناء عن أمريكا، خاصة وأن الشركات ورؤوس الأموال البريطانية لن تستطيع الصمود لبضعة أيام دون الاقتصاد الأمريكي، وبالتالي أصبح الأمريكيون يتصرفون مع البريطانيين على غرار المعادلة: الإدارة الأمريكية تقرر وتتصرف والحكومة البريطانية تؤيد وتنفذ وتتبع.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد