رؤية إسرائيلية لمستقبل دول جوار إسرائيل بعد الحرب اللبنانية
الجمل: نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عرضاً لمحاضرة قدمها إيهود إيعاري ضمن فعاليات منتدى السياسة الخاص. يعمل ايهود إيعاري محرراً مشاركاً في تقرير أورشليم، وحائزاً على زمالة لافير الإسرائيلية التابعة لمعهد واشنطن. حملت المحاضرة عنوان: (من بيروت إلى غزة: جيران إسرائيل في مغبة ما بعد الحرب).
يقول إيهود إيعاري: إن تأثيرات حرب إسرائيل- حزب الله في هذا الصيف، والتي بدأت بقتل وخطف الجنود الإسرائيليين، ماتزال موضوعاً للنقاش.ز فعسكرياً، ألحقت إسرائيل بحزب الله ضرراً جسيماً: تراخت قبضتها على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، فقدت ترسانتها الخاصة بالصواريخ طويلة المدى، وعانت من جسامة الضحايا.. وبعد، فبرغم الانكشاف الواضح في مراحل الحرب الأخيرة، فإن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله انتعش بسرعة من خسائره وذلك عندما بدا واضحاً أن المجموعة قد استمرت في البقاء، وبإمكانها أن تواصل مقاومتها. أما إسرائيل فقد فقدت وضيعت فرصة حاسمة من أجل أن تجرد نصر الله وحزب الله ليس من قوتهم العسكرية، وإنما من قدرة التعافي المرن على المقاومة، وبدلاً من ذلك، فقد سمحت الحرب لحزب الله ومكنته من أن يعيد التأكيد على القدرة على المقاومة.
بغض النظر عن منظور نصر الله حول الحرب، فالحوار العربي مايزال يتحرك ويمور حول ما إذا كان ذلك هزيمة لإسرائيل، للبنان، أم للسكان الشيعة في الجنوب، وحتى قبيل الحرب، فقد كان جيران إسرائيل قد كفوا وتوقفوا تماماً عن المشاركة في المقاومة ضد إسرائيل، واختاروا البقاء إما ضمن حالة الـ(سلام البارد) كما في مصر، أو الـ(حرب الساخنة) كما في حالة سوريا، وخلال الحرب في لبنان.
بتاتاً لم يتم التطرق أو النقاش أو الحديث عن تدمير دولة إسرائيل، في الإعلام العربي.. والطريقة التي يتم بها الحكم على الحرب في المستقبل سوف تعتمد بقدر كبير على مكانة نصر الله وحزب الله في لبنان.
في الوقت الذي حققت فيه إسرائيل عدة نجاحات عسكرية في الحرب، فقد فشل صانعوا قرار فترة الحرب على المستوى الاستراتيجي، وهذا الفشل أثر في كل من التوازن السياسي الداخلي في إسرائيل، وتوازن القوى في المنطقة الإقليمية، فلا الحكومة ولا قوات الدفاع قامت بتحديد وتعريف هجوم حزب الله باعتباره يمثل فعلاً وعملاً من أعمال الحرب بالسرعة الكافية، وتبعاً لذلك، فقد فشلوا في تنسيق أعمالهم وأنشطتهم وبأسلوب محدد منذ بداية الوهلة الأولى للحرب –وعن تحديد وتعريف أهداف الحرب- قد أدى إلى خلق مسافة وفسحة لنشوء وبروز تصور بديل للصراع.
مذهب وعقيدة المقاومة:
الإدراك بأن إسرائيل قد فشلت في أهداف فترة حربها، وبأنها كانت مكشوفة في وجه هجوم حزب الله –هو إدراك- تم تصديره من إسرائيل إلى العالم العربي وظل يستخدم كإثبات وبرهان لتعافي وانتعاش استراتيجية المقاومة. المقاومة تنادي وتطالب بقتال مستمر وثابت بأنه عندما تهزم خصومك، فإن الكثير يمكن تحقيقه بالمقاومة المسلحة بدلاً من مجرد الاتفاق السياسي.
إدراكات مذهبية المقاومة، أصبح يجاهر بها مؤخراً نصر الله، كما أن الكثير من المؤيدين والمناصرين لذلك يمكن أن نجدهم في سائر منطقة الشرق الأوسط. وعندما كان الزعيم والقائد الأعلى الإيراني آية الله على خميني يمسك الكلاشنكوف بمهارة أثناء حضوره احتفالاً وسط المصلين يوم الجمعة بطهران، فمن الممكن القول –على سبيل المثال- بأنه كان يجسد نداء مذهبية الدعوة من أجل المقاومة، والآخرين مثل خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، الجنرال ميشيل سليمان قائد الجيش اللبناني، عبروا صراحة وعلناً بقدر كبير عن نداءاتهم ودعواتهم للمقاومة ضد إسرائيل والآخرين.
مذهبية المقاومة لا تطالب بتقوية الجيوش من أجل منازلة القوات المسلحة المعادية، بل وبدلاً عن ذلك، فالمقاومة ليس فقط مجرد نظام عسكري، بل هي بديل للعديد من المؤسسات المدنية الخاصة بالدولة. والهدف المذهبي طويل المدى هو أن تخدم المقاومة كبديل لـ(الدولة- الأمة) عن طريق طرح واستخدام أداة أكثر كفاءة وفعالية من أجل تحقيق الأهداف والغايات الاجتماعية والعسكرية. وتتحدى مذهبية المقاومة، الـ(دولة- الأمة) عن طريق انتهاج وتبني مفهوم المجتمع الإسلامي على النحو الذي يطرح ويقدم بديلاً للديكتاتورية، والملكية، والديمقراطية.
وبرغم تمسك وتشبث مناصري ومؤيدي المقاومة بنفس الإدراكات الأساسية، فإنهم غير موحدين، وفي الحقيقة، فإن التباعدات والصدوع الدينية والسياسية -الشيعة في مواجهة السنة، القاعدة في مواجهة الاخوان المسلمين- قد أدت إلى نشوء توتر كبير بين مختلف المؤيدين والمناصرين للمقاومة.
الأمن الإقليمي والمقاومة:
لقد كشفت وفضحت حرب هذا الصيف التهديد الذي تفرضه وتخلعه مذهبية المقاومة إزاء إسرائيل، ولبنان، والمنطقة الإقليمية بشكل عام، فجيران إسرائيل: سوريا، مصر، الأردن، والفلسطينيين.. أصبحوا جميعاً مهددين بإمكانية واحتمال أن يقوم بعض الفاعلين –من غير الدول- أن يستولوا ويسطروا على أجندة السياسة الخارجية والمحلية الداخلية الخاصة بهم. وفي الحقيقة فإن انتقادات مصر والسعودية لأعمال وممارسات حزب الله، تظهر أن ثمة دولاً عربية قد فهمت وأدركت الكيفية التي يمكن بها لإدراكات مذهبية المقاومة أن تهدد الاستقرار فيها، ومن ثم لاحقاً بعد ذلك، فقد قامت هذه الدول، بصياغة وتشكيل رد فعل موحد إزاء مذهبية المقاومة.
الفلسطينيون الذين يقومون بأعمال المقاومة، نجد أنهم يهددون ليس فقط السلطة الفلسطينية، وإنما أيضاً توازن القوى المستقبلي بين حركة فتح وحركة حماس، وبالقدر نفسه أيضاً، قيادتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي مواجهة هذا الموقف، فإن هناك إمكانية حقيقية بأن تفضل القوى السياسية الفلسطينية حل السلطة الفلسطينية كجهاز للحكم. وقد تمت مناقشة هذا الأمر ليس فقط بواسطة المتطرفين، وإنما أيضاً بواسطة الرئيس محمود عباس، والمفكرين الكبار، والعديد من عامة الفلسطينيين.
برغم أن مذهبية المقاومة من الممكن أن توجد في الحركات القومية، فإن أهدافها من غير الممكن تحقيقها عن طريق الدفاع عن رقعة أو منطقة وطنية محددة واحدة، وإنما بالأحرى عن طريق التعرية والإرهاق المستمر للخصم أخلاقياً، ومادياً، وسيكولوجياً. والحكومة السورية ظلت تستخدم وتلعب بفكرة دعم وتأييد أنشطة المقاومة على الحدود مع إسرائيل، حتى فيما قبل حرب هذا الصيف.. وإذا ما كان على دمشق أن تبدأ دعم الهجمات الحدودية، فإنها سوف تقوم بالتخلي الفعلي عن سلطتها ونفوذها في المنطقة إلى مجموعة لا تمثل دولها ومن أمثلة ذلك ما نراه في حالة حزب الله والحكومة اللبنانية.. كذلك فإن إمكانية أن يقوم الرئيس السوري الأسد بالتحضير لصراع مستقبلي محتمل يجب وضعها موضع الاعتبار والاهتمام.
حتى الآن، ليس لإسرائيل استراتيجية فعالة من أجل تقويض مذهبية المقاومة. ولمكافحة خطر وتهديد المقاومة، فإنه يجب على إسرائيل أن تبدأ بالاهتمام الوثيق والشديد بتأثير هذه المذهبية على المنطقة الإقليمية، وبالذات في الحدود والمناطق الحدودية التي تتقاسمها وتتشارك فيها مع لبنان، وسوريا، والفلسطينيين.. وإضافة لذلك، يجب على إسرائيل أن تكون قادرة على ضبط كل من استراتيجيتها العسكرية والسياسية، من أجل التعامل مع الموقف الجديد الناشئ في المنطقة الإقليمية. ويجب أن تكون لإسرائيل خطط للفعل ورد الفعل في الاستجابة للهجمات والاعتداءات المستقبلية المحتملة من جانب خصومها.
وعلى زعماء إسرائيل أن يجاهدوا من أجل تحقيق استراتيجية طويلة المدى، وحتى إذا كان ذلك معناه التضحية بالمكاسب السياسية قصيرة الأجل.. وعموماً فإنه يجب على إسرائيل أن تتعلم التحديد والتعريف الواضح لكل من التهديد ضدها والكيفية التي يجب أن تستجيب وترد بها من أجل التغلب على ذلك التهديد وتجاوزه.
الجمل: قسم الترجمة
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
إضافة تعليق جديد