شاعرات عربيات في دمشق: «48 ساعة شعر»
تحت عنوان «48 ساعة شعر»، استضاف فضاء « دار الفنون» ملتقى «شاعرات عربيات في دمشق» (10 ـ 11تشرين الأول/ أكتوبر)، وقد بدت مقاصد الملتقى الذي أقامته «دار الأوس للنشر» ملتبسة لجهة تخصيصه دورته الأولى «للشاعرات فقط». كأن هذا التصنيف خارج زمانه في بلد غادة السمّان، وسنية صالح، وعائشة أرناؤوط، ودعد حداد، ومرام المصري. وتبرر مديرة الملتقى، الشاعرة هالا محمد، هذا الخيار بالانسياق وراء فكرة شديدة الغواية تتعلق «بوعي الأنوثة في مجتمع كرّس ثقافة الاستبداد والجهل والتخلف». وبعبارة مجازية أخرى تضيف: «حُبّاً بالمذكّر واختيالاً بالأنثى».
في الواقع، فإن الشاعرات الـ 12 المشاركات نبذن هذه الفكرة في نصوصهن وعناوين دواوينهن: «رجولتك الخائفة طفولتي الورقية»، «أنت لي الآن»، «تحرّر»، «هيأت لك»... وإذا بطيف الرجل يحوم بين السطور، ويبرز بعنف كملاذ وحلم وخريطة طريق. هكذا، لم يكن مستغرباً أن تقول بانة بيضون ببساطة واعتيادية: «من المحزن أن يتحوّل الشغف إلى حنين. أن تصبح ضمير الغائب»، أو أن تعترف سمر عبد الجابر بقولها: «كثيف صداعي هذا المساء، كثيف كحضورك. كثيف جداً هذا المساء ولا يبدو أنّك سترحل». أما لوركا سبيتي فتهتف: «سيقتلني رجل واحد لم يخلقه إله».
تتفاوت تجارب أولئك الشاعرات في فهم جوهر قصيدة النثر التي يكتبنها جميعاً، ففيما تطغى الغنائية على قصائد نجوم الغانم «الإمارات» في وصف وحدتها ومحاولتها الفرار من جحيم العزلة بحثاً عن منفذٍ للحب «المخبأ تحت قميصها». تقع بروين حبيب (البحرين)، تحت وطأة الأسى والهجران، و«تصبح كتابتي كأساً فارغة في خزانة اللغة». أما أشجان الهندي (السعودية) فقد استعارت نبرة ذكورية ورائحة فحولة في استنطاق مكنوناتها، وإذا بقصائدها تطفح بالسيوف والتروس وماء عبس، وتفتتح إحدى قصائدها بالقول: «عندما شدّوا الرحالا» لتصل القصيدة لدى بعضهن إلى حدود البوح الذاتي والكلام ما تحت الشعري. وإذا كانت فاطمة قنديل (مصر) تشتغل في منطقة التفاصيل الحميمة جرياً على منجز حقبة الثمانينيات التي أغلقت تخومها على التماثل، فإن جيلاً جديداً يدير ظهره تماماً لما هو مألوف ومكرر، ليبتعد في المسافة إلى مناطق شعرية نائمة، وإيقاظها بعناصر مبتكرة تستفيد على نحو صريح من تحولات المشهد بمعناه البصري في المقام الأول. هكذا تتوغل تجارب نوال العلي (الأردن) وداليا رياض (العراق) وسمر عبد الجابر (فلسطين) وبانة بيضون (لبنان) في مناطق سردية تطيح تقليدية قصيدة النثر وركامها نحو مشهدية عالية، تمزج ببراعة بين مسرحة القصيدة واشتباكها مع اللحظة الراهنة بكل تشظياتها وعناصرها المهملة والسرّية وسحبها إلى بساط آخر، لعل السرد هو محركه الإيقاعي. تقول سمر عبد الجابر: «ثمة حياة في الأشياء المكسورة أحياناً كما الخزانة التي فقدت بابها من فرط ما تأرجح»، فيما تغامر نوال العلي في اختبار لغة سرديّة وحشية في اللعب على مفردات الضجر والفقدان والوهم بخفة الكائن الجوّال والعابر من دون يقين «ليس لك يد فألمسها، ولا حضن فأجلس فيه، ولا حضور فأملأه، ولا غياب فأحفظه. ليس لي إلا أن أغفو، أراك تتنهد ولا يمكنني سماعك». أما داليا رياض فتشتبك مع المنفى من موقعٍ مغاير. الوطن بالنسبة إليها مجرد ورم خبيث، بينما ينشب شجار بين زجاج النوافذ والقنابل، ويصير الوطن في نهاية المطاف، قارّة من الألم، واسماً مستعاراً ومسروقاً. لينا الطيبي لم تغادر منطقتها الأثيرة في ما أنجزته في حقبة سابقة لجهة اقتفاء أثر ذات محزونة وعزلاء، على حافة الانهيار «لو أن طائراً يخفق الآن، في هذه الغرفة، لو أن كأساً ينكسر». من جهتها تؤسس هالا محمد للضربات القصيرة في اقتناص لحظة هاربة محمّلة أسئلة وعلامات استفهام على حبال الزمن الضائع: «خائفة حيث لا أثر لي، أرجوك ناولني بعض الأغراض المبعثرة بقربك. فقط لأبعثرها بقربي».
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد