إستراتيجية التعاون الجديدة بين واشنطن ودول الشرق الأوسط
الجمل: تطرح الوقائع الجارية حالياً الكثير من الأسئلة حول التعاون الأمني الأمريكي مع بعض الدول والكيانات السياسية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التعاون الأمني، قد تضخم بقدر كبير خلال الفترة التي أعقبت غزو أفغانستان والعراق، ولم يعد تعاوناً ينحصر فقط في مجالات التعاون الاستخباري والمساعدات الاقتصادية والعسكرية، بل تعدى ذلك إلى حدود أكثر انكشافاً وعلانية، مثل الدخول في نطاق العمليات الميدانية والعسكرية واللوجستية والتدخل المباشر.
* النوايا الأمريكية الحالية:
يقول الخبراء، المعنيون بأمر المعونات الأمنية والعسكرية الأمريكية، بأن الإدارة الأمريكية تسعى من أجل إعادة بناء وتحديث جزء كبير من هياكل وبنيات تعاونها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في السنوات القادمة. وسوف تركز الإدارة الأمريكية على ضبط تعاونها مع دول المنطقة لجهة الاعتبارات التي تعزز بقاء وتواجد القوات الأمريكية في العراق، على النحو الذي يتيح لأمريكا ممارسة كافة الاستحقاقات المتعلقة باعتبارات القوة: وعلى وجه الخصوص الردع والاحتواء لأي خطر من شأنه أن يهدد سيطرتها الحالية والمستقبلية على العراق ومنطقة الخليج..
* البعد العسكري في التعاون الأمني الأمريكي:
تقول التحليلات بأن الولايات المتحدة –مع حلفائها (الأوروبيون) وأصدقائها في المنطقة (المعتدلون العرب)- يجب أن تعزز تجاوب قدراتها العسكرية مع التغيرات التي أصبحت دائمة الحدوث في البيئة الإستراتيجية الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط الكبير (الشرق الأوسط + الشرق الأدنى)، وذلك عن طريق إيلاء الاهتمام اللازم للعوامل التالية:
• ظهور خطر التهديدات الإيديولوجية والمذهبية، والفاعلين غير الحكوميين –مؤسسات ما دون الدولة- كتنظيم القاعدة، وحزب الله، وحركة حماس... وغيرهم، والذين بدأ خطرهم لا يهدد دولهم وحكوماتهم فحسب، بل ويهدد أمريكا ومصالحها.
• إعداد الترتيبات اللازمة للتعامل مع أساليب القتال التي تندرج ضمن مذهبية الحرب اللامتماثلة.
• إعداد الترتيبات اللازمة لقيام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وأصدقائها في المنطقة العرب المعتدلين، للمضي إلى ما هو أبعد من مجرد خوض الحروب المشتركة (مثل عاصفة الصحراء..) أو القيام بالتنسيق المشترك بين صنوف القوة العسكرية مثل القوات الجوية والبحرية والبرية، وذلك بحيث يتم التركيز في المراحل القادمة على إشراك قوى الأمن الداخلي وقوات الشرطة وأجهزة المخابرات على قدم المساواة مع صنوف القوى الأخرى في تنفيذ العمليات المشتركة.
• ربط التعاون الدبلوماسي بالتعاون الأمني والعسكري، وذلك بحيث يتم وصل الخيط بين الدبلوماسية والقوة، على النحو الذي يترتب عليه توحيد الجهود السياسية والجهود العسكرية ضمن مسار موحّد.
* إدراك الاعتبارات المتعلقة بالتباينات بين البلدان والأقاليم المختلفة:
يقول خبراء الشئون الإستراتيجية والأمنية، بأن على الولايات المتحدة أن تنظر بعين الاعتبار للفروق والتباينات بين البلدان والأقاليم المختلفة، بل وبضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بتكييف إستراتيجيتها الأمنية لجهة المرونة الكاملة في التعامل مع هذه الأطراف، وفقاً للمتغيرات الآتية:
• إدراك كل طرف لنفسه وللولايات المتحدة، ولعلاقته معها.
• إدراك كل طرف للتهديدات التي تواجهه، ولدوره ودور الولايات المتحدة في القضاء على خطر التهديدات.
• حدود ومدى قدرة كل طرف على تعبئة وحشد موارده المادية والمعنوية اللازمة لمواجهة التهديدات والمخاطر.
ويشير الخبير الاستراتيجي الأمريكي أنطوني كورديسمان، بأن دول منطقة الشرق الأوسط "الكبير"، تتضمن طيفاً واسعاً من الخصوصيات المتعلقة بها، والتي تميزها عن بعضها البعض، والتي بالضرورة توجب على الإدارة الأمريكية أن تسعى من أجل التكيف مع هذه الخصوصيات، وذلك تفادياً لتأثيراتها وتداعياتها المحتملة التي يمكن أن تؤثر سلباً على علاقاتها مع أمريكا:
• بالنسبة لدول شمال إفريقيا: يجب أن يكون تركيز أمريكا على التعاون الأمني من أجل تحقيق الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب.
• بالنسبة لدول شرق المتوسط: يجب أن تركز أمريكا حصراً على التعاون مع إسرائيل في كل شيء أولاً، ثم ثانياً أصدقاء أمريكا من المعتدلين العرب (مصر، لبنان، والأردن)، بحيث يكون التعامل مع إسرائيل استراتيجياً، أما مع المعتدلين العرب فيجب أن يكون تكتيكياً، وفي حدود حماية الأنظمة المتعاونة مع التوجهات الإسرائيلية من خطر السقوط في يد المتطرفين.
• بالنسبة لمنطقة الخليج: يجب أن تركز الولايات المتحدة على حماية الموارد النفطية، مع إعطاء الأولوية لاستخدام سياسة "العصا والجزرة" مع حكومات منطقة الخليج بحيث تكون "الجزرة" للحكومة التي تكرس جهودها من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية وعدم معاداة إسرائيل، و"العصا" للحكومات الخليجية التي تتردد إزاء حماية المصالح الأمريكية، أو تقوم بمعاداة إسرائيل.
* الإدارة الأمريكية: إشكاليات التعاون وتحديث القوات:
فعالية التعاون بين أمريكا ودول الشرق الأوسط، تتطلب من أصدقاء وحلفاء أمريكا في المنطقة، القيام بعملية إعادة تخطيط واسعة لقدراتهم العسكرية، وبشكل يتطابق تماماً مع الطريقة التي يخطط بها الخبراء العسكريون الأمريكيون القدرات العسكرية الأمريكية.
نموذج التخطيط الأمني – العسكري المطلوب من دول المنطقة الحليفة والصديقة لأمريكا يجب أن يركز على أولويات:
• إجراء التغييرات المطلوبة لجهة تعزيز دور القدرات العسكرية التقليدية في مواجهة تحدي الحروب اللامتماثلة (مثل حرب حزب الله ضد القوات الإسرائيلية).
• التعامل مع التهديدات الأمنية والعسكرية اللامتماثلة قبل وقوعها.
• مكافحة ومقاومة خطر نشر الأسلحة النووية.
• مكافحة الإرهاب.
عموماً، يشير الخبراء إلى أن تعاون الولايات المتحدة مع أصدقائها وحلفائها في المنطقة، من المتوقع أن يغطي في الفترة القصيرة المدى القادمة مجالات مكافحة الإرهاب، وتحديات الحرب اللامتماثلة، إضافة إلى ما هو أهم من ذلك، والذي يتمثل في عملية بناء الشراكة في المجالات الأمنية والعسكرية بين الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها المعتدلين العرب، وذلك على النحو الذي تستطيع فيه الإدارة الأمريكية إعطاء إسرائيل "استحقاقاً" أكبر في التغلغل والاندماج وممارسة القيادة والسيطرة نيابة عن أمريكا في هذه الشراكات الإستراتيجية والهامة بالنسبة لأمن إسرائيل، باعتباره المكون الأكثر أهمية لأمن الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط..
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد