اليوم العالمي لحرق القرآن وموقف مجلس الكنائس العالمي
الجمل: أعلنت إحدى الكنائس المسيحية المستقلة الأمريكية في بلدة غاينسفيل التابعة لولاية فلوريدا الأمريكية بأنها سوف تنظم فعالية كبرى علنية لحرق القرآن: ما هي خلفيات ما يجري ويحدث في هذه الكنيسة؟ وما هي علاقة ذلك بالحملات الدائرة في الغرب ضد الإسلام والمسلمين؟ ومنا هي تداعيات ذلك على العلاقات الإسلامية-الغربية؟
* كنيسة غاينسفيل المستقلة: ماذا تقول المعلومات؟
قامت مجموعة من المتطرفين المسيحيين بتأسيس مجمع كنسي أطلقت عليه تسمية «مركز نشر البراءة العالمي Dove World Outreach Center » والذي هو عبارة عن كنيسة مسيحية مستقلة عن المجامع الكنسية العالمية المعروفة ولا ترتبط بأي مرجعية عالمية مسيحية معروفة، وهي فقط تعبر عن قراءة خاصة للخطاب المسيحي يقوم بها القائمون بأمر هذه الكنيسة.
على خلفية ثقافة التطرف الديني الذي تسير على نهجه هذه الكنيسة، فقد ألف زعيمها الروحي باستور تيري جونيز كتاباً معادياً للدين الإسلامي، حمل عنوان «الإسلام الشيطاني»، ولم يكتفِ جونيز بذلك، وإنما سعى إلى التحرك خطوة أخرى في اتجاه معاداة الإسلام. وفي هذا الخصوص، نشير إلى النقاط الآتية:
• أعلنت الكنيسة أنها سوف تنظم ما أطلقت عليه تسمية «اليوم العالمي لحرق القرآن».
• وزعت الكنيسة الدعوة للعديد من الدوائر والمنشآت الرسمية والخاصة، إضافة إلى العديد من الشخصيات المعادية للإسلام.
• أطلقت الكنيسة موقعاً على شبكة الإنترنت خصصته لحملة العداء ضد الإسلام والمسلمين والقرآن الكريم.
• حددت الكنيسة يوم 11 أيلول (سبتمبر) لإطلاق فعاليات ما أسمته «اليوم العالمي لحرق القرآن».
• نشرت الكنيسة على موقعها الإلكتروني ما أطلقت عليه عنوان «10 أسباب تدعو لحرق القرآن»، والأصل موجود على الرابط
• أجرت شبكة سي إن إن CNN حواراً مع زعيم الكنيسة باستور تيري جونيز، يمكن العودة إلى الأصل عبر الرابط
• تضمنت دعوة الكنيسة، حث المسيحيين من أجل المشاركة في فعاليات «اليوم العالمي لحرق القرآن» من خلال المشاركة في عملية الحرق التي سوف تمتد من الساعة 16:00 إلى الساعة 21:00.
• أطلقت الكنيسة موقعاً خاصاً على قناة اليوتيوب بهدف تعزيز حملتها وتوصيل رسالتها.
سعت جميع المجامع الكنسية العالمية المعروفة إلى معارضة توجهات كنيسة مركز نشر البراءة العالمي. وكان لافتاً للنظر أن المجاميع الكنسية الأنجيليكانية البروتستانتية الأمريكية كانت من أبرز المعارضين، إضافة إلى المعارضة القوية التي أبداها مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية. ولكن، وبرغم ذلك، مازال زعيم كنيسة مركز نشر البراءة باستور جونيز أكثر إصراراً وحماساً لجهة إقامة فعاليات ما أطلق عليه تسمية «اليوم العالمي لحرق القرآن».
* حملة بناء الذرائع ضد الإسلام: ماذا تقول معطيات نظرية المؤامرة؟
على خلفية أحداث إنفجارات 11 أيلول (سبتمبر) 2001م، اندلعت موجة عارمة من الغضب الأمريكي والغربي، والتي سعت على الفور دوائر اللوبي الإسرائيلي والجماعات اليهودية-الليكودية، وجماعات المسيحية-الصهيونية إلى استغلالها وفقاً لتوظيف آليات توجيه طاقة الغضب الشعبي الأمريكي باتجاه إبراز المزيد من الكراهية ضد الشعوب العربية والإسلامية، وفي هذا الخصوص فقد برزت المؤشرات التالية:
- تزايدت الانتقادات والتصريحات المعادية للإسلام والمسلمين والعرب بواسطة رموز الإدارة الأمريكية، بما في ذلك الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني.
- تواتر ظهور المواد الصحفية والإعلامية المعادية للإسلام والمسلمين والعرب.
- تواتر ظهور مراكز الدراسات والكيانات الخاصة المعادية للإسلام.
- تزايد الضغوط الأمريكية على البلدان العربية والإسلامية لجهة مساندة جهود الإدارة الأمريكية في مشروع الحرب المفتوحة ضد الإرهاب.
- تزايد ظهور المفاهيم الأمريكية-الأوربية الغربية الساعية لجهة الروابط والمطابقة بين مفهوم الإرهاب ومفهوم الإسلام، وبين ثقافة الإرهاب وثقافة الإسلام.
- تزايدت الإجراءات التعسفية ضد العرب والمسلمين الموجودين في الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوروبية الغربية.
- تواتر حملات الاستهداف التشريعي-القانوني الأمريكية والغربية ضد العرب والمسلمين، بما تضمن سن المزيد من القوانين والتشريعات وصدور القرارات التي لا تعرقل دخول العرب والمسلمين إلى أمريكا والبلدان الأوروبية الغربية وحسب، وإنما تفرض المزيد من القيود والشروط الجائرة في حق العرب والمسلمين المقيمين في أراضيها.
لم تقتصر حملة بناء الذرائع ضد العرب والمسلمين والإسلام على الأبعاد الإعلامية، وإنما تجاوزت ذلك بقدر أكبر، تحولت وفقاً له إلى حملة ذات معطيات تنطوي على قدر كبير من آليات تحويل العنف الرمزي ضد العرب والمسلمين والإسلام إلى عنف مادي هيكلي، بما يتضمن المزيد من التحركات التي سعت إلى:
- محاربة ارتداء الأزياء الإسلامية في الغرب والولايات المتحدة.
- محاربة بناء المساجد ودور العبادة الإسلامية في الغرب والولايات المتحدة.
هذا، وما هو جدير بالملاحظة تمثل في أن صعود حملة بناء الذرائع ضد الإسلام والمسلمين والعرب قد جاء بشكل متزامن مع حملة إسرائيل ضد الآثار والرموز الإسلامية في فلسطين المحتلة، وعلى وجه الخصوص السعي الإسرائيلي لاستهداف المسجد الأقصى وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في القدس، إضافةً إلى إعلان إسرائيل قرار ضم المسجد الإبراهيمي الموجود في الخليل.
* إعادة إنتاج مخزونات الكراهية: خارطة طريق اللوبي الإسرائيلي الجديدة
تحدثت التقارير والتسريبات عن قيام دانيال بايبس –أحد زعماء جماعة المحافظين الجدد- بإنشاء مركز دراسات أطلق عليه اسم «مركز دراسات مكافحة الإسلام»، وتواترت بعد ذلك ظهور المزيد من مراكز الدراسات والبحوث الأمريكية والأوربية الغربية الساعية إلى تحليل الخطاب الإسلامي، بما يتيح إعادة إنتاج خطاب ثقافي يولد المزيد من مفاعيل طاقة التعبئة السلبية الفاعلة في أوساط الرأي العام الأمريكي والأوروبي الغربي ضد الإسلام والمسلمين والعرب، وذلك بما يتيح لاحقاً تفعيل مخزونات الكراهية ضمن واحدة من أكبر عمليات التمييز وإقصاء الآخر العربي-المسلم.
تقول التسريبات والمعلومات، بأن مؤسسة «بيت الحرية الأمريكية» ظلت تقوم بشكل دائم بتلقي أموال الدعم الحكومي من جانب وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المعونة الأمريكية إضافةً إلى بعض الكيانات الأخرى المعنية بتقديم الدعم. وتشير المعلومات والتقارير إلى أن مؤسسة «بيت الحرية» هذا –والتي يطلق عليها الأمريكيون بيت الشيطان- ظلت تقوم بالآتي:
• تمويل مراكز الدراسات التابعة لجماعات اللوبي الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص: معهد المسعى الأمريكي، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، معهد هدسون، مركز الدراسات الإستراتيجية والسياسية المتطورة.
• دعم مراكز الدراسات المعنية بمشروع نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص: مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، مؤسسة منحة الديمقراطية وغيرها.
• دعم من يطلقون على أنفسهم تسمية «جماعات المجتمع المدني» في بلدان الشرق الأوسط المناهضة للمشروع الإسرائيلي ومشروع الهيمنة الأمريكية.
• دعم الصحف الشرق أوسطية المتواطئة مع المشروع الأمريكي في المنطقة.
• دعم الجماعات السياسية المعارضة للحكومات الشرق أوسطية المناهضة لأمريكا وإسرائيل.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن موقع (الجمل) سبق وأن أشار إلى العلاقة بين مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية وبعض جماعات المعارضة السياسية الشرق أوسطية. والآن نشير إلى أن هذه العلاقة قد شهدت المزيد من التحولات النوعية الجديدة لجهة تفعيل المزيد من المسارات العدوانية الجديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قيام هذه الكيانات الأمريكية بدعم الآتي:
- نشر الكتب التي تسعى لتوجيه الانتقادات ضد الإسلام وثقافة الإسلام.
- نشر المزيد من المجلات والصحف التي تسعى إلى تحسين صورة إسرائيل وفي نفس الوقت تسعى إلى اتهام خصوم إسرائيل بالإرهاب واللاإنسانية.
تشير التحليلات إلى أن جماعات اللوبي الإسرائيلي قد أصبحت أكثر اهتماماً بنقل مشروع الحرب الشيعية-السنية الذي سبق أن سعت إلى إشعالها في العراق ولبنان باتجاه تفعيل مشروع جديد، وهو الحرب النفسية المسيحية-الإسلامية، ولكن، وفي ظل رفض المرجعيات المسيحية الكبرى (الفاتيكان، كانتربري، أثينا، أنطاكية وغيرها) التورط في مثل هذا المشروع، فقد وجدت هذه الجماعات ضالتها الكبرى في المجاميع الكنسية الصغيرة المتطرفة المعزولة مسيحياً، وحالياً تقوم جماعات اللوبي الإسرائيلي بتقديم المزيد من الدعم والتمويل لجهة تحريك فعاليات العداء النفسي-الرمزي بواسطة هذه الكيانات المتطرفة الصغيرة، وهي فعاليات لن يكون «اليوم العالمي لحرق القرآن» آخرها. وما هو مثير للأسف والسخرية يتمثل في أن الأطراف العربية الحليفة لواشنطن لم تسعَ حتى الآن لتقديم مذكرة احتجاج واحدة للخارجية الأمريكية، ولم تقم عواصمها العربية-الإسلامية باستدعاء السفراء الأمريكيين واستيضاحهم عن حقيقة «العلمية النفسية» التي تستهدف العرب والمسلمين والإسلام، وتقوم بتنفيذها الأيادي الأمريكية بدلاً عن الأيادي الإسرائيلية.
إقرأ أيضاً:
السر العظيم في بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة الأب الياس زحلاوي إلى القس الأمريكي الذي دعا لحرق القرآن الكريم
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد