عملية نشر الديمقراطية الأمريكية: دفعة إلى الوراء أم تقدم؟

الجمل: تذرعت إدارة بوش طويلاً بأن تدخلها في شئون منطقة الشرق الأوسط يهدف إلى نشر الديمقراطية فيها، وتأسيساً على ذلك، قامت الإدارة الأمريكية بتخصيص الميزانيات الهائلة من أجل تمويل مشاريع نشر الديمقراطية في المنطقة، على النحو الذي ترتب عليه تقديم الأموال إلى حركات المعارضة السياسية، بمختلف أنواعها، بالتركيز على القوى والحركات السياسية التي تمثل المعارضة السورية، والإيرانية، وغيرها من الدول الرافضة للمشروع الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية.
* مشروع نشر الديمقراطية: الغايات، الوسائل:
تضمنت مخططات مشروع نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، غاية رئيسية، تمثلت في الربط بين متناقضين لا يمكن الجمع بينهما وهما:
• إدماج إسرائيل في المنطقة وفق أجندة المشروع الإسرائيلي القائم على الهيمنة وسلب حقوق الآخرين.
• إرغام الشعوب على تطبيق نموذج لا يحمل من الديمقراطية سوى اسمها..
وفيما يتعلق بالوسائل، فقد لجأت أمريكا إلى دعم الأطراف التي لا تؤمن بالديمقراطية، كجماعات الإخوان المسلمين، والحركات الانعزالية اللبنانية، والمتعاملين العراقيين.
ركز الخطاب السياسي الأمريكي المتعلق بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، على أطروحة القيام بدفع المنطقة لتَمثُل التجربة الديمقراطية الغربية، وذلك على النحو الذي تجاهل فيه الأمريكيون تماماً أن الديمقراطية التي يحتكم إليها الغرب حالياً قد جاءت بعد مسيرة تطور اقتصادي – اجتماعي حضاري طويل، إضافة إلى أنها لم تفرض بواسطة قوى خارجية. وبكلمات أخرى، فإن التطور السياسي الأوروبي لم يأت نتيجة الضغط الخارجي، وإنما جاء نتيجة مسيرة طويلة للشعوب الأوروبية بدأت منذ فترة الكفاح من أجل فصل الدين عن الدولة خلال القرون الوسطى، وما أعقب ذلك من ثورة صناعية وتحول اجتماعي شمل مرافق الحياة كافة..
* مشروع نشر الديمقراطية: التحديات:
وأخيراً، بعد أن قطعت إدارة بوش شوطاً طويلاً في حروب أفغانستان والعراق، وفي ممارسة الضغوط على سوريا والفلسطينيين واللبنانيين، فقد اعترف واحد من "آل البيت" الأبيض –وتحديداً آل بيت اللوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد- فقد نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبي الإسرائيلي دراسة من إعداد اليهودي الأمريكي وخبير شئون الشرق الأوسط باري روبين، عنوانها «دفعة للوراء أم تقدم؟» وهو عنوان يعكس مدى الحيرة التي أصبحت تواجه "علماء" وخبراء تخطيط ونشر الديمقراطية في الشرق الأوسط التابعين لجماعة المحافظين الجدد، والذين سبق أن وضعوا مخططاتهم على أساس فرضية أن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط سوف يجعل الشعوب العربية تقبل طائعةً الخضوع لإسرائيل..
وبرغم إدراك باري روبين، لعدم نجاح المشروع الأمريكي، إلا أنه ما زال يحلم بالمضي قدماً في المشروع، غاضاً النظر عن الخسائر الفادحة الإضافية التي يمكن أن تتكبدها أمريكا وإسرائيل..
* أبرز تحديات باري روبين:
يشير باري روبين إلى أن تطبيق مشروع الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية قد أدى إلى صعود حماس وفوزها عبر صناديق الاقتراع، كذلك تشير الباحثة اليهودية الأمريكية –التركية الأصل- سونير كاغابتي، خبيرة اللوبي الإسرائيلي في الشئون التركية، بأن تركيا بعد ثمانين عاماً من الديمقراطية والعلمانية، قد وصلت إلى مرحلة سيطرة الإسلاميين على السلطة، والبدء في مشروع الانقلاب على المشروع الغربي..
