الحرب الروسية – الجيورجية وخطة السلام الفرنسية
الجمل: أدى اندلاع صراع جورجيا – روسيا إلى تزايد إدراك المخاطر المحدقة بالأمن الأوروبي إضافةً إلى التقاط إشارة الإنذار المبكر باحتمالات اتساع نطاق دائرة الصراع إلى ما يشبه المواجهة الدولية الشاملة.
* الدبلوماسية الفرنسية: هل من دور جديد؟
بادر الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي إلى القيام بعبء التحركات الدبلوماسية الوقائية على خط تبليسي – موسكو وتقول التقارير الإخبارية بأن تحركات الرئيس ساركوزي قد نجحت في دفع الأطراف باتجاه الموافقة على صيغة خطة سلام تقوم على أساس إضافة بعض التعديلات لخطة سلام جورجيا السابقة التي سبق أن تم وضعها بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
تشير التحليلات إلى أن نجاح الدبلوماسية الفرنسية الوقائية سيترتب عليه حدوث تعديل إيجابي في صورة فرنسا الدولية، لجهة تحول باريس من مجرد عنصر في معسكر واشنطن إلى مركز يقوم بصنع السلام في البيئة الدولية المعاصرة.
إضافةً لذلك، فإن نجاح الدبلوماسية الفرنسية الوقائية في القوقاز والجارية حالياً على خط تبليسي – موسكو سيغير في أوزان مفردات وعناصر معادلة توازن الدور والمكانة بما يؤدي إلى تعزيز في:
• الحصول على مكانة أكبر في إدراك المجتمع الدولي والأطراف العالمية المتصارعة بما يعطي باريس المزيد من الثقة والمصداقية.
• الحصول على دور أكبر في مسارح الصراعات طالما أن خبرة باريس في حل النزاع قد أثبت فعاليتها في الحوار مع أطراف الصراع وإدارة مفاوضات ومساومات الأطراف المتصارعة.
إضافةً لذلك، فسوف تحصل باريس على وزن أكبر داخل الاتحاد الأوروبي لأن نجاح حل الصراع الجورجي – الروسي ونجاح دبلوماسية ساركوزي الوقائية معناه نجاح قيادة باريس للاتحاد الأوروبي.
* ماذا تقول خطة سلام ساركوزي الجديدة:
بادر الرئيس ساركوزي إلى الاجتماع مع الرئيس الروسي ميدفيديف واستطاع التوصل إلى إعلان لمبادئ خطة السلام الجديدة إزاء الأزمة الجورجية وتتمثل عناصر ومكونات هذه الخطة بالآتي:
• الاتفاق على عدم اللجوء لاستخدام القوة.
• وقف العمليات العسكرية.
• السماح بالوصول الحر للمساعدات الإنسانية.
• عودة القوات الجورجية إلى قواعدها الدائمة.
• عودة القوات الروسية إلى المواقف التي كانت تسيطر عليها قبل اندلاع القتال الحالي.
• أن تستمر قوات حفظ السلام الروسية في أداء مهامها مع السماح لها باتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات الأمنية الجديدة إلى حين يتم التوصل إلى الآليات الأولية لحفظ السلام.
• بدء المناقشات الدولية حول وضع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية وحول كيفية ضمان الأمن بينهما.
عندما يندلع الصراع فإنه لن يصبح أمام الأطراف سوى خيارين لا ثالث لهما وهما إما التصعيد المدمر، أو التهدئة البناءة وعند اندلاع صراع جورجيا – روسيا أشارت التكهنات إلى احتمالات التصعيد الأكبر باتجاه الحرب الكبيرة ولكن على خلفية تحركات ساركوزي وبتأثير الدبلوماسية الوقائية الفرنسية الجديدة فقد أعلن الرئيس الروسي ميدفيديف بشكل مفاجئ عن وقف العمليات العسكرية الروسية مباشرة بعد اجتماعه مع الرئيس الفرنسي ساركوزي.
لجهة الدلالة، فإن صدور إعلان الرئيس الروسي بوقف العمليات العسكرية وفي هذه المناسبة بالذات هو أمر يشير إلى أن جهود ساركوزي قد نجحت في تحويل مسار الصراع من خيار التصعيد المدمر إلى خيار التهدئة البناءة كما تقول مصطلحات الدبلوماسية الوقائية.
* ساركوزي وكيفية تفادي مصيدة الدبلوماسية الأمريكية:
ما زال نظام الرئيس الجورجي ساخاشفيلي يتمتع بالدعم والتأييد الأمريكي – الإسرائيلي القوي، وبسبب ذلك فقد أشارت بعض التحليلات الاستخبارية الأمريكية بأن الذي انهزم على يد القوات الروسية ليس جورجيا ولا نظام الرئيس ساخاشفيلي وإنما محور واشنطن – تل أبيب وبأن الانسحاب الحقيقي من ساحة المعركة لم يكن بواسطة الجنود الجورجيين وإنما بواسطة مئات الخبراء الإسرائيليين الذي لم تتمكن إسرائيل من توفير الطائرات لنقلهم وإجلائهم من ساحة المعركة الجورجية الأمر الذي دفعها إلى استئجار عشرات البولمانات لإجلائهم على وجه السرعة إلى أذربيجان المجاورة حيث كانت الطائرات العسكرية الإسرائيلية في انتظارهم لنقلهم إلى تل أبيب.
تقول التحليلات الجارية حالياً، بأن محور واشنطن – تل أبيب سيحاول جاهداً النفاذ عبر الاتحاد الأوروبي من أجل إحداث اختراق رئيسي يحيل الهزيمة إلى نصر وذلك عن طريق محاولة استخدام الثغرات الواردة في اتفاق خطة السلام لجهة الانقلاب على توازن القوى القائم حالياً سفي منطقة القوقاز.
• قبل العملية العسكرية الروسية كان توازن القوى في القوقاز يميل لصالح محور واشنطن – تل أبيب بما أغرى نظام ساخاشفيلي إلى محاولة القيام بعملية عسكرية ضد أوسيتيا الجنوبية لجهة تعزيز مواقفه واختبار قدرة روسيا على الرد لجهة مساعدة محور واشنطن – تل أبيب في تخمين رد الفعل الروسي المتوقع في حالة ضرب إيران، ومحاولة فرض استقلال كوسوفو على غرار الأمر الواقع.
• بعد العملية العسكرية الروسية تحول توازن القوى في القوقاز لصالح روسيا الأمر الذي دفع محور واشنطن – تل أبيب إلى إطلاق المزيد من التصريحات القاضية المصحوبة بعدم القدرة على تقديم المساعدة والدعم لساخاشفيلي الذي يعتبر من أخلص الذين وضعوا أنفسهم في خدمة المشروع الأمريكي – الإسرائيلي في القوقاز.
بالتأكيد سيواجه الرئيس ساركوزي المزيد من الضغوط المزدوجة على خط باريس – تل أبيب وعلى خط باريس – واشنطن إضافةً إلى ذلك سيجد الرئيس ساركوزي نفسه في مواجهة حلفاء أمريكا في الاتحاد الأوروبي إضافةً إلى ضغوط علاقات عبر الأطلنطي. المشكلة التي سيواجهها ساركوزي هي كيفية تطبيق خطة السلام في جورجيا خاصةً وأن الرئيس ساخاشفيلي صرح اليوم على نحو يفهم منه أن إدراكه للبنود المتعلقة بحفظ السلام والترتيبات الدولية ووضع كل من أوسيتيا وأبخازيا هو إدراك يقوم على المعايير المزدوجة التي تبطن خلاف ما تظهر وتظهر خلاف ما تبطن هذا، وبالتأكيد فإن الرئيس ساخاشفيلي لن يكون قد أطلق هذه التصريحات بمعزل عن التفاهم مع محور واشنطن – تل أبيب والتطمينات التي حصل عليها من أحد أطراف هذا المحور بتقديم المزيد من الدعم الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي طالما أنه يقوم بدور البروكسي الذي يخوض صراع الوكالة ضد موسكو.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد