“جوليا دومنا”.. الفيلسوفة السوريّة التي تربعت على عرش روما
سأل إمبراطور روما “سفيروس” المنجومون عن المرأة التي تصلح أن تكون زوجة له، فأخبروه أنه عند نهر العاصي في مدينة “أميسيا” أو حمص السوريّة، توجد فتاة جميلة وهي ابنة “كاراكلا” الكاهن الأكبر لإله الجبل أو إله الشمس، وأن طالعها يقول بأنها ستكون زوجة لأحد الملوك، وأنها رصينة العقل، قوية البيان، وأن النجوم تقول بأنها ستصبح إمبراطورة مهيبة، وهكذا تزوج “سفيروس” من “جوليا دومنا” عام ١٨٧م، وكان هو في الحادية والأربعين من عمره وهي في السابعة عشرة.
يحكي الدكتور الأستاذ “إمام عبد الفتاح إمام” في كتابة “نساء فلاسفة في العصر القديم” عن الفيلسوفة السوريّة التي تربعت على عرش روما، “جوليا دونا” أو “جوليا دومنا”، بعد أن تزوجت من “سفيروس” الذي أصبح بعد ست سنوات من زواجهما إمبروطوراً لروما وأنجبت “جوليا” منه ولدين “كاراكلا” ، و”جيتا” اللذين بعد وفاة والدهما قتل الأكبر منهما؛”كاراكلا”، أخيه “جيتا”، الأمر الذي عجّل في موت والدتهما.
سُك اسم “جوليا دونا” على أكثر من ٣٥٠ عملة مختلفة، كما وُجد اسمها على أكثر من ١٨٠ مبنى من المباني العامة والتماثيل المتناثرة في أنحاء إمبراطورية روما المترامية الأطراف.
يحكي الكتاب أنه على الرغم من انشغال “جوليا” بتأدية واجباتها الرسميّة بوصفها إمبروطورة، إلا أنها تابعت اهتماماتها الفكرية والثقافية ودراساتها الفلسفية، وكانت تقيم صالوناً ثقافياً تستضيف فيه علماء الرياضيات والفسلفة، وأنَّ التنجيم كان في ذلك الوقت جزءاً من الرياضيات، ويشير الدكتور إمام أنَّ “جوليا” احتفطت باهتمامها بالرياضيات والتنجيم منذ أن كانت في سوريا، كما أن أخت “جوليا”؛ “جوليا ميسا” وأبناء عمومتها وبعض أقاربها السورييّن كانوا يداومون أيضاً على الحضور والمشاركة في حلقاتها الفلسفية.
ويستطرد الدكتور “إمام” في التفريق بين المدرستين السفسطائيتين، ويقول: «يميّز الفيلسوف “فلو ستراتوس” في كتابه “حياة السفسطائيين” بين السفسطائية الأولى التي أسسها “جورجياس” في القرن الخامس قبل الميلاد، والسفسطائية الثانية التي أسسها “إسكينس” في القرن الرابع قبل الميلاد، الأولى كانت تتعلق بالخطابة الفلسفية، في حين أنَّ الثانية عالجت مواضيع الثقافة والسياسة ونقحّت فن الخطابة نفسه، وكانت المواضيع التي يطرحونها مستمدة من الأدب والتاريخ اليوناني القديم، وكانوا يستعرضون مهاراتهم في فن البيان».
حلقات “جوليا” الفلسفية وفق ما يحكي المؤرخون، كانت تضم مجموعة من رواد المدرسة السفسطائية الثانية، حتى أنَّ الفيلسوف الشهير “فلو ستراتوس” كان أحد الأعضاء البارزين في صالونها وكان من المقربين منها، وهو يقول في كتابه “حياة السفسطائيين”: «أنتمي إلى حلقة الإمبراطورة التي كانت معجبة للغاية بممارسة البيان والخطابة».
الفيلسوف الذي درس في طرطوس وخلدته “جوليا دونا”
ووفق كتاب “فلافسة نساء في العصر القديم”، فإن الإمبراطورة “جوليا” أمرت بتأليف عدة كتب عن الفلاسفة، ومنها الكتاب الذي أمرت الفيلسوف “فلوستراتوس” بتأليفه عن حياة الفيلسوف الفيثاغورثي “أبوللونيوس الطياني” الذي درس في طرطوس وسافر إلى الهند ونينوى وبابل واليونان وإيطاليا وإسبانيا وفارس، ونجى بأعجوبة من “نيرون”، وقد بنى له والد “جوليا” الكاهن “كاراكلا” معبداً سماه باسمه في سوريا، ويُقال أن “أبوللونيوس الطياني” أدان التضحية بالحيوانات من أجل الآلهة، وامتنع عن شرب الخمر وأكل اللحم، ولم يرتدي سوى الملابس المصنوعة من الكتان، وعاش حياة الزهد والفقر والعفة، ومارس طقوس المدرسة الفيثاغورية ومنها الصمت وضبط النفس والسيطرة على رغباتها والسير بقواعد الحكمة، وتعلم من الكهنة ورجال الدين من جميع البلدان التي زارها، فكان “أبوللونيوس” يمارس في حياته شيئاً من الزرادشتية والهندوسية ومن الديانة الفرعونية.
ماتت “جوليا دونا” قبل أن يكمل الفيلسوفَ “فلوستراتوس” تأليف الكتاب الذي أمرته بكتابته.
حبها لآلهة الشمس وللفلافسة
كانت “جوليا دونا” والفيلسوف “أبوللوينوس” يصليان لإله الشمس الذي برأيهمها يتحكم بالفصول الأربعة وهو مصدر الضوء والنور والنار والمسؤول عن انضاج المحاصيل.
ويذكر المؤرخون أنَّ “جوليا” استخدمت سلطتها لحماية الفلسفة والعلماء، وأنَّ الحركة الثقافية ازدهرت في عهدها، وتمتع الفلاسفة خلال فترة حكمها بالمكانة التي يستحقونها، كما أمرت بتأليف كتب عنهم وبتحليل أفكارهم ومناقشة فلسفتهم.
آلاء عمر : الحل
إضافة تعليق جديد