ويرى الكثير من خبراء اللوبي الإسرائيلي المهتمين بعملية نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، بأن الولايات المتحدة إذا تمكنت حالياً من تحقيق النجاح في مشروع نشر الديمقراطية، فإنه بعد فترة من الزمن سوف تنقلب هذه الديمقراطية ضد أمريكا على غرار ما حدث في "النموذج الديمقراطي التركي" والذي كانت أمريكا وإسرائيل ودول غرب أوروبا تفتخر وتتباهى به كنموذج يتوجب على دول المنطقة الأخرى الاحتذاء به..
* توصيات باري روبين: المحاذير الجديدة:
يرى باري روبين بأن مشروع أمريكا لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط تواجهه عقبتان رئيسيتان:
• العروبة.
• الإسلام.
ويضيف روبين قائلاً بأن هاتين العقبتين هما اللتان أفشلتا التقدم في عملية نشر الديمقراطية، وذلك لأن الإصلاحات التي تعتبر ضرورة لنشر الديمقراطية لا يمكن القيام بها في ظل وجود هاتين العقبتين، لذلك يرى روبين ضرورة أن تتوخى الولايات المتحدة المزيد من الحيطة والحذر في تطبيق هذا المشروع، وذلك عن طريق الآتي:
• الاكتفاء بتطبيق الإصلاحات المحدودة.
• اتخاذ الحيطة والحذر إزاء صعود الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع.
• التركيز على تطبيق المشروع بشكل جزئي، بحيث لا تهدد الديمقراطية النظام الملكي الأردني، والمصري، والمغربي، والسعودي وبلدان الخليج الحليفة للغرب عموماً.
• اللجوء للأساليب البديلة عندما يكون تطبيق مشروع الديمقراطية سيؤدي إلى المخاطر والتهديدات كما في حالة "الديمقراطية الفلسطينية" التي أدت إلى فوز حماس.
• استخدام البدائل ذات الجاذبية: وهي البدائل التي تجمع بين مزايا الحفاظ على الأوضاع الداعمة لأمريكا وإسرائيل، وغير الداعمة لصعود أمريكا وإسرائيل في المنطقة، وذلك كما في حالة مصر، والتي سيؤدي تطبيق مشروع الديمقراطية فيها إلى فوز الإسلاميين وحلفاء حماس بالسلطة بلاً من أصدقاء أمريكا وإسرائيل..
ويخلص باري روبين إلى أن وجود العديد من الخيارات السياسية المتاحة أما الإدارة الأمريكية، ويشير إلى هذه الخيارات على النحو الآتي:
• عدم التشديد على قضايا حقوق الإنسان في مواجهة الأنظمة الحليفة للغرب.
• المحافظة بأي ثمن على أصدقاء أمريكا في المنطقة.
• تقسيم خارطة القوى السياسية الشرق أوسطية إلى قوى معادية للإرهاب وقوى متطرفة تدعم الإرهاب بحيث يتم دعم القوى المعادية للإرهاب مثل إسرائيل، الأردن، مصر، المغرب.
• الاعتراف بتعدد الآراء والمذاهب والانتماءات في الشرق الأوسط، ثم القيام بانتقاء ما يمكن أن يتماشى مع إدماج إسرائيل في المنطقة باعتبار أن هذا الإدماج يمثل الوسيلة الوحيدة الرئيسية لحماية المصالح الأمريكية..
ويخلص باري روبين إلى مطالبة الولايات المتحدة بالقيام بإجراء التقديرات والتخمينات الواقعية للموقف، وبالذات على النحو الذي سوف يترتب عليه استثناء بعض الأطراف والبلدان من مشروع نشر الديمقراطية، وتركيز وتكثيف الضغوط الأمريكية على الدول الشرق أوسطية "المتطرفة" من أجل تطبيق الديمقراطية..

الجمل: قسم الدراسات والترجمة