ناظم الجعفري أحد رواد الفن التشكيلي السوري
في لوحات الفنان الرائد ناظم الجعفري من مواليد دمشق العام 1918 ملامح كثيرة من أسرار العمارة الدمشقية القديمة, الباقية في مشاهدات القناطر والاقواس والمقرنصات والبحرات ونوافير المياه واحواض الورود والزهور, واشجار الليمون والاضاليا والمنثور, المكشوفة على الهواء والسماء في البيوت الفسيحة, التي تتداخل في حكايات تكاوينها الحجارة المتناوبة الألوان والزخارف الهندسية والنباتية, التي تطرب العين والقلب وتترك في النفس مشاعر الفرح وأحاسيس الانتماء الى مدينة تاريخية عريقة, وصفت منذ قرون بأنها مدينة العلم والعلماء.
وقد يكون ناظم الجعفري أحد أكثر الفنانين السوريين, الذين تفاعلوا مع جماليات العمارة الدمشقية القديمة, التي لا تزال حية في نفوسنا , رغم كل الغربة التي نعيشها في البيوت الحديثة, الفارغة من الالفة والحنان والمحبة الحقيقية.
ويكفي في هذا الصدد الاشارة الى انه كان ومنذ اكثر من نصف قرن يحمل لوحاته وألوانه, ويقوم بجولات فنية, في أمكنة كادت ان تصبح وهمية وفارغة من السكان, بعد سيطرة التشييد الخاطئ للتحديث العمراني. ففي لوحات ورسومات ناظم الجعفري الكثيرة جداً, نلمس وبوضوح مؤشرات التفاعل مع جماليات العمارة المملوكية, التي بحث عنها طويلاً في شوارع واحياء وأزقة وبيوت المدينة القديمة.
ومن الناحية التشكيلية كان ناظم الجعفري في لوحاته التي قدمها منذ نهاية الاربعينات, يفيض عفوية وغنائية, حيث كان يضفي على المشهد المعماري ايقاعات ضوئية باهرة, وبذلك كان يستعيد في اكثرية لوحاته, القيم التصويرية الانطباعية المنفلتة من اطار الرسم الواقعي التقليدي والتسجيلي.
فهو من المبدعين الأوائل الذين استطاعوا تجاوز الانماط السياحية والاستهلاكية, والاقتراب من عوالم الرسم الحديث الحامل تداعيات عراقة ونكهة العناصر المعمارية التي تتعرض للضياع والاندثار .
وعلى هذا اطل ناظم الجعفري كصاحب دور ريادي ساهم في تثبيت دعائم قيام الحركة الفنية السورية الحديثة, بعدما اثمرت تجربته حوارات ثقافية اثرت على اجيال من الفنانين,الذين تأثروا بصياغاته التصويرية الماهرة والواثقة ولقد كان لهذه التأثيرات اكثر من ردة فعل, ساهمت في تحقيق خطوات اليقظة التي انعشت الحياة الفنية السورية وكرست هواجس التواصل بين الموروث التراثي ورؤى الحداثة.
هكذا يمكن اعتبار لوحاته (زيتيات, رسوم باستيل وفلوماستر) بمثابة وثائق فنية فريدة من نوعها, تحفظ خصوصيات التراث المعماري, الذي اكتسبته المدينة القديمة خلال قرون طويلة. ولوحاته تتجه في جميع مراحلها, نحو نشوة النور وحركة اللون العفوي وجسد الايقاع المتوازن والمدروس, وهي في النهاية تحمل بطاقة الانتساب الى روح اللوحة الانطباعية التي تحفظ خصوصيات المكان كرؤية مترسخة في الذاكرة والوجدان معاً.
أديب مخزوم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد