مستقبل أمن البحر الأحمر لمكافحة أعمال القرصنة
الجمل: برغم تعدد وقائع عمليات القرصنة التي تواجه حركة الملاحة البحرية في الكثير من أنحاء العالم، فقد تناقلت أجهزة الإعلام بشكل غير مسبوق استهدافات القراصنة لحركة الملاحة البحرية العابرة لمناطق جنوب البحر الأحمر وكان اللافت للنظر تزايد التحركات الدولية وبروز خلفيات الخطاب السياسي الذي يحمل الإشارات القائلة باحتمالات حدوث تحرك دولي حقيقي في المنطقة.
* سردية القراصنة:
استطاعت إحدى مجموعات القراصنة الصوماليين السيطرة على إحدى ناقلات النفط السعودية المحملة بشحنة نفطية تبلغ قيمتها 100 مليون دولار، واحتجزوا الناقلة مطالبين بدفع فدية قدرها 25 مليون دولار، ولم يكن حادث الناقلة السعودية هو الوحيد فقد سبقه العديد من حوادث القرصنة التي بلغ عددها حوالي 92 حادثاً خلال العام 2008م وحده، ويمكن الإشارة إلى الإحصائيات الخاصة بحوادث القرصنة في فترة الأحد عشر شهراً الممتدة من كانون الثاني 2008م حتى منتصف تشرين الثاني 2008م على النحو الآتي حسب ما ورد في الموقع الإلكتروني الخاص بجهاز الملاحة البحرية الدولي:
• إجمالي عدد حوادث القرصنة 92 عملية.
• إجمالي عمليات القرصنة الناجحة 36 عملية.
• إجمالي السفن المحتجزة حالياً لدى القراصنة 14 سفينة (بينها الناقلة السعودية).
• إجمالي البحارة المحتجزين 268 بحاراً.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات أن القراصنة باتوا يستخدمون الوسائط العسكرية – الميدانية الأكثر تطوراً في عملية ملاحقة حركة النقل البحري المقابلة للشواطئ الصومالية وتشير المعلومات كذلك إلى اتساع نطاق القرصنة وامتدادها إلى خارج المياه الإقليمية الصومالية وصولاً إلى المياه الإقليمية اليمنية وعلى وجه الخصوص منطقة خليج عدن وباب المندب ومنطقة خليج جيبوتي.
* الأبعاد غير المعلنة واحتمالات التدويل:
ظهرت عمليات القراصنة البحرية بشكل مكثف في مناطق جنوب شرق آسيا وعلى وجه الخصوص في المناطق البحرية التي يقع ضمنها أرخبيل الجزر الاندونيسية وشكلت هذه العمليات تهديداً كبيراً على النحو الذي استغلته البحرية الأمريكية لتعزيز تواجدها في المنطقة وفرض سيطرة الأسطول الخامس الأمريكي على ممر خليج ملقه الاستراتيجي الذي تمر عبره حركة الملاحة البحرية بين مناطق شرق آسيا (الصين – اليابان - الكوريتين) ومناطق العالم المهمة الأخرى (الخليج العربي – أوروبا – جنوب آسيا وشرق إفريقيا والشرق الأوسط).
تشير معطيات العلم الاستراتيجي إلى حقيقة أن السعي لجهة استغلال الـ"فرص" والاستفادة منها بـ"أكبر ما يمكن" يتطلب بالضرورة السعي من أجل التغلب على الـ"مخاطر" وتقليل أضرارها إلى "أقل ما يمكن"، ولكن على ما يبدو فإن معطيات العلم الاستراتيجي أصبحت حالياً تختلط بالكثير من عناصر ومعطيات نظرية المؤامرة وتحولت معطيات العلم الاستراتيجي متخذة سياقاً جديداً، يقول، بأن استغلال الفرص والاستفادة منها بأكبر ما يمكن يتطلب بالضرورة السعي من أجل التغلب على المخاطر وتقليل ضررها فإلى أقل ما يمكن، وذلك بما يترتب عليه استبدال الفرص القديمة بفرص جديدة، أفضل وأكثر منافعاً ومزايا ويتوقف الأمر على مدى النجاح في تنفيذ سيناريو المؤامرة المرسوم بدقة.
لقد ظهرت بعض الأصوات الخافتة التي طالبت قبل تدويل أمن البحر الأحمر بأقلمة أمن البحر الأحمر وكان طبيعياً أن تقف إسرائيل وحلفاؤها إلى جانب "التدويل" في مواجهة "الأقلمة" الذي سيترتب عليه تحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عربية!
أحداث القرصنة الصومالية وإن كانت أقل حجماً من أحداث القرصنة في أرخبيل الجزر الاندونيسية، فإنها قد وجدت اهتماماً كافياً لجهة حجم الأطراف الدولية والإقليمية الساعية حالياً لاحتواء الأزمة، وعلى هذه الخلفية تقول التسريبات والتقارير مشيرة إلى المعلومات الآتية:
• التحركات العسكرية:
- إرسال الهند لبعض قطع البحرية الهندية قبالة المياه الصومالية ومنطقة خليج عدن.
- التواجد المكثف لزوارق البحرية الإسرائيلية في منطقة خليج جيبوتي.
- تحرك بعض قطع الأسطول الخامس الأمريكي إلى خليج عدن.
- تزايد تحركات قطع البحرية الأمريكية الموجودة في ميناء «ممبسة» الكيني وميناء دار السلام التنزاني.
- تحركات بعض القطع البحرية الأمريكية والفرنسية الموجودة في ميناء جيبوتي.
- تحركات بعض القطع البحرية المصرية باتجاه باب المندب.
• التحركات الدبلوماسية:
- تسعى الخارجية اليمنية إلى تجميع تحالف يضم عشرين دولة لجهة الاتفاق على ترتيبات أمن البحر الأحمر ومكافحة القرصنة في مناطق جنوب البحر الأحمر الممتدة من خليج عدن وحتى السواحل الصومالية والكينية.
- تبذل الخارجية المصرية جهودها الحثيثة لمحاولة الإمساك بملف أمن البحر الأحمر والعمل على توظيفه في علاقاتها وروابطها مع محور واشنطن – تل أبيب.
- تحاول الخارجية السعودية التنسيق مع الخارجية اليمنية بحيث لا يقع ملف ترتيبات أمن البحر الأحمر تحت سيطرة الخارجية المصرية بما يتيح للقاهرة القيام باستغلال هذا السيناريو على غرار استغلالها لسيناريو قطاع غزة.
- تحاول الخارجية الأمريكية تسويق المزاعم التي تفيد لجهة أن تنظيم القاعدة وحلفائه في الحركات الإسلامية الصومالية واليمنية هم المسؤولون عن عمليات القرصنة التي تهدف إلى خنق حركة الملاحة في البحر الأحمر والتي سيترتب عليها تعريض الاقتصاد العالمي ونظام التجارة العالمية للمزيد من الضغوط.
ومن الواضح حالياً أن أزمة احتجاز ناقلة النفط السعودية ضمن الـ 14 سفينة محتجزة لدى القراصنة سيترتب عليها قيام واشنطن بفرض المزيد من الضغوط على بلدان الاتحاد الأوروبي وبعض بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا بإرسال قواتها البحرية على النحو الذي يرفع مستوى الحشود العسكرية البحرية المتمركزة في خليج عدن والبحر الأحمر والمناطق البحرية المطلة على السواحل الصومالية والكينية والتنزانية.
* جيوبوليتيك البحر الأحمر: إلى أين يمضي السيناريو؟
ليس البحر الأحمر مجرد بحر عادي وإنما هو الممر المائي الأخطر في العالم بسبب تمتعه بالمزايا الجيوبوليتيكية الآتية:
• وجود مضيق باب المندب الذي يقوم بدور بوابة البحر الأحمر الجنوبية ووجود مضيق قناة السويس التي تقوم بدور بوابة البحر الأحمر الشمالية.
• يربط البحر الأحمر بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.
• إغلاق الملاحة في البحر الأحمر سيترتب عليها توقف حركة الملاحة البحرية بين مناطق الصين ومناطق شرق وجنوب شرق آسيا ومناطق أوروبا.
هذا، وتشير معطيات الخبرة إلى أن إغلاق إسرائيل للملاحة في قناة السويس بعد حرب عام 1967م ترتب عليه إلحاق الخسائر الفادحة بحركة التجارة العالمية ولكنه في الوقت نفسه ساعد شركات النقل البحري وشركات التأمين في الحصول على الكثير من العائدات والمبالغ الطائلة بسبب ارتفاع تكاليف الرحلات البحرية التي تدور حول رأس الرجاء الصالح وارتفاع أقساط التأمين بسبب زيادة المخاطر والتهديدات.
تحليل الموقف على أساس اعتبارات الوضع الكلي يشير إلى وجود المعطيات الآتية:
• وجود توترات في مناطق جنوب البحر الأحمر وتحديداً بسبب الصراع الداخلي الصومالي – الصومالي، والصراع الإثيوبي – الصومالي إضافة إلى الصراع الداخلي اليمني – اليمني.
• وجود توترات مناطق شمال البحر الأحمر وذلك بسبب تزايد تداعيات أزمة غزة الأمنية والعسكرية والإنسانية.
• تزايد الوجود العسكري البحري الأمريكي في مناطق شرق المتوسط المطلة على البحر الأحمر الشمالي عند قناة السويس.
• تزايد الوجود العسكري البحري الأمريكي في مناطق بحر العرب وشمال غرب المحيط الهندي وشواطئ شرق إفريقيا المطلة على مدخل البحر الأحمر الجنوبي عند باب المندب.
• تواجد القوات الأمريكية غير المعلن الذي أصبح شبه معلن في مينائي الغردقة وسفاجة المصريين المطلين على البحر الأحمر، إضافة إلى تواجد القوات الأمريكية المعلن في جيبوتي المطلة على باب المندب.
تحليل المعطيات الميدانية الجارية يشير إلى أن التصعيد العسكري البحري والسياسي والدبلوماسي المتعلق بأزمة القراصنة الصوماليين ستسعى الولايات المتحدة بمساعدة مصر وإسرائيل إلى استغلاله لجهة نقل ملف أمن البحر الأحمر مباشرة إلى حلة التدويل دون المرور بحالة الأقلمة وذلك لأن وجود تحالف دولي يعنى بأمر البحر الأحمر سيتيح للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبقية حلفائهما السيطرة على كامل أمن البحر الأحمر، إضافة إلى أن ذلك سيتيح لإسرائيل الانخراط في الترتيبات الأمنية الخاصة بالبحر الأحمر جنباً إلى جنب مع السعودية ومصر والأردن واليمن والسودان وجيبوتي، على أساس أن إسرائيل دولة مطلة على البحر الأحمر عن طريق ميناء إيلات.
لم يتضح بعد شكل الترتيبات الأمنية المتوقعة ولكنها على ما يبدو ستأخذ طابع عمليات مكافحة الإرهاب التي يمكن أن تتم عبر العديد من المحاور:
• الدوريات والمناورات البحرية في مناطق حوض البحر الأحمر وذلك بالتركيز على منطقة باب المندب.
• الدوريات البرية التي تهدف لتمشيط الشواطئ الغربية والشرقية للبحر الأحمر.
وما هو متوقع الآن يتمثل في احتمالات تصعيد الأزمة أكثر فأكثر ونقلها إلى دائرة مجلس الأمن الدولي بما يؤدي إلى الدفع باتجاه تشكيل تحالف دولي عسكري يقوم بمهمة التدخل العسكري في الصومال والعمل على وضعها تحت الانتداب الدولي. وتشير المعطيات إلى أن بناء مثل هذا التحالف في ظل الظروف الحالية هو ممكن بسهولة طالما أن تهديد الملاحة في البحر الأحمر سيلحق الأضرار الفادحة بموسكو وبكين اللتان لن ترفضا مطلقاً المشاركة في أي تحالف دولي يستهدف الصومال إذا كان تصاعد الأزمة الصومالية سيتجاوز حدود الأراضي الصومالية لجهة تهديد الملاحة في البحر الأحمر.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد