ما هي خسائر واشنطن من سياسة معاداة سورية

الجمل: تقول بديهيات علم العلاقات الدولية بأن العلاقات بين كيانات النظام الدولي أي نظام دولي، إما أن تكون علاقات تعاون تؤدي إلى الاستقرار والتكامل أو علاقات صراع تؤدي إلى العداوة والحرب. وأياً كان واقع العلاقات على خط دمشق – واشنطن فقد ظلت دائماً ترتبط بتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص منطقة شرق المتوسط.
* العامل الإسرائيلي: خارطة طريق واشنطن الخاصة نحو دمشق:
بغض النظر عن توجهات السياسة الخارجية الأمريكية السابقة إزاء سوريا فإن ما هو مهم حالياً يتمثل في خارطة الطريق الأمريكية الجديدة إزاء سوريا التي بدأت أولى محطاتها يوم 12 كانون الأول 2003م عندما وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش على الأمر التنفيذي الذي وضع قانون محاسبة سوريا والحفاظ على سيادة لبنان موضع التنفيذ ويقول الخبراء في الشأن الدولي بأن قرار محاسبة سوريا كان مثيراً للجدل والغرابة لجهة أنه يعطي الحكومة الأمريكية الحق في استخدام القانون الأمريكي لمحاسبة دولة أخرى، كما أنه يعطيها الحق في حماية سيادة دولة أخرى لم تطلب رسمياً ذلك من أمريكا. وبسبب هذه الغرابة فقد انتبه الخبراء والرأي العام الأمريكي إلى الأطراف التي دفعت ومارست الضغوط المتزايدة على الكونغرس الأمريكي حينها لكي يقوم بإصدار العديد من القوانين التي أشار إليها المحللون باعتبارها تمثل نقطة تحول بارزة دفعت بالسياسة الخارجية الأمريكية إلى "القفز في المجهول" وكان أبرز هذه القوانين:
• قانون محاسبة سوريا.
• قانون سلام السودان، و"محاسبة دارفور".
• قانون تحرير العراق.
وتبددت دهشة الخبراء أكثر فأكثر عندما أكدت المعلومات والتسريبات أن قانون محاسبة سوريا والحفاظ على سيادة لبنان قد تم إسناده بواسطة حملة سياسية كبيرة قام فيها تحالف واسع ضم:
• أعضاء مجلس النواب الأمريكي اليهود.
• أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي اليهود.
• صقور الإدارة الأمريكية.
• منظمات اللوبي الإسرائيلي.
• الصحف وأجهزة الإعلام التابعة لجماعة المحافظين الجدد.
إضافةً إلى أن نص مسودة القانون تم وضعه بواسطة اليهودي إبليوت إنجيل النائب الجمهوري عن ولاية نيويورك.
* قانون محاسبة سوريا: هل أضر بدمشق أم بدور واشنطن في الشرق الأوسط؟
تم تصميم بنود قانون محاسبة سوريا والحفاظ على سيادة لبنان بما يؤدي إلى دفع الإدارة الأمريكية باتجاه تبني سياسة خارجية شرق أوسطية تركز على سوريا ولبنان من أجل:
• الضغط على سوريا بأكبر قدر ممكن وصلاً إلى إكراهها على القبول بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل وفقاً للبنود التي تريدها تل أبيب.
• إخراج سوريا من لبنان بما يؤدي إلى فتح الساحة اللبنانية كمسرح سياسي أمني لإسرائيل.
تتضمن بنود القانون على العديد من الموجهات التي رسمت مسار السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا ولبنان ويمكن الإشارة إلى أبرز الملامح المتعلقة بالقانون على النحو الآتي:
• بالنسبة لسوريا:
* استخدام سياسة العصا والجزرة.
* تصعيد الاتهامات ضد سوريا.
* الدفع باتجاه المواجهة والإرغام.
* إعادة توجيه علاقات سوريا الإقليمية في المنطقة.
• بالنسبة للبنان:
* دعم الأطراف اللبنانية المعادية لسوريا وإضعاف تلك الداعمة لسوريا.
* القضاء على محفزات الروابط والعلاقات السورية – اللبنانية.
* تمهيد الساحة اللبنانية من أجل المزيد من التواجد الغربي والأمريكي الذي يعمل كواجهة للوجود الإسرائيلي.
وبسبب الطبيعة المتشددة، والتقنية الخبيثة العالية الدقة التي صاغ بها المحامي وعضو مجلس النواب اليهودي الأمريكي إنجيل مسودة القانون، فقد وجدت إدارة بوش نفسها غير قادرة على القيام بأي مبادرة أو خطوة إيجابية تجاه تطوير العلاقات السورية – الأمريكية بما في ذلك عدم القدرة على التفاهم مع السوريين لأن القانون يطلب ويفرض على الإدارة الأمريكية فرض المزيد من القيود والضغوط ويحرم على الإدارة الأمريكية القيام بكل ما يخالف ذلك إلا بإذن الكونغرس، وبالطبع لم ينسى من قام بإعداد القانون وضع البنود التي تقيد لجان الكونغرس نفسه بما يجعل من الصعب على مجلس النواب والشيوخ المكونان للكونغرس إبطال القانون أو إضافة أي استثناء يؤثر بالإيجاب على مسيرة العلاقات الأمريكية – السورية. الذين وضعوا القانون ودفعوا باتجاه فرضه كانوا يضعون نصب أعينهم أن يتحول القانون لاحقاً عن طريق التصعيد بما يؤدي إلى صدور قانون آخر على غرار نموذج قانون تحرير العراق الذي استندت إليه إدارة بوش في عملية غزو العراق واحتلاله.
* خارطة طريق قانون محاسبة سوريا: إلى أين؟
اقتصادياً فرضت الإدارة الأمريكية على سوريا الآتي:
• حظر الصادرات الأمريكية إلى سوريا ولما كانت سوريا قادرة على تغطية احتياجاتها من بلدان العالم الأخرى، فقد كانت الخسارة مزدوجة على أمريكا لأن الحظر أدى إلى حرمان صادرات السلع والخدمات الأمريكية ومن الاستفادة من السوق السورية، إضافةً إلى أن تغييب الحكومة الأمريكية للصادرات السورية أدى إلى إفساح المجال أمام صادرات البلدان الأخرى المنافسة لأمريكا والدخول بلا منافسة أمريكا إلى السوق السورية.
• منع الاستثمارات الأمريكية من الدخول إلى سوريا وقد أدى ذلك إلى حرمان الاستثمارات الأمريكية من الفرص الاستثمارية في سوريا وإفساح المجال أمام الاستثمارات المنافسة لأمريكا من العمل داخل سوريا.
• تقييد حركة الدبلوماسيين السوريين في مدينتي واشنطن ونيويورك وهو أمر لم يؤثر كثيراً على سوريا لأن مكان عمل هؤلاء الدبلوماسيين هو واشنطن ونيويورك ولكنه أثر سلباً على جهود الإدارة الأمريكية التي تحتاج إلى التفاهم مع الدبلوماسيين السوريين حول المشاكل العالقة على خط واشنطن – دمشق.
• منع الطائرات السورية من الهبوط أو الإقلاع في المطارات الأمريكية وقد أدى ذلك إلى حرمان أمريكا من خدمات الطيران والنقل الجوي السوري.
• تقليل الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية مع سوريا ترتب على ذلك أن حرمت أمريكا نفسها من التفاهم مع السوريين حول القضايا المتعلقة بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
• تجميد الأرصدة والممتلكات السورية أدى إلى حرمان المؤسسات المصرفية والبورصات الأمريكية من التدفقات السورية التي أصبحت تستفيد من تدفقاتها المؤسسات المصرفية والبورصات العالمية الأخرى المنافسة لأمريكا.
تقول دراسة نشرها الموقع الإلكتروني الخاص بمركز دراسات «كاتو» الأمريكي بأن الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس المتشددين سبق أن تجاهلوا نصائح المسؤولين الأمريكيين المختصين بالشؤون العربية والشرق أوسطية حول سياسة العراق وكان أن اندفعت الإدارة الأمريكية في تنفيذ مغامراتها العسكرية الخاسرة في العراق والتي أدت إلى هزيمة الجمهوريين في انتخابات الكونغرس وستؤدي بهم إلى خسارة الانتخابات الرئاسية القادمة.
والآن، بسبب تجاهل الإدارة الأمريكية وأعضاء الكونغرس المتشددين للنصائح والآراء المتعلقة بسياسة سوريا فقد ارتكبت إدارة بوش مغامرة استخدام الوسائل الدبلوماسية العدائية ضد سوريا وكان أول الثمار المرّة التي حصدتها إدارة بوش هو ما حدث مؤخراً في لبنان وهو الخطوة الأولى التي تبشر بأن مخطط عزل سوريا أصبح مؤدياً إلى عزل أمريكا عن الشرق الأوسط!!
بكلمات أخرى، فقد تبين أن خارطة طريق عزل دمشق قد أدى تطبيقها إلى العمل على عزل واشنطن!!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة