النظافة في المرافق العامة ولأحياء الفقراء وجه آخر

07-08-2008

النظافة في المرافق العامة ولأحياء الفقراء وجه آخر

يُحكى أنّ الأمور، كل الأمور، كانت أبسط وأنقى في أيام زمان مقارنة بأيامنا هذه، تلك الأيام التي يتفاخر أجدادنا بها وبتاريخ مدنهم النظيفة، حيث بنيت أول حمامات عامة في العالم. نعيش اليوم واقعاً مختلفاً، إذ يتجوّل المرء في أحياء دمشق، فتذهله في معظمها، الكتابات الملونة على الجدران كدعايات بسيطة التكلفة، لكنها مقززة في نسقها العام. كذلك تتعثر قدماه بقذارات الشارع والأزقّة، أو تضيق أنفاسه برائحة حاوية القمامة قبل أن يراها، وغالباً هي ليست حاوية بل تكتل هرمي الشكل تقريباً، تتنوع مساحته وارتفاعه، وغدا دخول المرء إلى أحد الحمامات العامة عقاباً، إذ تفوح رائحتها النفّاذة والنتنة، إلى بعد عشرات الأمتار.

تعكس هذه المظاهر ممارساتنا اليومية التي تتناقض والشعارات الرسمية من طراز «لا ترمي الأوساخ» أو «حافظ على نظافة مدينتك» أو «النظافة من الإيمان»، إذ أنّ النظافة - كما تبدو لغالبية مجتمعنا - عملية مقتصرة على المصلحة الفردية، فسيدة المنزل تعنى بنظافة منزلها، وتتفاخر بلمعانه أمام جاراتها، وكذلك زوجها، لكن الاثنين لا يمانعان في رمي قاذوراتهم في زوايا الشارع وهم يعبرون مع أطفالهم، أو إلقاء المحارم الورقية بجانب مكانها المخصص في الحمامات العامة، إذ أنها ليست حمامات منازلهم!

أما حال الأحياء الفقيرة مثل «القدم» أو «الحجر الأسود» حيث يعيش السكان تحت خط الفقر، في ضوضاء من الجهل الفكري والصحي، فقد نشأ سبعة أطفال وهم يلعبون في «البستان» المقابل لزقاق منزلهم، ولم يكن هذا «البستان» بأكثر من تجمع مفتوح لقمامة أهل الحي! مخلفات الزجاج الملوث، وبقايا سوائل وأطعمة فاسدة، وعلب بلاستيكية وأعقاب سجائر وبقايا أدوية ونفايات المطبخ وسواها من المواد الخطرة على صحة الطفل، كانت لهم ألعاباً، يغادرونها مجبرين لتناول الطعام، وبسرعة يعودون إليها، وفي تلك الرحلة اليومية يغيب الصابون والماء كلازمة صحيّة قبل تناول الطعام، تماماً كما تغيب تقاليد تنظيف الأسنان أو العناية بأطراف الجسد ونظافتها اليومية.

بين هذا وذاك نتساءل عن معنى نظافتنا الحقيقي، أو بشكل أدق عن وعينا بمعنى النظافة كثقافة حياة يومية تمتد من المنزل إلى الشارع، عوضاً عن أن تكون مُجرّد شعارات نظرية تفتقر إلى الفاعلية، وهي في البلدان الأكثر حضارة تكاد تقترب من القوانين إذ يُغرم من يرمي الأوساخ في الشارع أو يمارس أي مخالفة بغرامات مالية مرتفعة جداً، أما لدينا وفي ظل غياب الوعي الصحي والاهتمام بالنظافة كثقافة اجتماعية فإننا نرى من يرمي قمامته بجانب الحاوية لأنّ رائحة الحاوية قذرة وهو لا يريد الاقتراب منها كي لا تعلق به، أو يكتفي بوضعها على زاوية الشارع المجاور لشارعه إن كانت الحاوية أبعد بخطوتين.

الأكثر سوءاً أنه وفي ظل هذا الغياب، برزت مشكلة خطيرة على المستوى البيئي عموماً وبالتالي الصحي في سورية، والمتمثّلة أكياس النايلون والبلاستيك وسواها من هذه المنتجات غير القابلة لأن تتحلل عضوياً في التربة، فتراها ترفرف إلى القادم على طريق المطار، وفي الطرقات الفرعية والساحات العامة، وكل مكان تقريباً، أكوام كشتل الزرع، لا أحد يهتم بها، ولا احد يسعى إلى إيجاد حلّ لها. وتكبر هذه المشكلة، بين حين وآخر، كما حصل عندما التهم عدد من الأبقار أكياساً في سياق بحثها عن الطعام وهو ما أدى إلى نفوقها.

والواقع انّ التوعية الاجتماعية العلمية التي تترافق بممارسة مستديمة للنظافة على اختلاف مستوياتها الخاصة والعامة تبدو هي الحل، ولقد تميّزت بلدة «دير عطية» بتجربة عمل اجتماعي رائدة على هذا المستوى، لا يعلم أحد على وجه الدقة من ابتدأها، لكن تقليدهم المتبع منذ زمن، أنه وبعد كل صلاة جمعة يخرج الجميع، من المساجد، والبيوت، والمحلات أو الأراضي، على اختلاف أعمارهم وأطيافهم، إلى شوارع البلدة، يلتقطون القمامة من الشوارع، وهكذا ينشأ الصغير وهو يرى والديه أو حتى جدّيه الذين يُجل ويحترم ينحنون للالتقاط علبة كولا فارغة أسقطها هو نفسه سهواً يوم البارحة، مما يكفل للصغير أن يغدو أكثر حذراً، وهو ما نتج منه حقيقة مدينة بشوارع وحدائق عامة ذهبية.

يارا بدر

المصدر: الحياة

التعليقات

تستهلك الغسالة الأوتوماتيك ما يعادل 70 الى 100 لتر من الماء مع كل استخدام. هذه الكمية الوفيرة من الماء يتم عادة صرفها في المجراير. و لكن امي الطيبة تفضل أستثمارها في غسيل الدرج و مدخل العمارة .و لو حسبنا أن بناءاً فيه عشرة طوابق و كل طابق فيه 5 شقق فيكون لدينا 5000 ليتر من الماء و المنظفات و هي كمية كافية لإبقاء شوارع المدينة نظيفة مثل كلاسين غم صلاح في داعية مبيض الأسراح. الدعوة هنا ليست لانشاء خزانات و شبكة مياه خاصة في الغسالات لدعم البلدية بكمية من المياه الصالحة لغسل الشوارع. من ناحية اخرى ينتج المكيف في منزلي في القرية ما يعادل 12 ليتر من الماء المقطر نتجية ارتفاع الرطوبة في الجو و هي كمية كافية لإبقاء تربة الحديقة رطبة طيلة فصل الصيف القائظ حيث يتحاشى المرء استخدام مياه الحنيفة في ري النباتات نظراً لشح الموارد المائية او سوء توزيعها. ما دام الجشع و العنف و التدافع و الخسة و الجريمة و الشطارة و الغلاظة و الإنتهازية و التقليد و النوم على درج المدراء و الإسيقاظ في تخت بناتهن هي شريعة الإقتصاد المعاصر فإننا لن نجد اللحظة الجميلة من حياتنا التي نفكر فيها بالعالم من حولنا. و لهذا ستخترقنا الشركات العابرة للقارات لأننا لن نستطيع ان نبحر في موجتنا الخصوصية مادمنا بهذه الهيستيرية.

أية توعية هذه التي ستؤدي بنا إلى الحصول على مدينةٍ ذات شوارع نظيفة ونحن في الوقت نفسه مذهولون خائفون مدوَّخون من هول الفواتير والضرائب والغرامات والمخالفات ـ لا سيّما - مايُسمّى ضريبة النطافة ؟ كيف يمكن أن ينتشر الوعي في مدينة والحكومة لا تدّخر جهداً في استنباط الإجراءات التي تُبقينا بغير وعي .. أو حتى تُوصِلنا إلى مرحلة الـ (كوما) ؟؟.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...