التحركات العسكرية البحرية الأميركية-الإسرائيلية والنوايا المبيتة
الجمل: تحدثت التقارير والتسريبات عن حدوث المزيد من التحركات العسكرية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط, وبرغم التحليلات التي ظلت تؤكد بأنه لا وجود لأي حرب مؤكدة على المدى القريب, فإن هذه التحركات العسكرية تشير إلى احتمالات يصعب التكهن بمجرياتها: فما هي طبيعة هذه التحركات وما هي دلالاتها, والمؤشرات التي تنطوي عليها؟
التحركات العسكرية الأميركية-الإسرائيلية: ماذا تقول المعلومات الجديدة
على أساس الاعتبارات المتعلقة بالتحركات العسكرية الميدانية الشرق أوسطية, فقد ظلت المنطقة تشهد العديد من المناورات التي درجت القوات الإسرائيلية على القيام بها في مناطق شمال إسرائيل المتاخمة أو بالأحرى المقابلة لسوريا وجنوب لبنان, إضافة إلى سعي الطيران الإسرائيلي لجهة القيام ببعض الطلعات الجوية الاستفزازية في المنطقة, ولكن, ما هو جديد في هذه المرة تمثل في الطبيعة العسكرية البحرية الصرفة لهذه التحركات, وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• التحركات العسكرية في منطقة البحر الأحمر: قبل حوالي 72 ساعة عبرت قناة السويس مجموعة القطع البحرية, باتجاه البحر الأحمر, وأكدت معلومات شهود العيان, بأن عدد القطع كان 11 قطعة, ولجهة تحديد هويتها أشارت الإفادات بوجود 10 قطع أميركية, وقطعة واحدة إسرائيلية, ولكن, وكما درجت العادة, فمن الممكن أن يكون عدد القطع الإسرائيلية أكبر, ذلك أن قطع البحرية الإسرائيلية ظلت في معظم الأحيان تقوم برفع العلم الأميركي من أجل التمويه على هويتها, وعلى وجه الخصوص عندما تكون مبحرة في المناطق البحرية العربية. وإضافة لذلك أكدت الإفادات بأن حاملة الطائرات الأميركية, السفينة هاري ترومان كانت تمثل قيادة مجموعة القطع البحرية التي عبرت قناة السويس باتجاه البحر الأحمر, وأشارت المعلومات إلى أن السفينة ترومان تحمل على متنها 60 طائرة مقاتلة, إضافة إلى حوالي 6 آلاف من البحارة ومشاة البحرية الأميركية "المارينز".
• التحركات العسكرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط: يعتبر البحر الأبيض المتوسط من المناطق البحرية ذات الأولوية الاستراتيجية الفائقة الأهمية بالنسبة للانتشار العسكري الأميركي الشرق أوسطي والعالمي, ومن المعروف أن هذه الأهمية قد دفعت أميركا, إلى تخصيص الأسطول السادس الأميركي, لجهة التواجد والتمركز المستمر في البحر الأبيض المتوسط, وعلى وجه الخصوص مناطق شرق المتوسط, والمضايق والممرات البحرية الموجودة في منطقة بحر إيجة وسواحل جنوب إيطاليا واليونان. وأشارت المعلومات إلى أن حاملة الطائرات الأميركية السفينة ترومان كانت تتمركز على رأس قطع الأسطول السادس الأميركي, وقد تحركت في مطلع هذا الشهر باتجاه الخليج, ولكنها, وعلى خلفية توازنات العملية العسكرية الإسرائيلية ضد سفن قافلة كسر الحصار على غزة, أبحرت حاملة الطائرات ترومان باتجاه البقاء في مياه منطقة شرق المتوسط, وبعد مرور بضعة أيام أكدت المعلومات الجديدة بأن حاملة الطائرات ترومان عادت مرة أخرى لمواصلة الابحار نحو مياه البحر الأحمر, وعلى رأس القطع الأميركية-الإسرائيلية التي عبرت مؤخرا قناة السويس. شاركت العديد من قطع الأسطول السادس الأميركي في المناورات العسكرية الاخيرة مع الإسرائيليين, وتشير المعلومات والتقارير بأن منطقة شرق المتوسط, وتحديدا المنطقة الجنوبية الشرقية من البحر الأبيض المتوسط, هي منطقة التركيز الرئيسية لتحركات قطع الأسطول السادس الأميركي, والقطع البحرية الأميركية الإضافية والتي وإن كانت تأتي بشكل متقطع خلال الفترات الماضية, فإن وجودها في الوقت الحالي أصبح يشكل ظاهرة مستمرة في المنطقة, وخلال الأشهر الماضية جاءت الى المنطقة الحاملة أيزنهاور ومجموعة الضربة المرافقة لها, وجاءت الحاملة نيميك ومجموعة الضربة المرافقة لها, وجاءت الحاملة ترومان ومجموعة الضربة المرافقة لها.
المثير للاهتمام والملاحظة في التحركات البحرية الأميركية-الإسرائيلية هذه المرة, يتمثل في أن تأثيرها أصبح يتخطى دائرة الحكومات إلى دائرة الرأي العام, وفي واقعة مثيرة للاهتمام, فقد تجمع آلاف المواطنين المصريين على طول امتداد شاطئ قناة السويس الغربي, وهم يتظاهرون منددين ليس بالتحركات العسكرية الأميركية-الإسرائيلية البحرية وحسب, وإنما بموقف الحكومة المصرية المتواطئ لجهة تقديم الموافقات والتسهيلات الفورية لحركة مرور القطع البحرية الأميركية والإسرائيلية عبر قناة السويس جيئة وذهابا.
ماذا وراء التحركات العسكرية البحرية الأميركية-الإسرائيلية: الأسئلة الحرجة؟
ترتبط التحركات العسكرية, أيا كانت بحرية, جوية, برية, بمعطيات تطبيق الحرب, وعلى أساس اعتبارات التحليل والدراسة فإن الحرب تمثل علما قائما بذاته, وبالإسقاط على الشرق الأوسط, يمكن أن ندرج الأسئلة الحرجة التالية:
• كيف سيكون شكل الحرب الشرق أوسطية القادمة؟ وهل ستكون على شاكلة الحروب الماضية, التي تضمنت استخدام القوات الجوية والبرية أم أن القوة البحرية سوف تكون أحد مكوناتها الهامة هذه المرة؟
• كيف سيكون شكل التخطيط والمناورة وممارسة مهام القيادة, وبكلمات موجزة ما هو شكل الاستراتيجية وشكل التكتيك الجديد في الحروب الشرق أوسطية الجديدة؟
• كيف يمكن الإعداد مدنيا وعسكريا لمواجهة تأثير العامل العسكري البحري الجديد على الحروب المحتملة.
• ما هو شكل التحالفات المحلية والإقليمية والدولية المحتملة خلال فترة الحرب المحتملة القادمة؟
تزايدت التحركات العسكرية البحرية الأميركية-الإسرائيلية الجديدة في المناطق البحرية الشرق أوسطية الرئيسية الخمس: البحر الأبيض المتوسط – البحر الأحمر – بحر العرب – منطقة الخليج – منطقة خليج عدن, ومن الخطأ بمكان تفسيرها وفهمها على أساس أنها تحركات ترتبط حصرا بأزمة الملف النووي الإيراني, ومن الواضح والمؤكد أن الملف النووي الإيراني أصبح يمثل الذريعة المعلنة التي توفر الغطاء لجهة القيام بهذه التحركات البحرية, والتي هي على المستوى الحقيقي غير المعلن, تمثل شراكة عسكرية بحرية إسرائيلية حقيقية, تسعى إلى إكمال بنود جدول أعمال إسقاط القوة البحرية الأميركية-الإسرائيلية في كل المناطق البحرية الرئيسية الشرق أوسطية, وذلك بما يتيح لمحور واشنطن تل أبيب تعزيز وإكمال الفصل الثاني من مخطط إسقاط القوة العسكرية والذي بدأ فصله الأول بعمليات إسقاط القوة البرية الأميركية عبر سلسلة القواعد العسكرية البرية والجوية الأميركية التي تم نشرها في العراق والسعودية وبلدان الخليج, وذلك بما يتيح وبشكل نهائي إكمال عملية الاحتلال العسكري البحري غير المعلن للمناطق البحرية العربية الرئيسية الأربعة.
وبالنتيجة, فإن الأكثر توقعا هو عدم حدوث أي مواجهة عسكرية مرتفعة الشدة طالما أن أميركا قد حصلت على تسهيلات غير محدودة بواسطة حلفائها في المنطقة, والذين حرصوا على تزويد أميركا بما جعل واشنطن تحصل عن طريق حلفائها على ما لن تستطيع الحصول عليه عن طريق الحرب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد