كيف أدارت طهران أزمة برنامجها النووي خلال خمس سنوات
الجمل: دخلت إدارة أزمة البرنامج النووي الإيراني مرحلة العد التنازلي الذي قد يترتب عليه في نهاية الأمر إما خيار التهدئة والحل النهائي، أو خيار المواجهة التي قد تكون بالوسائل العسكرية أو غير العسكرية كالحصار والعقوبات والمقاطعة.
* إدارة الأزمة على الجانب الإيراني:
ركزت معظم التحليلات والتقارير على رصد وتسليط الضوء على إدارة أزمة البرنامج النووي الإيراني من الجانب الأمريكي عن طريق متابعة التطورات والوقائع والأحداث الجارية والمحتملة في أروقة الإدارة الأمريكية ولكن على الجانب الآخر أي الجانب الإيراني لا توجد الكثير من التحليلات والتقارير التي ترصد وتحلل الكيفية التي ظلت على مدى خمسة سنوات تدير بها إيران أزمة برنامجها النووي في مواجهة واشنطن.
* دبلوماسية البرنامج النووي: خيارات طهران:
بدا واضحاً أن إدارة طهران لأزمة الملف النووي قد ركزت على المضي قدماً ضمن أربع مسارات هي:
• المسار الداخلي: ويتضمن عمليات الحشد والتعبئة وإعداد الجبهة الداخلية للحرب المحتملة.
• مسار الشرق الأوسط: وتتضمن قيام طهران بالتركيز على روابطها مع الأطراف العربية المتمسكة بحقوقها المشروعة، إضافةً إلى دعم حزب الله كوسيلة لردع إسرائيل، إضافة إلى دعم حركة حماس والجهاد الإسلامي وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية بما يتيح فرض المزيد من الضغوط على إسرائيل.
• مسار الخليج العربي: وتضمن قيام طهران باستخدام وسائل الردع الآتية في مواجهة واشنطن:
- دعم الفصائل المسلحة الشيعية بما يؤدي لـ"ترهيب" واشنطن من مغبة التمادي في إشعال المواجهة مع إيران، ودعم حكومة بغداد بما يؤدي إلى "ترغيب" واشنطن إذا فضلت عدم المواجهة مع إيران.
- تعبئة ودعم المجتمعات الشيعية الخليجية بما يعرض المصالح الأمريكية في الخليج للخطر.
• مسار روسيا – آسيا الوسطى: وتضمن قيام طهران بالعديد من التحركات الدبلوماسية لجهة:
- بناء تحالف نفطي مع روسيا وبلدان آسيا الوسطى على النحو الذي هدد بقطع الطريق على محاولات واشنطن للتسلل إلى نفط منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى.
- توطيد العلاقات والروابط مع بلدان آسيا الوسطى وروسيا على النحو الذي خلف انطباعاً ومخاوفاً أمريكية – غربية من احتمالات انضمام إيران إلى منظمة تعاون شنغهاي وهو انضمام لو تحقق ودخل حيز التنفيذ فإن الصين وروسيا تكونان قد عثرتا على موقع قدم كبير في الخليج العربي وجنوب العراق.
• المسار الدولي: ويتضمن قيام طهران بالتحركات الدبلوماسية الناشطة في مجلس الأمن الدولي واستخدام روسيا من أجل عرقلة المشروعات الأمريكية وفي أروقة الاتحاد الأوروبي عن طريق الدفع الدبلوماسي باتجاه جعل الأوروبيين يفهمون أن إيران لا تشكل تهديداً ضدهم، وأن مستقبل علاقاتهم مع محور طهران – موسكو سيعزز أمن الطاقة الأوروبي ويدعم مسيرة أوروبا للاستقلال عن نفوذ الولايات المتحدة.
* دبلوماسية دمشق الوقائية وتحدي إدارة الأزمة:
تزايدت وتصاعدت وتائر الصراع حول ملف البرنامج النووي الإيراني وما هو هام يتمثل في أن المعالم قد أصبحت واضحة إضافة إلى أن الأوراق التي في يد كل من طهران وواشنطن أصبحت مكشوفة وعلى هذه الخلفية يمكن الإشارة إلى العناصر الآتية باعتبارها تشكل الأساس لدبلوماسية دمشق إزاء الأزمة الإيرانية.
* سباقات الأزمة:
أزمة الملف الإيراني لم تظهر من الفراغ فهناك سباق تسلح نووي في شبه القارة الهندية انتهى إلى صعود الهند وباكستان كقوتين نوويتين إقليميتين وبسبب جوارهما الإقليمي لإيران لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار إيران استثناءاً عن سباق التسلح النووي في المنطقة، إضافةً إلى وجود إيران في منتصف المسافة الفاصلة بين القدرات النووية الأمريكية المتمركزة في الخليج العربي والقدرات النووية الروسية المتمركزة في منطقة حوض بحر قزوين.
* أطراف الأزمة:
ويمكن الإشارة إلى الأطراف الآتية:
• أطراف رئيسية: وتتمثل في طهران من جهة ومحور واشنطن – تل أبيب من الجهة الأخرى.
• أطراف ثانية: وتتمثل في باريس – لندن وبقية دول الاتحاد الأوروبي من جهة إضافةً إلى روسيا والصين من الجهة الأخرى.
* الأهداف والمصالح:
توجد مصلحة لإيران في تعزيز قدراتها التقليدية وغير التقليدية لجهة ردع المخاطر التي تهدد أمنها، وبالمقابل توجد مصلحة لإسرائيل في الحفاظ على تفوقها باعتبارها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط.
وبالنسبة لروسيا توجد مصلحة تتمثل في أن وجود إيران النووية الحليفة لها سيشكل حاجزاً أمام مخاطر القدرات النووية الأمريكية المتمركزة في الخليج العربي وبالمقابل تحاول أمريكا الحيلولة دون صعود إيران النووية لجهة حرمان روسيا من مزايا صعود الحاجز النووي الإيراني.
من الواضح أن فرصة دبلوماسية دمشق كبيرة لجهة القيام بحل أزمة البرنامج النووي الإيراني ولكن على ما يبدو ستظهر بعض الصعوبات التي قد تنتج من قيام طهران بطرح بعض المطالب المتشددة لجهة ضمان حق إيران الشرعي في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية إضافةً إلى الضمانات المتعلقة بعدم استهداف إيران بواسطة الولايات المتحدة وحلفائها.
آخر المعلومات يقول، بأن منظمة تعاون شنغهاي قد أقرت استمرار وجود إيران كعضو مراقب بجانب الهند وباكستان ومنغوليا، هذا، ومن المعروف أن منظمة تعاون شنغهاي المكونة من روسيا، الصين، كازخستان، كيرغيزستان، تركمانستان، أوزبكستان، تعتبر القوة الاستراتيجية الإقليمية الموازنة لحلف الناتو.
ديناميكيات دبلوماسية سوريا الوقائية إزاء الأزمة الإيرانية، لو تعاونت إيران معها، فإنه من المتوقع أن ينتقل توازن القوى الدولي إلى مرحلة جديدة يمكن أن يترتب عليها تصحيح الكثير من الاختلالات في موازين القوى الإقليمية السائدة حالياً في شبه القارة الهندية ومنطقة القوقاز والخليج العربي وشرق المتوسط وذلك لأن حل أزمة البرنامج النووي الإيراني بالوسائل الدبلوماسية سيترتب عليه تجنيب الأمن الدولي كارثة كبرى قد تنتج إذا اندلعت المواجهة العسكرية بين أمريكا وإيران، والتي ستتطور على وجه السرعة إلى حرب إقليمية مرتفعة الشدة طالما أن إيران قد هددت أمريكا مراراص وتكراراً بإزالة إسرائايل من الوجود!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد