«ليل ورجال» دراما ما بعد «الدجل».. و«ماذا بعد»؟
لا يدّعي مسلسل »ليل ورجال« لنفسه، تقديمَ حلول لظاهرة الدجل والشعوذة، فيترك الأبواب مشرعة على احتمالات »ماذا بعد«؟ ليختزل القصة التي كتبها محمد العاص وأخرجها سمير حسين في نهاية المطاف، في رؤية واضحة واحدة، هي أنَّ الدجل يستهدف الأغنياء لأموالهم، والفقيرات لـ»أجسادهن«.. وأنَّ هذا الدجل في كثير من الأحيان، ليس سوى مجرد أداة ووسيلة لآخرين، وغيابُ دجَّال واحد لا يعني نهاية الدجل؛ فالأمر ما زال مستمراً، فجوهر المشكلة لا يكمن في الدجالين، بقدر ما هو مرتبط بوجود من يصدقهم.
»اقبلوا أو ارفضـوا«؛ هــذه كــانت الرسالة التي بعث بها مسلسل »ليل ورجال«، التي لم يشــأ أن يجـامل فيها، وتلك هي فضيلته؛ فهو منذ البداية يكــشف للمشاهد حقيقة الدجال »أبو معروف« ومعلمه الدجال »أبو شعبان«، وفي أحـداثه يبدو الدجــل والســحر سهماً ثابتاً في خاصرة المجــتمع، ينال من الغــني فيه كما ينـال من الفــقير، وما من فرق بين مثــقف وجاهل، ما دام الجميع ينشـد الخلاص، حتى لو كان الخلاص وهماً.
الدجال الملتحي، الدرويش، الذي ينفخ في بخور مشتعل أمامه، ويردّد عبارات غير مفهومة.. صورة لطالما كرَّستها الدراما العربية، لكنها لم تجعله من قبل محور الحكاية، كما فعلها »ليــل ورجال«، الذي دخل بيت الدجال، وناقش علاقته مع زوجته وأهله، بل جاء ليسلط الضــوء على الــجانب النفــسي لدى مــن يلــجأون إلى الشعوذة، واستعدادهم لتقبل ما يـأمرهم به الدجالون. وبقدر ما حرص على إظهار شخصية الدجال (شكلاً ومضموناً) أبعد ما تكون عن شخصية أيّ رجل دين، عمدَ إلى إظهار رأي رجال الدين الحقــيقيين بهذه الظاهرة.
وضوحُ المضمون، ترافقَ مع وضوح في الرؤية الإخراجية للعمل ورسالته، وهو الأمر الذي بدا فيعمل المخرج سمير حسين الواضحِ على الممثل وانفعالاته، ولا سيما أنَّ كثيراً من تفاصيل العمل يتطلب إظهار الجانب النفسي للشخصيات. ولا ينسى المخرج حسين العناية بالصورة، فيشتغل على كوادرها كما يشتغل على الممثل فيها، وقد نجح في كثير من الأحيان على خلق أجواء متوترة، تزداد وتيرتها مع تأزم الحكايات.
طبيعةُ نص »ليــل ورجال« جعلت المسلسل دراما الممثل أولاً، رغم طغــيان النص، وظهور لمســات المــخرج حسين الإخراجية بوضوح، وهو الأمر الذي يجــعلنا نتوقف عند أداء الفنان فراس إبراهــيم، الذي قــدَّم شخــصية جديدة عليه تماماً هي »الدجال أبو معروف«، بعيدة عن نمط الشخصيات التي قدَّمها من قبل.
وبأداء دور »أبو معروف«، نجح الفنان إبراهيم في تجسيد المطلوب من الشخصية؛ وذلك بتجاوز المهمة الأصعب في أدائها، فأبدى قدرة على إقناع من حوله بقدراته العجائبية، وفي الوقت نفسه عمل على كسر الإيهام بقداسة الشخصية بالنسبة إلينا كمشاهدين، وهو ما يترك للممثل مكاناً أثيراً لا يقلّ عن أدائه شخصية »محسن« العالق في الذاكرة في مسلسل »خان الحرير«.
إلى جانب فراس إبراهيم، لا بدَّ من الانتباه إلى أداء الثنائي نضال سيجري وصفاء سلطان، وقد قدَّم كل منهما دورين مركبين صعبين بنجاح.. وبدا واضحاً تطور أداء صفاء سلطان التمثيلي، في حين يؤكد الفنان نضال سيجري قدرته على تقمص أدوار مركبة صعبة، وتقديمها في كل مرة بأدوات تمثيلية جديدة.
تعرضه قناة »الجديد« عند ٠٠١٧ ـ ٠٠٢
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد