إعادة رسم خارطة التحالفات الأوروبية - الأمريكية
الجمل: تشهد مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الأوروبية والأمريكية موجة اهتمام متزايد بقضايا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية الأوروبية، وما هو لافت للنظر في هذه الموجه أن الاهتمام بالسياسة الخارجية الأوروبية، أصبح يشكل جانباً فرعياً ضمن السياسة الدفاعية والأمنية الأوروبية، وذلك بشكل يومي، بحيث تطغى الملفات الدفاعية والأمنية على ملفات السياسة الخارجية.
* علاقات عبر الأطلنطي وإعادة توجيه مسار الأمن الأوروبي:
برغم بروز الاتحاد الأوروبي ككيان جيوسياسي دولي عملاق، فقد ظلت واشنطن ماضية في عملية ترويضه، وتحويله إلى مجرد صورة مستنسخة جديدة لأوروبا الغربية خلال فترة الحرب الباردة السابقة.
ركز محور واشنطن على استخدام العديد من المحاور في عملية ترويض الاتحاد الأوروبي، وكان من أبرزها:
• علاقات عبر الأطلنطي: ومارست الولايات المتحدة من خلالها الضغوط على العواصم الغربية.
• استخدام أحصنة طروادة: وتضمنت قيام واشنطن ببناء الروابط الوثيقة مع الكيانات الأوروبية الصغيرة مثل الدنمارك، بلجيكا، هولندا، إضافة إلى ضم دول شرق أوروبا الصغيرة الضعيفة مثل تشيكيا، أستونيا، ولاتفيا إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي على النحو الذي مكن واشنطن من بناء لوبي موالي لها من هذه الدول داخل الاتحاد الأوروبي.
* الإدراك الأمريكي للأمن الأوروبي:
تميزت إدارة بوش في فترة ما يعد أحداث 11 أيلول 2001م، بمنظورها الوحيد الاتجاه إزاء قضايا الأمن الأوروبي القائم على أساس اعتبارات:
• أن القارة الأوروبية تمثل إحدى الحلقات الهامة في بناء الدفاعات الأمريكية.
• إن حصول القارة الأوروبية على استقلاليتها الخاصة بها في شؤون الاقتصاد والأمن والدفاع سيشكل خطراً مهدداً للأمن الأمريكي.
• يتوجب على أمريكا استخدام مظلة التحالف مع أوروبا تحت مسميات الشراكة الأوروبية – الأمريكية، والتعاون الاستراتيجي الأوروبي – الأمريكي، وغير ذلك. كغطاء لاستخدام واستغلال موارد القارة الأوروبية.
وعلى أساس هذه الاعتبارات وغيرها، حددت أمريكا الاتجاهات والمسارات الحرجة لعلاقات عبر الأطلنطي، وأبرز هذه الاتجاهات يتمثل في:
• الاهتمام المتزايد بالأوضاع الأوروبية.
• السيطرة على مفاعيل العلاقات الأوروبية – الأمريكية.
* واشنطن والإمساك بمثلث لندن، باريس، برلين:
نجحت واشنطن في السيطرة على السياسة البريطانية خلال فترة رئيس الوزراء السابق طوني بلير، الذي لعب دوراً كبيراً في القيام بمهمة حصان طروادة الأمريكي داخل السياسة الأوروبي، وبعد رحيل بلير جاء غوردون براون والذي استطاعت واشنطن القيام باستثنائه وإعادة ترويضه داخل حظيرة الهيمنة الأمريكية، وكسبت واشنطن بصعود أنجيلا ميركل ذات التوجهات اليمينية – المسيحية إلى منصب المستشار الألماني، وأعقبها صعود نيكولا ساركوزي إلى قصر الإليزيه الفرنسي.
اكتمل مثلث السيطرة على الأعمدة الأوروبية الرئيسية الثلاثة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وبعد ذلك لجأت الإدارة الأمريكية باتجاه الانتقال إلى خطوة نوعية جديدة في ترويض القارة الأوروبية الغربية وتتضمن هذه الخطوة:
• إدماج دول الاتحاد الأوروبي أمنياً ضمن النظام الأمني الأمريكي العالمي.
• إدماج دول الاتحاد الأوروبي عسكرياً ضمن النظام الأمني العسكري الأمريكي العالمي.
الانتقال باتجاه هذه الخطوة جاء بعد نجاح أمريكا في إدماج اقتصاديات الاتحاد الأوروبي ضمن مشروع العولمة الاقتصادية، وما تبعه من إدماج دول الاتحاد الأوروبي ضمن النظام السياسي العالمي الأمريكي بعد أن تم استدراجها إلى ملفات الحرب ضد الإرهاب، والتعاون مع أمريكا في مجلس الأمن الدولي وغير ذك.
* تدويل حلف الناتو: هل يكون مشروع الإدماج العسكري الأمريكي للاتحاد الأوروبي؟
جاء اجتماع قمة حلف الناتو التي استمرت ثلاثة أيام في العاصمة الرومانية بوخارست على خلفية:
• أزمة حلف الناتو في حرب أفغانستان.
• أزمة توسيع حلف الناتو شرقاً.
تمثل أزمة الناتو في أفغانستان وأزمة توسيع الحلف باتجاه الشرق مجرد الجانب المعلن في أجندة واشنطن المدرجة على جدول أعمال علاقات عبر الأطلنطي، أما الجانب غير المعلن في هذه الأجندة فيتعلق بمشروع واشنطن الهادف إلى:
• إعادة رسم خارطة التحالفات الأوروبية – الأمريكية بما يؤدي إلى إعاقة وصول الاتحاد الأوروبي إلى مرحلة القوة العظمى المنافسة للولايات المتحدة، وفي هذا الصدد نشر الموقع الإلكتروني لمعهد المسعى الأمريكي التابع لجماعة المحافظين الجدد مقالاً تحليلياً أعده اليهودي الأمريكي ريتشارد بيرل زعيم جماعة المحافظين الجدد، طالب فيه الإدارة الأمريكية بضرورة تبني إستراتيجية تعامل خاصة إزاء فرنسا والسعودية، أهم ما فيها أن تركز واشنطن على تطبيق سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين إزاء باريس والرياض، لجهة أن تتعامل معهما واشنطن باعتبارهما حلفاء وأصدقاء، وفي الوقت نفسه أن تضع في اعتبارها أنهما عدوان لدودان لأمريكا ومستقبل المشروع الأمريكي.
• استخدام الناتو للقيام بشن حروب الوكالة نيابة عن أمريكا في العراق وآسيا الوسطى والشرق الأدنى وضد روسيا أيضاً، وتمكين إسرائيل من استخدام قوات الحلف للقيام بشن حروب الوكالة ضد الفلسطينيين وحزب الله اللبناني وربما سوريا بعد استدراج قوات الناتو إلى الشرق الأوسط بحجة محاربة الإرهاب.
تسعى الإدارة الأمريكية حالياً إلى القضاء على كل بؤر الحرب الباردة الغربية ضدها، وعلى وجه الخصوص الرأي العام الأوروبي الذي أصبح متزايد الانتقادات لتوجهات إدارة بوش في علاقات عبر الأطلنطي وحرب العراق وأفغانستان، وللزعماء الأوروبيين الموالين لأمريكا.
وتقول التوقعات، بأن الإدارة الأمريكية ترتب حالياً بالتنسيق مع جماعة المحافظين الجدد والدوائر الإعلامية حملة ضخمة لشن عملية نفسية كبيرة تستهدف دفع الرأي العام الأوروبي باتجاه دعم تعاون عبر الأطلنطي باعتباره صمام الأمان والحماية والسلامة والنمو الاقتصادي الأوروبي، وحماية الأمن الأوروبي من خطر الإرهاب وعدم الاستقرار.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد