العامل السوري في الانتخابات العراقية

الجمل: دخلت جولة الانتخابات العراقية الجديدة مرحلة العد التنازلي, وتسارعت خطى الزعماء السياسيين العراقيين, وفي هذا الخصوص يقوم الزعيم العراقي طارق الهاشمي بزيارة إلى سوريا, وبعد ثلاثة أيام يأتي الزعيم العراقي إياد علاوي إلى سوريا أيضا, أما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي, فقد أطلق المزيد من التصريحات التي أعرب فيها عن تفاؤله إزاء مستقبل العلاقات السورية-العراقية, فما هو تأثير العامل السوري على التطورات السياسية العراقية الجارية, وما هو شكل السيناريو العراقي القادم؟
جغرافيا الانتخابات العراقية العامة:
برزت خلال اليومين الماضيين العديد من التحليلات السياسية التي سعت إلى رسم الخطوط التي يمكن أن تسفر عنها نتائج جولة الانتخابات العامة العراقية الجديدة, وبغض النظر عن التفاصيل, فقد أجمعت كل التحليلات على أن المنافسة سوف تنحصر بين الآتي:
• كتلتين رئيسيتين: وهما كتلة الائتلاف الوطني العراقي (يضم: الصدريين-المجلس الأعلى للثورة الإسلامية-تيار الإصلاح الوطني-المؤتمر الوطني). وكتلة وائتلاف دولة القانون (يضم: القوى الداعمة لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي إضافة إلى التحالف الكردستاني, الذي يتكون من الحزب الديموقراطي الكردستاني, والاتحاد الوطني الكردستاني إضافة إلى بعض التيارات الكردية الصغيرة).
• كتلتين ثانويتين: وهما كتلة القائمة العراقية (تضم تجمعا من الشخصيات السياسية الهامة, ومن أبرزهم: إياد علاوي-طارق الهاشمي-أسامة النجيفي-رافع العيساوي). وكتلة وحدة العراق (تضم الحزب الدستوري وجواد البولاني إضافة إلى جماعة صحوة العراق وزعيمها أبو ريشة).
على أساس اعتبارات عوامل القوة والضعف, يلاحظ أن الصراع الانتخابي العراقي, سوف يمر بمرحلتين نوعيتين:
• مرحلة الصراع الاستراتيجي: سوف تحدث هذه المرحلة خلال فترة عشية الانتخابات بحيث تسيطر على هذه المرة مشاهد ثنائية الصراع بين الكتلتين الرئيسيتين على أمل أن تحصل واحدة منهما على فرص حسم الصراع من خلال الحصول على نسبة 51% من إجمالي المقاعد البرلمانية.
• مرحلة الصراع التكتيكي: سوف تنحصر هذه المرحلة خلال فترة ما بعد إعلان نتائج الانتخابات, بحيث تبرز أهمية الكتلتين الثانويتين, باعتبارهما تشكلان قيمة مضاعفة سوف تسعى كل واحدة من الكتلتين الرئيسيتين إلى التحالف والائتلاف معهما, وتبعا لذلك فسوف تسعى كل كتلة رئيسية إلى تقديم التنازلات اللازمة لاستقطاب الكتلة الثانوية.
وبكلمات أخرى, فإن الصراع في المرحلة الاستراتيجية, سوف يركز على استخدام وتوظيف الإعلام كوسيلة للتسويق السياسي, إضافة إلى استخدامات "المال السياسي" لجهة الحصول على دعم ومساندة الزعماء التقليديين العراقيين, وشراء الناخبين, وعلى وجه الخصوص في الدوائر الانتخابية التي تكون فيها شدة المنافسة متقاربة.
سيناريو الانقلاب السياسي العراقي: الانقلاب بغير الوسائل العسكرية؟
تشير التوقعهات إلى أن صراع المرحلة الاستراتيجية الذي سوف يدور خلال عشية الانتخابات بين معسكر نوري المالكي (ائتلاف دولة القانون) ومعسكر ابراهيم الجعفري (ائتلاف الوطن العراقي) سوف يتحول إلى صراع تكتيكي مرتفع الشدة في مرحلة ما بعد إعلان النتائج, ويمكن الإشارة إلى أبرز خطوط الصراع القادم على النحو الآتي:
• المسار الأول: سوف يسعى معسكر المالكي إلى التوافق والائتلاف مع معسكر الجعفري, وذلك على أساس أن تكوين حكومة ائتلافية من الكتلتين الكبيرتين سوف يضمن تشكيل حكومة عراقية تتمتع بقاعدة برلمانية عريضة, ولكن السؤال الحرج سوف يتمثل في: من هو الذي سوف يتولى منصب رئيس الوزراء: المالكي أم الجعفري, فالمالكي لن يقبل بأي ائتلاف حكومي لا يتولى فيه بنفسه منصب رئيس الوزراء, والصدريون لن يقبلوا بالمالكي رئيسا للوزراء إلا إذا تخلى عن دعم التوجهات الأميركية, وعلى الأقل أن يتخلى عن الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية.
• المسار الثاني: أن تتزايد الخلافات بين الكتلتين الكبيرتين: معسكر المالكي ومعسكر الجعفري, بما يؤدي بكل طرف إلى الدخول في مساومات مع الكتلتين الصغيرتين: معسكر إياد علاوي, ومعسكر جواد البولاني, وهذا معناه تقديم المزيد من التنازلات لهذه الأطراف, وإضافة لذلك فإن كل من إياد علاوي, وجواد البولاني سوف يسعى للمناورة بين الكتلتين الكبيرتين, والمساومة لجهة الحصول على أكبر ما يمكن من التنازلات التي تتيح له الحصول على المزايا الإضافية.
أبرز التوقعات يتمثل في أن تحدث المزيد من التفككات التي قد تهدد تماسك قوام الكتل الكبيرة, وذلك بسبب الآتي:
• تكتل ائتلاف دولة القانون: القوى الكردية سوف لن تسمح لنوري المالكي بالتنازل أو التخلي عن أجندة السياسة الأميركية إزاء العراق, إضافة إلى سعي القوى الكردية من أجل تأمين ضم الكركوك إلى إقليم كردستان العراقي, ولكي يضمن المالكي مساندة أي واحدة من الكتل الصغيرة, فإن عليه أن يتخذ موقفا صارما إزاء عدم ضم كركوك لإقليم كردستان.
• تكتل الائتلاف الوطني العراقي: القوى الشيعية المنضوية تحت هذا الائتلاف برغم أنها تتفق مذهبيا, فإنها تختلف طائفيا, فالحكيم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية), سوف يقف على النقيض من مقتضى الصدر (التيار الصدري), وبالذات في الملفات المتعلقة بجنوب العراق, والعلاقة مع أميركا.
تقول التحليلات والتقارير بأن جولة الانتخابات العراقية العامة هذه, سوف تؤدي مرة أخرى إلى إشعال الصراع الإقليمي, والذي سوف يكون هذه المرة صراعا إقليميا مزدوجا: خليجيا-شرق متوسطيا:
• السعودية وبلدان الخليج تسعى لإسقاط معسكر المالكي (ائتلاف دولة القانون) من خلال الرهان على إياد علاوي (القائمة العراقية).
• إيران تسعى لتصعيد معسكر ابراهيم الجعفري (الائتلاف الوطني العراقي) كخيار أول, ونوري المالكي كخيار ثاني.
• أميركا تسعى من أجل الإبقاء على المالكي (ائتلاف دولة القانون), مع السعي لإقناع ابراهيم الجعفري (الائتلاف الوطني العراقي), من أجل تكوين حكومة الوحدة الوطنية مع المالكي, إضافة إلى دعم إعطاء الكتل الصغيرة دورا أصغر.
أما بالنسبة لسوريا, وهو الأمر الأكثر أهمية, فإن أكثر ما تخشى واشنطن حدوثه, هو أن يحدث تفاهم سوري-سعودي خلال مرحلة الصراعات التكتيكية بحيث يؤدي إلى صعود حكومة وحدة وطنية عراقية جديدة, تؤدي إلى إفراز نتائج ميدانية مشابهة للنتائج التي أفرزتها الحكومة اللبنانية الجديدة التي تشكلت مؤخرا على خلفية التفاهم السوري-السعودي, وأدت إلى حدوث انقلاب كبير في جدول أعمال السياسات الإقليمية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط, وبكلمات أخرى, إذا حدث تفاهم سوري-سعودي بشأن العراق, فمن الضروري أن تمضي كتلة علاوي في اتجاه مساندة كتلة الجعفري, وتبعا لذلك فسوف لن يكون أمام نوري المالكي وكتلته سوى الذهاب لمقاعد المعارضة, وبالتأكيد لن يذهب المالكي وحده, وإنما سوف تذهب معه الاتفاقية الأمنية-العسكرية الأميركية-العراقية إضافة إلى ملفات التسويق الدعائي السياسي الأميركي المتعلقة ببناء حملة الذرائع ضد سوريا, الأمر الذي سوف يلحق ضررا بالغا بمستقبل الوجود الأميركي في العراق وفي المنطقة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة