ما هي احتمالات فَوْز أردوغان أو خَسارَتِه في انتخاباتِ الأحد
يَتوجَّه عَشرات الملايين من النَّاخِبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع يَوْم الأحد (بعد غَد) لاختيارِ نُوّابِهم في البَرلمان (600 نائِب)، وانتخاب رَئيسٍ للجُمهوريّة بصَلاحِيّاتٍ مُطلَقة، وفي الحالين، يُواجِه الرئيس رجب طيب أردوغان أكبَر الاختبارات في مَسيرَتِه السِّياسيّة المُمتَدَّة على مَدى 15 عامًا كانَ خِلالها “الملك” المُتَوَّج على عَرشِ البِلاد، وبدون أي مُنافَسةٍ حَقيقيّةٍ.
الرئيس أردوغان الذي يَتزعّم حِزب العدالة والتنمية الحاكِم أرادها انتخاباتٍ مُبكِرة قَبل عام ونِصف العام تَقريبًا من مَوعِدها المُقرَّر (نوفمبر 2019)، على أمَل أن يَحصُل على تَفويضٍ سِياسيٍّ أكبَر من الشَّعب التُّركيّ يَحصُر مُعظَم جميع السُّلطات التنفيذيّة بين يَديه إن لم يَكُن كلها، ويُنقِذ حَليفه الأوحَد، أي الحَركة القَوميّة المُتطرِّفة، من كارِثَة الخُروج من البَرلمان بعد انشقاقاتٍ قويّةٍ في صُفوفِه بسبب تَحالُفِه مع الحِزب الحاكِم، يُمكِن أن تُؤدِّي إلى عدم حُصولِه على نِسبةِ الحَسم المَطلوبة، أي 10 بالمِئة، من مجموع الأصوات، ولكن كثيرًا مِن المُراقِبين يَعتقِد أنّ طُموحات أردوغان هذهِ قد لا تتَحقَّق، وإن مُقامَرته الأضخَم في حَياتِه قد تُعطِي نَتائِج عَكسيّة تمامًا.
يَحتَل الاقتصاد مَكانةً مِحوريّةً في الانتخابات الوَشيكة، والنَّاخِب التُّركي أصبَح يُصَوِّت من جَيبِه في مُعظَم الأحيان، ورُغم تَحقيق حكومة أردوغان نِسبةَ نُمو اقتصاديّ هي الأعلى عالميًّا بعد آيسلندا في العام الماضي، ووصلت إلى 7.4 بالمِئة، وبلغ النَّاتِج المحلّي حواليّ 774 مِليار دولار، مُقتَرِبًا من حاجِز التريليون دولار النَّفسي، إلا انخفاض سِعر اللَّيرة بنِسبَة 35 بالمئة في الشهرين الماضيين فقط (4.7 مقابل الدولار)، وارتفاع نِسبة التضخم إلى 10.2 بالمِئة، والبِطالة إلى 10.9 بالمِئة، والدين العام إلى 438 مليار دولار، كلها عوامِل تَستَغِلّها المُعارضة بقُوّة للإطاحة بحزب العدالة والتنمية ورئيسه في هذهِ الانتخابات، والقَول بأنّ “فُقاعَة” الإنجاز الاقتصاديّ انفَجرت، والقادِم أسْوَأ.
أنصار الرئيس أردوغان وحِزبِه هُم الأغلبيّة في أوساط الشعب التركي حتى الآن، ولكنّها أغلبيّة تتآكَل بِسُرعةٍ نتيجة تَضاعُف أعداد أعدائِه داخِل تركيا وخارِجها، ووقوفِهم في خَندقٍ واحِد في مُواجَهته، يُوَحِّدهُم العَداء له رغم التَّناقضات الكَثيرة التي تُفَرِّقهم، والنَّزعة الانتقاميّة بإسقاط حُكمِه ولكن عبر صناديق الاقتراع في انتخاباتٍ حُرَّةٍ وشَفّافَةٍ.
تَحالُف الأُمّة الذي تَنضَوِي تحت مِظلَّته مُعظَم أحزاب المُعارضة بزَعامة حِزب الشعب الجمهوري، يَضُم الأضاد فِكريًّا وسِياسيًّا، ويُشَكِّل خَليطًا لا يُمكِن جَمعه إلا في انتخاباتٍ مِثل الحاليّة التي مِن الصَّعب أن تتكَرَّر، ابتداءً من حِزب الشعب الأتاتوركي، ومُرورًا بحِزب السعادة الإسلاميّ والمُتشدِّد، وَريث الداعية نجم الدين أربكان، مُعلِّم أردوغان والأب الرُّوحي له، وانتهاءً بحِزب “الخير” اليمينيّ القَوميّ العُنصريّ المُنشَق حَديثًا عن الحركة القوميّة، ولا نَنسى حِزب الشعب الديمقراطي المُوالِي للأكراد الذي يُعارِض حُكم أردوغان دُون أن يُعلِن انضمامه لتَحالُف المُعارَضة المَذكور، ويَملُك 12 مِقعدًا في البَرلمان، من المُتوقَّع أن يَرتَفِع عدد مقاعده بسبب زِيادة التعاطف مع قِيادته المُعتَقَلة.
التَّدخل التُّركيّ العَسكريّ والسِّياسيّ في سورية والعِراق، والحرب على الأكراد، سَيكون من المَوضوعات السَّاخِنة في الانتخابات الحاليّة أيضًا، والحال نفسه يُقال عن علاقات الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) المُتوَتِّرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حيث تَستَغل المُعارضة نُقاط الضَّعف في سِياسة الرئيس أردوغان الإقليميّة والدوليّة لشَن هَجَماتٍ شَرِسَةٍ ضِدّه، وخاصَّةً وُجود 3.5 مليون لاجِئ سوري، والتَّعهُّد في الوَقتِ نَفسِه بإصلاح العلاقات مع مِصر ودُوَل الخليج الثَّريّة، وخاصَّةً المملكة العربيّة السعوديّة، وسَحب القُوّات التركيّة، وإنهاء تَدَخُّلِها في سورية والعِراق، والعلاقات مع الرئيس بشار الأسد تَمهيدًا لإنهاءِ الحَرب وعَودَة اللاجئين.
الرئيس أردوغان اتَّهم المملكة العربيّة السعوديّة ودَولة الأمارات دُون أن يُسَمّيهِما بالوُقوف خَلف حالة الانهيار التي عاشَتها العُملة التركيّة أمام الدولار، وهذا الاتِّهام غير مُستَبعد، ويَنطَوي على الكَثير من الصِّحَّة لأنّ الرئيس أردوغان يَقِف في خَندق قطر ومُنظَّمات الإسلام السِّياسيّ، وحَركة “الأخوان المسلمين”، ويُقَدِّم لها الحَواضِن السِّياسيّة والإعلاميّة والماليّة.
صُحف المُعارضة التركيّة، وهِي قليلة على أيِّ حال بسبب سِياسة القبضة الحديديّة التي يَستَخدِمها الحِزب الحاكم معها، في ظِل حالة الطوارئ المَفروضة مُنذ الانقلاب العَسكريّ قبل عامين، هذهِ الصُّحف تَعكِس حالةً من التفاؤل غير مَسبوقة في الانتخابات الأخيرة، وتتحدَّث عن وجودِ رَغبةٍ شعبيّةٍ في التغيير، وتَعزيز الحُريّات، والقضاء المُستَقِل، والفَصل بين السُّلطات والإصلاحَين الاقتصاديّ والسياسيّ، والانفتاح على أُوروبا ودول الخليج، ولكن الأُمنيات شَيء والواقِع شَيءٌ آخَر.
هُناك خَمسة سيناريوهات مُتوقَّعة، ويُرَجِّحها مُعظَم الخُبراء في الشَّأن التُّركيّ الحاليّ:
ـ الأوّل: أن يَفوز حِزب العدالة والتنمية الحاكِم ورئيسه أردوغان في الجَولةِ الأُولى من الانتخابات الرئاسيّة، وأغلبيّة مَقاعِد البَرلمان (أكثر من 300 مِقعَد)، الأمر الذي يعني أن الرئيس أردوغان سيَبقى في الحُكم لسَبع سَنواتٍ أُخرَى.
ـ الثاني: أن يَضْطر الرئيس أردوغان إلى خَوض جولة ثانِية من الانتخابات الرئاسيّة لعَدم حُصولِه على 50 بالمِئة + 1 بالمِئة في الجَولةِ الأُولى والفَوز بِها، لأنّ فُرَصَه أكبر من فُرَص خَصمِه الأبرَز محرم انجه، مُمَثِّل ائتلاف المُعارضة، لكن نتيجة الانتخابات البرلمانيّة يُمكِن أن تُؤَثِّر في الرِّئاسيّة.
ـ الثالث: أن يُصبِح أردوغان رئيسًا لتركيا، لكن أن يَفقِد حزب العدالة والتنمية الأغلبيّة البرلمانيّة، ممّا يَجعَل تركيا في هذه الحالة برأسين مُتحارِبين، ودُخول حالة من عدم الاستقرار، والدَّعوة إلى انتخاباتٍ جَديدةٍ بعد عام، لإنهاء هَذهِ الازدواجيّة مِثلَما حصل بعد انتخابات عام 2015.
ـ الرابع: فوز محرم انجه مُرشَّح المُعارَضة في الانتخابات الرئاسيّة والائتلاف المُعارِض بأغلبيّة مَقاعِد البرلمان، ممّا يُنهِي حُكم العدالة والتنمية كُلِّيًّا، ويُعيد رَسم خريطة التحالفات التركيّة مُجَدَّدًا إقليميًّا ودَوليًّا، وربّما تعديل الدستور وعودة النظام البَرلمانيّ وإلغاء الرِّئاسيّ.
ـ الخامس: أن تفوز المُعارَضة في الانتخابات الرئاسيّة وحزب العدالة والتنمية بأغلبيّة المَقاعِد في البرلمان، الأمر الذي قد يَجُر البِلاد إلى حالةٍ من الفَوضى وعدم الاستقرار لاستحالة التَّعايُش بين الطَّرفين، وفي هَذهِ الحالة سَتكون فُرَص الانقلاب العَسكري أكبَر تَحت ذَريعَة إعادة النِّظام والأمن للبِلاد.
من الصَّعب علينا تَفضيل أيٍّ من هَذهِ السِّيناريوهات الخَمسة، وإن ما زِلنا نعتقد أن الرئيس أردوغان وحِزبِه يَمْلِكان شعبيّةً قويّة، والرئيس أردوغان تَحدَّث للمَرَّة الأُولى عن عَدم استبعادِه حُكومةً ائتلافيّةً أوسَع تَعكِس القِوى الجديدة في البرلمان ولكنّه لم يَكشِف عن تفاصيل، وعلينا أن نَتذكَّر أن أردوغان عَنيدٌ في مَواقِفه، ولا يَرفَع راية الاستسلام بِسُهولةٍ، وسيَظل مُتمَسِّكًا بالسُّلطة ما دام حَيًّا.
الرئيس أردوغان، ومِثلما قُلنا في بِدايَة المَقال، يُواجِه التَّحدِّي الأكبَر في حَياتِه السِّياسيّة، وأيًّا كانت النتائج، فإنّه سَيكون بعد هَذهِ الانتخابات مُختَلِفًا عمّا قبلها، وأقل قُوّة حَتمًا، بالنَّظر إلى شَراسَةِ تَحالُف خُصومِه في مَسعاهِم للإطاحةِ بِه، وحتى لا يكون حالنا مِثل حال البعض في الإعلام العربي الذين احتفلوا مُبَكِّرًا بِنَجاح الانقلاب العَسكريّ قبل عامين، سنَختار الحَذر الشَّديد، مع التأكيد في الوَقتِ نَفسِه على أن لا شَيء مُستَبعَد، والمُفاجآت وارِدة.. واللهُ أعْلَم.
عبد الباري عطوان - رأي اليوم
إضافة تعليق جديد