سعد الحريري والبحث عن طوق النجاة
الجمل: توجهات الإدارة الأمريكية الداعمة لإسرائيل وسياساتها الخارجية التدخلية بالوسائل لعسكرية والاستخبارية والسياسية والاقتصادية ضد الشعوب العربية والإسلامية في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها إضافة إلى تصريحات رموز الإدارة الأمريكية المعادية للإسلام، أدت جميعها إلى تزايد المعارضة وروح الصراع غير المسبوق في المجتمعات السنية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ما يبدو فإن السنة اللبنانيون لن يكونوا بمعزل عن ذلك.
* السنة اللبنانيون: الأسئلة الحرجة:
يشكل السنة اللبنانيون ما يقرب من ثلث المجتمع اللبناني، وعلى أساس اعتبارات نظام المحاصصة الطائفية يسيطرون على مقعد رئيس الوزراء اللبناني.
توصيف الهرم المجتمعي السني يشير إلى وجود قاعدة سنية لبنانية كبيرة تتوزع السيطرة السياسية عليها بعض الزعامات من أبرزهم سعد الحريري أو الـ"شيخ" سعد -كما يحلو للبعض تسميته– ومن المعروف أن سعد الحريري يمثل حالياً أحد أهم أركان تحالف قوى 14 آذار المتحالفة مع أمريكا وإسرائيل ليس في الساحة اللبنانية وحدها وإنما في منطقة شرق المتوسط. وعلى خلفية تطرف سعد الحريري في الولاء لأمريكا من جهة وتزايد معاداة المجتمعات السنية لها، فهل سينجح الحريري في الاستمرار في دوره المؤيد للولايات المتحدة؟ وإن حاول ذلك، فكيف سيستطيع تطويع المجتمع السني اللبناني ليقبل و"يبتلع" ما يرفض سنة العالم والمنطقة ابتلاعه وتجرعه؟ وإن رفض السنة اللبنانيون استمرار زعامتهم في مسيرة التحالف مع الولايات المتحدة فهل سيتخلون عن الحريري وكتلته؟ وما هي الزعامات السنية الجديدة البديلة التي ستصعد إلى المسرح السني اللبناني؟ وهل ستكون معتدلة أم متطرفة؟ وإن أدرك سعد الحريري مخاطر الاستمرار في تحالفه مع الولايات المتحدة فكيف سيغير مواقفه؟ وهل سيغيرها فعلاً؟ أم سيلجأ إلى المناورة والالتفاف على المجتمع السني اللبناني بما يتيح البقاء لفترة أطول في الزعامة؟
* السياق المجتمعي السني اللبناني: بين الحراك والسكون:
حملة الجيش اللبناني الدامية ضد جماعة فتح الإسلام المتمركزين في مخيم نهر البارد بطرابلس شمال لبنان، لم تكن مجرد نزاع عسكري بين قوات "سيادة الدولة" و"جماعة مسلحة" خارجة على السيادة والقانون، وإنما كانت مؤشراً أولياً لعملية حراك أوسع قادمة وإن كانت لم تأخذ شكلها الشعبي الواسع. حيث كشفت معارك نهر البارد عن العديد من النتائج التي من أبرزها:
• وجود العديد من الجماعات السنية المسلحة الأخرى في لبنان.
• انخراط العديد من الشباب والعناصر السنية اللبنانية في هذه الحركات.
• عدم مصداقية الزعامات السنية وعلى وجه الخصوص سعد الحريري في التعامل مع الجماعات السنية، فهو في بداية الأمر كان يدعم هذه الجماعات من منطلق موقعه كـ"زعيم سني"، ولكن عندما تغير رأي الإدارة الأمريكية اختار الذهاب في مشروعها بإرسال الجيش وقوى الأمن للقضاء على هذه الجماعات التي كان يقدم لها بنفسه الغذاء والكساء والمأوى والمال.
ونلاحظ في فترة ما بعد نهر البارد أن المخطط الكلي الأمريكي إزاء لبنان ومنطقة شرق المتوسط بات أكثر نفوذاً وتأثيراً على الزعامة السنية وخطابها السياسي الذي يمثله في الساحة اللبنانية الـ"شيخ" سعد الحريري. أما على مستوى القاعدة السنية فمن الواضح أن التداعيات والوقائع والأحداث الجارية في الساحة اللبنانية والفلسطينية والعراقية والأفغانية قد أصبحت تفعل مفعولها، ومن أبرز النتائج الظاهرة ما يتمثل في:
• عدم القبول السني التورط في صراع ضد الشيعة اللبنانيين.
• التأييد السني –على مستوى الرأي العام- لمقاومة حزب الله والشيعة اللبنانيين للعدوان الإسرائيلي.
• تزايد شكوك الرأي العام السني اللبناني إزاء مصداقية مشروع قوى 14 آذار.
* الـ"شيخ" سعد والبحث عن طوق النجاة:
حتى وقت قريب كانت النخبة السنية العلمانية تسيطر على المجتمع السني اللبناني، وكانت هذه النخبة أكثر ذرائعية وبرجماتية في توجهاتها إزاء الغرب والولايات المتحدة وقضايا المنطقة، وتأتي بعد هذه النخبة من حيث الوزن والدور والمكانة النخبة السنية المتدينة التي ظلت غير قادرة على ممارسة النفوذ على الجوانب السياسية وذلك لأن التطورات الحضارية والمدنية في المجتمع اللبناني أدت إلى تراجع دورها الذي بات محصوراً في دائرة قضايا "الأحوال الشخصية" كالزواج والطلاق والميراث والقيام بدور الإمامة في الصلاة وغيرها من الشعائر الدينية. وعلى هذه الخلفية يمكن أن نتطرق إلى نوعين من النخب السنية الفاعلة في أوساط اللبنانيين:
• نخبة سنية ذرائعية – سياسية تتمركز في بيروت وصيدا ويتزعمها سعد الحريري ومجموعته وتتميز بالحراك السياسي الخارجي والتحالف مع أمريكا.
• نخبة سنية أصولية – سياسية تتمركز في بعض المناطق السنية اللبنانية ويتزعمها شباب سنيون مغمورون وتتميز بالحراك السياسي الداخلي والعداء لأمريكا.
هذا، ومن الصحيح أن كتلة المستقبل السياسية السنية (التي تمثل النخبة السنية الذرائعية) التي يتزعمها سعد الحريري تسيطر حالياً على الموارد المالية والإعلامية والسياسية الرسمية، أما النخبة السنية – الأصولية فهي تمارس سيطرتها على العمل التحتي المنظم والنشاط المتزايد في العمليات النفسية من أجل كسب العقول والقلوب في الشارع السني. بكلمات أخرى، فإن ثمة فرقاً بين النخبتين يتمثل في أن نخبة الحريري توظف الموارد السياسية التي تحت يديها من أجل دعم مصالحها الذاتية ودعم المشروع الأمريكي في لبنان والمنطقة، أما النخبة الأصولية فهي توظف الموارد المعنوية والبشرية من أجل دعم مشروعها السياسي الأصولي الخاص بها وتراهن في ذلك على رفض ومقاومة المشروع الأمريكي. الخلاف بين النخبتين لم يصل بعد إلى مرحلة الصراع الشامل، وإن كانت أحداث نهر البارد قد أدت إلى تعميق الاحتقان وتزايد التشدد الأصولي في هذه الجماعات، إضافة إلى اقترابها أكثر فأكثر باتجاه عناصر وجماعات المشروع الأصولي الشيعي.
مخاطر توجهات نخبة سعد الحريري السنية الموالية لأمريكا تطرقت إليها مؤسسة «كارينجي» الأمريكية وخصصت لها دراسة كاملة حملت عنوان «الإسلاميون السنة اللبنانيون: قوة نامية». هذا، وقد أشارت استنتاجات الدراسة إلى أن تطرف الشباب السني اللبناني يحدث بسبب:
• سوء الأوضاع الاقتصادية.
• التهميش الاجتماعي والسياسي.
• استخدام عنف الدولة.
• الانتقادات المتزايدة للمؤسسة السنية اللبنانية التي يتزعمها القباني لجهة ولائها لكتلة المستقبل.
حتى الآن يعتبر الـ"شيخ" سعد الحريري مجرد سياسي يافع مازال عوده ليناً مقارنة بالساسة اللبنانيين الآخرين معه في قوى 14 آذار الذين لم يكتفوا بتهميش الشيخ سعد وإنما نجحوا في توظيفه وتوجيه " دواليبه" في الاتجاه الذي يحلو لهم، وتشير التحليلات إلى أن عملية توظيف واستغلال الشيخ سعد قد حققت مكاسب كبيرة لصالح وليد جنبلاط وسمير جعجع وأعطتهما وزناً أكبر من حجمهما في الساحة السياسية اللبنانية، ومن سخرية القدر أن هذا الوزن الإضافي الذي حصلا عليه كان حسماً من رصيد السنة اللبنانيين ودورهم السياسي الذي أصبح ضمن حدود الهامشية الدنيا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد